تونس: البحث عن بدائل لحل الأزمة بعد تعطّل الحوار الوطني

24 مارس 2021
سعيد لم يرد على مبادرة اتحاد الشغل إلى الآن (الشاذلي بنبراهيم/Getty)
+ الخط -

لا تزال الساحة السياسية في تونس تعاني من الجمود بسبب القطيعة الحاصلة بين رئاسة الجمهورية ورئاسة البرلمان ورئاسة الحكومة، وتواصل المواقف الحادة المتبادلة بين الرؤساء الثلاثة، قيس سعيد وراشد الغنوشي وهشام المشيشي.

وأمام تعطّل لغة الحوار بين المؤسسات، واشتداد الأزمة السياسية التي انعكست بقوة على الحياة الاجتماعية والاقتصادية، وتصاعد الخلافات داخل البرلمان، وتصاعد منسوب "العنف السياسي" عموما، تحاول عدة جهات إيجاد مخرج لهذه الوضعية الخانقة، خاصة بعد سقوط مبادرة الاتحاد العام التونسي للشغل في طرح حوار وطني تشرف عليه الرئاسة التونسية.

وأمس الثلاثاء، أكد أمين عام اتحاد الشغل نور الدين الطبوبي، في ما يتعلق بمبادرة الاتحاد حول الحوار الوطني، أنه "لم يتلق جوابا واضحا من رئيس الدولة"، وأن هياكله "بصدد إعداد مبادرة ثانية لحلحلة الوضع".

ويبقي الرئيس سعيد مبادرة الاتحاد معلّقة، فلا هو واجهها بالرفض، ولا أعلن قبولها، ما دفع قيادات المنظمة النقابية إلى إبداء انزعاجها من هذه الوضعية، والشروع في أخذ مسافة من الرئاسة تعيد للمبادرة حيويتها بعد أشهر من الدفاع عن الرئيس ومواقفه.

تقارير عربية
التحديثات الحية

وكانت مصادر مطلعة كشفت منذ شهر، لـ"العربي الجديد"، عن "انزعاج نقابي" من موقف الرئيس من الحوار الوطني وتعطيله لمبادرة الاتحاد، وعزم المنظمة على البحث عن سبل جديدة للحد من الأزمة السياسية وعدم الاكتفاء بدور المتفرج على تدهور الأوضاع.  

وأمس الثلاثاء، أكد المتحدث الرسمي باسم الاتحاد العام التونسي للشغل، سامي الطاهري، وجود مشروع بديل لإنقاذ البلاد وحل الأزمة السياسية.

وعلى هامش نشاط نقابي في مدينة الحمامات، قال الطاهري، لوكالة الأنباء التونسية: "لنا مشروع بديل. نعمل على تجميع كل الأطراف حوله، وجوهره إنقاذ البلاد ومقاومة رداءة الأداء السياسي".

وأشار إلى أن "الأمل ما زال قائما في إجراء الحوار الوطني الشامل الذي كان دعا إليه الاتحاد، بما فيه السياسي والاقتصادي والاجتماعي"، مبينا أنه "في حال استحالة تنظيم هذا الحوار، فإن اتحاد الشغل سيتدخل، لا بمنطق التهديد، وإنما بالحرص على لعب دوره الوطني في الوقت المناسب، وفي أقرب الأوقات، خاصة وأن البلاد لم تعد قادرة على الانتظار أكثر"، وفق تعبيره.

يبقي الرئيس سعيد مبادرة اتحاد الشغل معلّقة، فلا هو واجهها بالرفض، ولا أعلن قبولها، ما دفع قيادات المنظمة النقابية إلى إبداء انزعاجها من هذه الوضعية، والشروع في أخذ مسافة من الرئاسة تعيد للمبادرة حيويتها بعد أشهر من الدفاع عن الرئيس ومواقفه

وأوضح الطاهري، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "الاتحاد العام التونسي للشغل لن يذهب إلى تنفيذ الخطة الجديدة قبل الحصول على تأكيد رسمي أن الرئيس سعيد لن يقبل الإشراف على مبادرة الحوار الوطني الذي دعا إليه الاتحاد". 

وأضاف، في السياق ذاته، أن "الاتحاد لن يكشف في الوقت الحالي عن خطته لإنقاذ البلاد من الأزمة التي تتخبط بها قبل استنفاد كل الحلول التي طرحت سابقا". لكنه قال إن "هناك صيغا أخرى لتقديم بدائل للحوار الوطني والضغط على الطبقة السياسية والفرز".

في غضون ذلك، يتواصل "القصف" عن بعد بين أطراف الأزمة، حيث ينادي أنصار الرئيس سعيد بحل البرلمان وتغيير النظام السياسي من برلماني إلى رئاسي، ويجيب الغنوشي بأنه "لا سبيل لحل البرلمان اليوم إلا إذا عجز عن إنتاج حكومة وتزكيته، والشعب التونسي الذي سال دمه من أجل الاستقلال وتأسيس برلمان وطني لا يمكن أن يسمح بأن يتحكم فيه لا زيد ولا عمر".

واعتبر الغنوشي أن تونس تحتاج اليوم إلى "حوار ومشروع وطني يجمع بين جميع الاتجاهات، لتكوين أهداف مشتركة بديلة عن الوضع الحالي الذي يقوم على تجذير القطيعة".

وعبّر عن استغرابه ما تشهده تونس اليوم، قائلاً: "ينبغي أن تكون لنا أهداف مشتركة، إلا أن السلطة نفسها لم تبق موحدة، ويجب أن نجمع ولا نفرق".

رئيس كتلة حركة النهضة بمجلس نواب الشعب، عماد الخميري، أوضح، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن الدعوة اليوم لحوار وطني تأتي "في ظل حرص المنظمات الوطنية، كاتحاد الشغل، واتحاد الصناعة والتجارة (منظمة رجال الأعمال)، على حوار ينهي الأزمة"، مؤكدا أنه "في ظل تواصل هذا المأزق وعدم تنظيم الحوار، فإن هذا سيؤدي إلى العديد من الصعوبات"، ولكنه شدد على "الاستمرار في الدعوات لحوار وطني باعتباره الحل الأمثل والسبيل الأنسب للخروج من الإشكال".

وأضاف الخميري أنه "لا بد من الاستمرار في دعم الحكومة من أجل القيام بالمهام الموكولة لها"، مؤكدا أن "الوضع الاقتصادي والاجتماعي هو جوهر المشكل في تونس، وهذه المسائل لا تنتظر، ولا بد من حلول لها، والانطلاق قد يكون مع المنظمات الاجتماعية، كاتحاد الشغل والفلاحة والصناعة". 

وبيّن أن النهضة "طالبت دائما بحوار لا يقصي أحدا، ويجمع الناس على طاولة المفاوضات والحوار"، مشيرا إلى أن "هناك بعض الأطراف التي ترى أنها غير معنية، وبالتالي هذه فقط التي يمكن استثناؤها"، مشيرا إلى أنه "لا معنى للحديث عن حوار وطني بشروط تقصي البعض وتستثني البعض الآخر".

وردا على سؤال يتعلق بمواصلة رفض رئيس الجمهورية الرد على دعوة رئيس حركة النهضة لحوار وطني، بيّن الخميري أنه "من الأفضل أن تستجيب مكونات الدولة للدعوة لحوار وطني، لأنه لا معنى للرفض من قبل من يمثل وحدة التونسيين والدولة، والرئيس هو الضامن للوحدة، وبالتالي لا معنى أن لا يستجيب للحوار"، وأكد أن "الرفض قد يضعه في خانة الأطراف التي ستتحمل مسؤولية ما ستؤول إليه الأوضاع في غياب حوار وطني"، مشيرا إلى أن "مصلحة تونس تقتضي أن تستجيب رئاسة الجمهورية لهذه الدعوة". 

رئيس الحكومة التونسية، هشام المشيشي، وبغاية كسر هذا الجمود وهذا الحصار على الحركة، أطلق سلسلة حوارات في مؤسسة بيت الحكمة، تجمع منظمات اجتماعية واقتصادية ورجال أعمال، بِما يشبه حوارات اقتصادية اجتماعية يمكن أن تشكل بديلا مؤقتا عن الحوار الوطني، وتتوصل إلى اتفاقات اقتصادية واجتماعية، ولكنها لا يمكن أن تكون بديلا عن الحوار السياسي، لأن أصل الأزمة سياسي يستوجب حلولا واتفاقات سياسية. 

المساهمون