للوهلة الأولى، بدا تعمّد وزارة الأمن الإسرائيلية الكشف مساء الأحد عن صور لمنظومة العوائق المادية التي شرعت ببنائها على ساحل البحر شمال قطاع غزة، لمواجهة عمليات تسلّل محتملة يمكن أن ينفذها الكوماندوس البحري التابع لـ"كتائب عز الدين القسام"، الجناح العسكري لحركة "حماس"، "مستهجناً". فالشروع في بناء هذه المنظومة، الذي سيتم الانتهاء منه نهاية العام الحالي، كان يفترض أن يحصل بسريّة تامة من أجل أن يحقّق عنصر المفاجأة عندما يتم الإقدام على أي محاولة تسلّل في المستقبل على أرض الواقع.
وزعمت وزارة الأمن، في بيانها الأحد، أنّ منظومة العوائق المادية المائية تهدف بشكل أساس إلى تقليص قدرة "كتائب القسام" على حفر أنفاق بحرية تساعد مقاتلي الكوماندوس البحري على التسلّل إلى المرافق العسكرية والاقتصادية الحساسة، مشيرة إلى أنّ "الحركة قامت في الماضي بحفر نفق بحري على الأقل".
وقد حرص ممثلو المؤسسة العسكرية الإسرائيلية على لفت أنظار الصحافيين والمعلّقين العسكريين إلى أنّ منظومة العوائق المائية تمتدّ على مسافة 200 متر وبعرض 50 متراً وبعق 6 أمتار، وهي مكوّنة من ثلاث طبقات حماية، إلى جانب أنها مزوّدة بمنظومات إنذار مبكر للتحذير من عمليات التسلّل الوشيكة.
لكن كل الدلائل تؤكّد أنّ الكشف عن هذه المنظومة قبل استكمال بنائها بفارق زمني كبير نسبياً، مرتبط بالجهود الهادفة حالياً للتوصّل إلى تهدئة طويلة الأمد بين المقاومة في قطاع غزة وإسرائيل. فإسرائيل تحاول إيصال رسالة إلى حركة "حماس"، مفادها أنه يجدر بها عدم إبداء التشدّد في الاتصالات الهادفة لإنجاز مسار التهدئة الذي ترعاه مصر والأمم المتحدة، على اعتبار أنّ قدرة جناحها العسكري على مباغتة إسرائيل في المواجهة المقبلة تقلّصت.
ومما يعزّز الاعتقاد بأنّ الهدف من الكشف عن التطور الذي شهده بناء منظومات العوائق المائية البحرية هو محاولة للضغط على "حماس" لإبداء مرونة في الشروط التي تضعها لإنجاز التهدئة، حقيقة أنّ ممثلي وزارة الأمن الإسرائيلي زعموا أنّ جيش الاحتلال يتجه لتحييد الخطر الذي تمثّله الأنفاق البحرية التي تحفرها "حماس" بالقرب من الساحل شمال القطاع، بعد أن نجح في تحييد الأنفاق الأرضية التي تحفرها "كتائب القسام" على طول الحدود البرية بين القطاع والأراضي المحتلة.
ويتضح أن جيش الاحتلال يمارس "حرباً نفسيةً" ضد حركة "حماس"، من خلال محاولة إقناعها بعدم التوجّه إلى خيار يقود إلى مواجهة جديدة ستكون قدرة الحركة على مباغتة إسرائيل خلالها متدنية. لكنّ نظرة متأنية تدلّ على أنه على الرغم من الكشف الظاهري عن الصور التي توثّق بناء منظومات العوائق البحرية، إلا أنّ هناك حالة من انعدام اليقين تسود قيادة الجيش الإسرائيلي إزاء فعالية هذه المنظومة. فقد تمّ الشروع في تدشينها كمظهر من مظاهر استخلاص العبر من حرب 2014، بعدما تمكّنت مجموعة مقاتلين من "كوماندوس حماس" البحري، من التسلّل إلى قاعدة "زيكيم" البحرية، ومهاجمتها وتفخيخ عربات عدة داخلها، قبل أن يستشهدوا في قصف بواسطة طائرة من دون طيار، غير قادرة على تأمين المرافق الإسرائيلية الحساسة.
وقد يكون من المصادفة أنّ الكشف عن بناء منظومات العوائق المائية لمواجهة "كوماندوس حماس" تزامن مع إقرار تقرير عسكري داخلي بعجز سلاح البحرية الإسرائيلي عن تأمين المياه الاقتصادية التابعة لدولة الاحتلال وما تشمله من مرافق عسكرية واقتصادية أخرى مهمة، لا سيما حقول الغاز. وبحسب التقرير الذي أعدّه معلق الشؤون الاستخبارية، يوسي ميلمان، ونشرته صحيفة "معاريف" الأحد، فقد أقرّ الجيش الإسرائيلي بأنه على الرغم من أنه قد أنفق مليارات الدولارات على شراء سفن ومنظومات دفاع متطورة لمواجهة الصواريخ، إلا أنّه غير قادر على تأمين المياه الاقتصادية، لدرجة أنه أوصى الحكومة بإغلاق حقول الغاز في حال نشبت أي حرب مع "حزب الله" أو حركة "حماس"، خشية تعرّض هذه الحقول للأذى.
إلى جانب ذلك، فإنّ التقديرات التي قدّمتها شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية أخيراً قد حذّرت من أنّ حركة "حماس" في المواجهات المقبلة ستلجأ إلى استخدام قدرات جوية، لا سيما الطائرات المسيرة ذات القدرات الهجومية. وما أضفى صدقية على هذه المخاوف، حقيقة أن وسائل الإعلام الإسرائيلية كشفت أخيراً عن أن طائرة صغيرة مزودة بمتفجرات قد انطلقت من قطاع غزة وحلّقت فوق إحدى المستوطنات في غلاف غزة.