استمع إلى الملخص
- خلال العام الماضي، ارتكبت إسرائيل 3650 مجزرة في غزة، مما أدى إلى استشهاد وفقدان 52 ألف فلسطيني، واستهدفت البنية التحتية الصحية والتعليمية واعتقلت أكثر من خمسة آلاف فلسطيني.
- لم تُحاسب إسرائيل دوليًا بسبب ازدواجية المعايير، لكن المنظمات الحقوقية تواصل توثيق الجرائم والمطالبة بالعدالة وسط تزايد الوعي العالمي.
في أعقاب عملية طوفان الأقصى التي نفذتها "كتائب القسام" الذراع العسكرية لحركة حماس ومعها فصائل أخرى، في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، والتي استهدفت ما يُعرف بمستوطنات "غلاف غزة" وقاعدة فرقة غزة العسكرية الإسرائيلية وحاجز بيت حانون (إيرز)، شنّت إسرائيل عدواناً قاسياً على الفلسطينيين لا يزال مستمراً بدون أفق لنهايته على الرغم من جولات التفاوض المتكررة.
ولا يزال نحو 2.4 مليون فلسطيني في القطاع المحاصر والمُدمر يعيشون ظروفاً غير آدمية، نتيجة إجبارهم من الاحتلال الإسرائيلي على النزوح وترك منازلهم، فيما لم تُبقِ إسرائيل سلاحاً إلا واستخدمته ضدهم وحوّلت حياتهم إلى جحيم.
وغيّر السابع من أكتوبر ملامح قطاع غزة تماماً كما ملامح سكانه، ولم يعد ممكناً معرفة شوارعه وأبنيته نتيجة للتدمير الممنهج الذي طاول ما يقارب 80% منها، فيما الـ20% المتبقية أصبحت مدمرة جزئياً أو يتهددها الاستهداف، وارتكبت إسرائيل خلال العام الماضي أبشع الجرائم بحق المدنيين الذين طاولهم العدوان والحصار والتجويع من كل جانب. وتلقت إسرائيل "ضربة" في السابع من أكتوبر وتحوّلت في ساعة واحدة هي ذروة العملية العسكرية الفلسطينية إلى ساحة استفردت بها المقاومة، وعقب ذلك تعاملت على أنّ القطاع أضحى تهديداً وجودياً لها، وباتت كل غزة مستباحة لأهدافها ووضعت شروطاً للحرب، أبرزها إنهاء حكم "حماس" وتجريد الحركة من سلاحها ومنعها من إعادة بناء قوتها العسكرية، لكن أياً منها لم يتم إنجازه بالكامل، وفق الواقع والاعترافات الإسرائيلية ذاتها. وبالتزامن مع حربها الجوية التي بدأت بعد ساعتين من "طوفان الأقصى" والبرية التي بدأت بعد عشرين يوماً وطاولت 75% من مناطق قطاع غزة وأحالتها دماراً وركاماً، فرضت إسرائيل حصاراً قاسياً على الفلسطينيين ومنعت عنهم الطعام والمياه والكهرباء، حتى الأدوية والمستلزمات الصحية، وبات كل ما يدخل إلى القطاع يتم التنسيق له من قبلها وتحت رقابتها.
وثق المكتب الإعلامي الحكومي ارتكاب إسرائيل نحو 3650 مجزرة في غزة خلال عام
وخلال العام الماضي، ووفق توثيقات المكتب الإعلامي الحكومي، ارتكبت إسرائيل نحو 3650 مجزرة أدت إلى استشهاد وفقد نحو 52 ألف فلسطيني، منهم عشرة آلاف لا يعرف مصيرهم أو لم يجرِ انتشالهم من تحت أنقاض منازلهم المدمرة على رؤوسهم، فيما سُجل رسمياً نحو 42 ألف شهيد وصلوا إلى مستشفيات وزارة الصحة. ونال الأطفال نصيبهم من الحرب، حيث استشهد نحو 17 ألفاً، منهم 171 رضيعاً ولدوا في الحرب واستشهدوا فيها، و710 كان عمرهم أقل من عام، فيما قتلت حرب التجويع 36 منهم، بينما يعيش نحو 26 ألفاً من دون والديهم أو أحدهما. وطاولت الحرب النساء إذ استشهدت نحو 11500 فلسطينية ليسجلن مع الأطفال نسبة 69% من ضحايا حرب الإبادة.
ولم تسلم الطواقم الطبية من الاستهداف والذي بدا واضحاً أنه ممنهج ومتعمد، إذ سُجل استشهاد 986 منها، و85 من الدفاع المدني. وأقيمت سبع مقابر جماعية في المستشفيات المركزية التي كانت تضم قبل تدمير معظمها نحو 100 ألف جريح ومصاب لا يزال 12 ألفاً منهم بحاجة ماسة للسفر، كذلك عشرة آلاف مصاب بالسرطان ولم يتم حل وضعهم نتيجة إغلاق وتدمير معبر رفح البري منذ بداية شهر مايو/أيار الحالي. ولاحقت إسرائيل الفلسطينيين الذين لجأوا إلى المدارس والمستشفيات التي حوّلوها مراكز إيواء بعد تدمير بيوتهم وتهجيرهم، واستهدفت صواريخها وقذائفها 184 منها، بزعم استخدام هذه المدارس مراكز قيادة وسيطرة للفصائل التي تنفي هذه الاتهامات، وتقول إنّ إسرائيل تنفذ سياسة العقاب الجماعي والقتل ضد الفلسطينيين.
خلال العملية العسكرية البرية في نهاية أكتوبر/تشرين الأول 2023 وعلى محور نيتساريم الذي بات يفصل شمالي قطاع غزة عن جنوبه، اعتقلت اسرائيل أكثر من خمسة آلاف فلسطيني، لا يزال غالبيتهم يقبعون في السجون ضمن ظروف في غاية الصعوبة والقسوة، وسط غياب المعلومات عنهم ومعاملتهم من إسرائيل على أنهم عناصر من المقاومة، ومنهم 310 من الكوادر الطبية و36 صحافياً وعاملاً بوسائل الإعلام. ومع بداية الحرب وانهيار العمل الحكومي في غزة، دمرت طائرات إسرائيلية 201 مقر حكومي، فيما أخرجت 125 مدرسة وجامعة عن الخدمة تماماً، و337 جزئياً. ولقد سُجل استشهاد نحو 11500 طالب وطالبة، و750 معلماً ومعلمة وعاملاً في سلك التعليم، و115 عالماً وأستاذاً جامعياً وباحثاً أعدمهم الاحتلال. بالتوازي مع تدمير المنازل، والتي وصل عددها إلى نحو 150 ألفاً دُمرت بالكامل، استهدف الاحتلال دور العبادة بشكل مركّز منذ بداية الحرب، ما أدى إلى تدمير 611 مسجداً كلياً و214 جزئياً وثلاث كنائس. ووفق تقديرات المكتب الإعلامي الحكومي ومؤسسات حقوقية محلية ودولية، فإنّ الاحتلال ألقى على القطاع 85 ألف طن من المتفجرات سواء من الجو أو البر.
إبادة وتدمير وتهجير في غزة
يقول مدير عام المكتب الإعلامي الحكومي في غزة إسماعيل الثوابتة، لـ"العربي الجديد"، إنّ الاحتلال ألقى أكثر من 100 ألف صاروخ وقنبلة على الأحياء السكنية في قطاع غزة، ما أدى إلى مجازر وإبادة جماعية ومسح 902 عائلة بأكملها من السجل المدني (لم يتبقَ أحد من العائلة)، مشيراً إلى أنّ الاحتلال يقتل الفلسطينيين بالصواريخ التي يتزود بها من الولايات المتحدة، وبعض الدول الأوروبية التي تتحمّل مع الاحتلال مسؤولية هذه الجرائم والمجازر. ويوضح الثوابتة، وهو الوحيد من المنظومة الحكومية الرسمية الذي يظهر على وسائل الإعلام، أنّ الاحتلال أباد 1364 أسرة فلسطينية بقتل جميع أفرادها ولم يتبقَ منها سوى فرد واحد في كل أسرة، إضافة إلى مسح 3472 أسرة فلسطينية بقي لها فردان فقط. وأشار إلى أنّ ما يمارسه الاحتلال في غزة هو "حرب إبادة جماعية شاملة"، مؤكداً أنّ العدوان الشامل أدى إلى أضرار فاقت 33 مليار دولار، وهي تقديرات أولية مباشرة فقط من خلال الاستهداف الإسرائيلي المُركز لـ15 قطاعاً حيوياً في القطاع.
الثوابتة: الاحتلال ألقى أكثر من 100 ألف صاروخ وقنبلة على غزة، ما أدى إلى مسح 902 عائلة بأكملها من السجل المدني
ويشدد على أنّ "لا مكان آمناً في غزة"، وأنّ ما يجري يومياً وما جرى طوال العام "كارثة إنسانية وجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وضد القانون الدولي"، لكنها تجري بدون أن يحرك أحد ساكناً، ووصل البعض من العرب إلى التماهي مع الاحتلال الإسرائيلي في الحرب التي أكلت الأخضر واليابس. ويتعامل الإسرائيليون، جيشاً وحكومة ومسؤولين، بدون أي محاسبة، ولم تتمكن المحاكم الدولية من وقف حرب الإبادة ضد الشعب الفلسطيني، وفق الثوابتة، الذي يشير إلى أنّه "يجب العمل على ملاحقة مسؤولي الاحتلال المتهمين بارتكاب هذه الجرائم".
المحاسبة الغائبة
على الرغم من الجرائم والمجازر التي ارتكبها جيش الاحتلال في غزة والتي خرجت صورها إلى العالم، فإنه لم تجرِ محاسبة إسرائيل عليها، وكل الخطوات التي أعلنت، على أهميتها الرمزية، لم تترجم إلى إجراءات نتيجة اختلال نظام العدالة الدولية وارتهانه لازدواجية المعايير، وفق أهواء الدول الغربية، تحديداً الولايات المتحدة وبريطانيا، وبعض الدول الأوروبية التي يعد أغلبها شريكاً في هذه الإبادة من خلال دعم إسرائيل بالسلاح والذخائر، إضافة إلى عرقلة تطبيق أي قرار لوقف النار في مجلس الأمن، وفق حديث مؤسس ورئيس المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان رامي عبده لـ"العربي الجديد".
رامي عبده: عملت إسرائيل على مرأى العالم بأسره على ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية
يقول عبده: "لم تُحاسب إسرائيل، لكننا على يقين أن المحاسبة آتية، مهما طال الزمن، وجرائم الإبادة والحرب والجرائم ضد الإنسانية لا تسقط بالتقادم، وستأتي اللحظة التي تتغير فيها موازين القوة لتنتصر العدالة والإنسانية ويتحقق الإنصاف للضحايا، وهذا ما يقوله التاريخ". يتابع: "على الرغم من المعطيات التي وثقتها الأمم المتحدة وبرزت نسبياً في بعض تقارير مقرريها الخاصين، وكانت دافعاً لمحكمة العدل الدولية لقبول دعوى أفريقيا بمحاكمة إسرائيل بارتكاب جريمة الإبادة الجماعية، إلا أنّ إسرائيل لا تزال خارج المحاسبة الفعلية".
ويشير عبده إلى أنه على مدار كامل عملت إسرائيل على مرأى العالم بأسره وبنيّة معلنة في تصريحات متكررة من قادة الاحتلال على ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية على أوسع وأبشع ما يمكن، وبشكل يكاد يكون غير مسبوق من حيث مستوى الحجم والتكرار واتساع النطاق وحجم المتأثرين خلال فترة زمنية ممتدة إلى الآن عاماً كاملاً، وهي استكمال لجرائم لم تتوقف طوال سبعة عقود ونصف العقد. ويلفت إلى أنّ مؤشرات ذلك كله تظهر بارتكاب أفعال الإبادة التي يتأكد لكل متابع أنها ترمي إلى التدمير الكلي أو الجزئي لجماعة قومية، وهي هنا الفلسطينيون الذين يستهدفهم فقط لكونهم فلسطينيين موجودين في بقعة جغرافية لا تتعدى 365 كيلومتراً مربعاً.
وبحسب رئيس المرصد الأورمتوسطي، فإنّ "العالم يرتهن لنظام عدالة قد يكون جميلاً في أدبياته، لكنه يفتقر لآليات التنفيذ الواضحة والحاسمة، ولاختلال موازين القوى، ويرتهن للدول الشريكة في الإبادة، والتي هي بنفسها تمارس جرائم التعدي على القانون الدولي الإنساني خارج بلدانها وحتى داخله". غير أنه لم يُخفِ وجود "صحوة ضمير تعلو في العالم، لكن نطاقها لدى الشعوب وبعض المنظومات المدنية، وهذه المنظومة غير قادرة على التأثير حتى الآن في سياسات بلدانها الداعمة للاحتلال والإبادة الجماعية التي يرتكبها".
وينبّه إلى أنّ "السلوك الدولي والإقليمي في التعاطي مع جرائم إسرائيل بغزة ولبنان والضفة الغربية، وتهورها في اليمن وحتى في إيران وسورية، لا يبشر بالخير، فما زلنا أسرى لحالة ازدواجية المعايير المقيتة، والكيل بموازين مختلفة، وما زالت إسرائيل تعربد في المنطقة، وتحظى بقنوات مفتوحة وجسور لتزويدها بالسلاح من أميركا وغيرها من الدول، إضافة إلى دعمها الاستخباري من بريطانيا وأميركا، إلى جانب حمايتها بقرارات الفيتو في مجلس الأمن". ووفق عبده، فمع تهديدات إسرائيل بتوسيع الحرب، وبدء عدوانها على لبنان بعد غزة، فإنّ هناك امتعاضاً يتسع من مستوى العربدة الإسرائيلية التي يمكن أن تجر المنطقة بأسرها إلى حرب متدحرجة، ولا فائز في الحرب والكل خاسر، وبالتالي مصالح الدول الكبرى التي تغض النظر عن جرائم إسرائيل، بل تدعمها، لن تكون بمنأى عن التأثر بتداعيات حالة كهذه.