تهديدات باكستانية بالتوغل داخل أفغانستان: هل توسع "طالبان" الخلافات؟

05 يناير 2023
من الهجوم الانتحاري في إسلام أباد، 23 ديسمبر (فاروق نعيم/فرانس برس)
+ الخط -

في ظل الحالة المعيشية والاقتصادية المتردية، تشهد الساحة الباكستانية في الفترة الأخيرة حالة أمنية سيئة، وموجة من أعمال العنف والعمليات التفجيرية التي استهدفت شرائح مختلفة من أفراد الجيش والشرطة والأمن والاستخبارات وعامة المسؤولين في الحكومة، ووصلت إلى العاصمة الباكستانية إسلام أباد ومدن إقليم البنجاب.

وتأتي هذه الموجة بعدما أكدت المؤسسة العسكرية الباكستانية أنها قصمت ظهر الجماعات المسلحة، خصوصاً حركة طالبان الباكستانية. لكن الأمور بدأت تتغير، إذ أكدت حكومة إقليم خيبربختونخوا في شمال غربي البلاد، في بيان في 31 ديسمبر/كانون الأول الماضي، أن الإقليم وحده شهد خلال الشهرين الماضيين 56 عملية مسلحة، من دون ذكر تفاصيل الخسائر. وبعد ذلك بيوم، أعلنت "طالبان" الباكستانية أنها قتلت خلال العام الماضي 446 من عناصر الجيش الباكستاني.

تهديدات باكستانية بالتوغل داخل أفغانستان

وفي خضم الأزمة الأمنية، تؤكد إسلام أباد أن كل الخيارات مفتوحة أمامها، بما فيها التدخّل العسكري في الأراضي الأفغانية للقضاء على قيادات وعناصر "طالبان" الباكستانية. في المقابل، تشدد كابول على أنها على أهبة الاستعداد للدفاع عن أراضيها وسيادة أفغانستان، وأن الأفغان لديهم تجربة كافية لقمع أي محتل لأراضيهم والدفاع عن أرض وسيادة بلادهم.

وقال المحلل الأمني الباكستاني شكيل كراري لـ"العربي الجديد"، إن ما حدث في الأيام الأخيرة في الساحة الباكستانية، مثل الهجوم الانتحاري في إسلام أباد، وهجوم مسلحين على مركز لقوات مكافحة الإرهاب في مدينة بنو وسيطرتهم عليه لساعات، ووقوع ثمانية تفجيرات في يوم واحد في إقليم بلوشستان، إضافة إلى هجمات كبيرة وممنهجة أخرى، يشير إلى أن "طالبان" الباكستانية رتبت صفوفها من جديد، وأن الآتي قد يكون أسوأ مما نتصوره ونتوقعه.

ولفت كراري إلى أن المشكلة الأساسية أنه بعد وصول "طالبان" إلى الحكم في كابول، حصلت "طالبان" الباكستانية على قوة مضاعفة، وأصبحت لها مراكز تدريب قوية في المناطق القبلية الباكستانية وداخل أفغانستان، مشيراً إلى أنه في الفترة السابقة، وفي ظل التفاهمات بين باكستان والحكومة السابقة في كابول، بالإضافة إلى تواجد القوات الدولية، لم تكن حركة طالبان الباكستانية تستطيع أن تنشط بسهولة، غير أنها الآن تعمل كما تريد، معتبراً أن "طالبان الأفغانية تفق وراءها، وتدعمها.


شكيل كراري: "طالبان" الباكستانية رتبت صفوفها والآتي قد يكون أسوأ مما نتصوره

وأشار كراري إلى أنه قبل فترة (لم يحدد الموعد) قام رئيس الاستخبارات الباكستانية الجنرال نديم أنجم بتقديم إيجاز إلى البرلمان في اجتماع مغلق، وقال إن "طالبان" الباكستانية والأفغانية وجهان لعملة واحدة، وأن الأيام المقبلة ستكون صعبة ومصيرية لمستقبل باكستان، التي عليها القضاء على مواقع قوة "طالبان" الباكستانية التي نظمت صفوفها واستعادت قوتها من جديد بعد وصول طالبان إلى الحكم في كابول. وشدّد على أنه "لا توجد مهلة كبيرة أمام الحكومة والجيش الباكستاني لأن القضية تتعاظم".

ورأى كراري أن على باكستان أن تخوض هذه الحرب خارج أراضيها، وإذا انتظرت إلى أن تقضي على المسلحين داخل الأراضي الباكستانية فحينها ستكون خسارة كبيرة، لأن الأمر هذه المرة يختلف عن السابق.

ولم تقف قوات الجيش الباكستاني مكتوفة الأيدي، بل تقوم بعمليات عسكرية ضد المسلحين في مختلف مناطق شمال غربي باكستان وفي إقليم بلوشستان، وتعلن في بيانات عدة مقتل مسلحين وعناصر ضالعين في أعمال العنف.

كما أن اجتماع مجلس الأمن الوطني الذي عُقد الإثنين الماضي، برئاسة رئيس الوزراء شهباز شريف وشاركت فيه قيادة الجيش والاستخبارات، أعطى الأوامر للقوات المسلحة بتكثيف العمليات في كل مناطق البلاد ضد المسلحين.

اللافت أيضاً أن مجلس الأمن الوطني كان قد أعلن بعد الاجتماع أن جميع الخيارات مفتوحة أمام باكستان للقضاء على المسلحين الذين يشكلون الخطر لأمنها، وأنها لن تسمح لأي دولة مجاورة بأن يستخدم المسلحون أراضيها ضد أمن واستقرار باكستان، وذلك في إشارة إلى أفغانستان، من دون تسميتها.

وأثار بيان مجلس الأمن الوطني حفيظة "طالبان" في أفغانستان، إذ قال المتحدث باسم الحركة ذبيح الله مجاهد، في بيان مساء أول من أمس الثلاثاء، إن ما تعلنه باكستان لا أساس له من الصحة وهو مجرد اتهامات. وأكد أن توجيه التهم لا يُسمن ولا يغني من جوع، وأن "طالبان" مستعدة للحديث مع باكستان حول كل المواضيع عبر القنوات الدبلوماسية والتوتر بين الدولتين ليس في صالح أحد.

وطالب إسلام أباد بأن تعمل بجد من أجل مواجهة ملفاتها الداخلية بدلاً من توجيه الاتهامات إلى حركة "طالبان"، مشدداً على أن الحكومة الأفغانية لن تسمح لأي جهة بأن تستخدم الأراضي الأفغانية ضد أي دولة مجاورة، لكنها في الوقت نفسه لن تسمح لأحد بأن ينتهك سيادة أفغانستان وأراضيها.

استعداد "طالبان" الأفغانية للقتال

وسبق أن اعتبرت وزارة الدفاع الأفغانية، في بيان الأحد الماضي، تصريحات وزير الداخلية الباكستاني رانا ثناء الله، الذي أكد أن القوات الباكستانية قد تدخل الأراضي الأفغانية للقضاء على المسلحين الذين يشنون الهجمات في باكستان، مستفزة ومثيرة للقلق.

وأكدت الوزارة أن الأفغان يعرفون جيداً كيف يدافعون عن أرضهم وسيادة بلادهم، وأن قوات "طالبان" لديها تجربة كافية في الحرب والدفاع عن بلادها، مؤكدة أن مثل هذه التهديدات ستكون لها انعكاسات سلبية على العلاقات بين الدولتين، وأن الحكومة الأفغانية على الرغم من إصرارها على حل كل الملفات عبر القنوات الدبلوماسية إلا أنها قادرة على الدفاع عن أراضيها ولديها استعداد كامل لذلك، ولن ترضى بالتدخل لأي دولة في شبر من أرض أفغانستان. كما رفضت وزارة الدفاع موقف إسلام أباد بشأن وجود "طالبان" الباكستانية في أفغانستان، وقالت إن مسلحي وقيادات "طالبان" الباكستانية في باكستان، ولا وجود لهم في أفغانستان.

وكان وزير الداخلية الباكستانية رانا ثناء الله قد أكد في تصريح صحافي، أن الحكومة الباكستانية تناقش مع حكومة "طالبان" قضية مسلحي حركة طالبان الباكستانية وتواجدهم في أفغانستان، ولكن إذا كانت تلك المباحثات غير مجدية فحينها يمكن أن تدخل القوات الباكستانية إلى الأراضي الأفغانية وتقضي على المسلحين الذين يشنون الهجمات في باكستان.


أسد الله نديم: باكستان قد تلجأ لشن غارات عبر طائرات من دون طيار

وفي تعليق له على موقف باكستان الجديد وتهديدها بالتوغل داخل الأراضي الأفغانية، قال المحلل الأمني الأفغاني أسد الله نديم، لـ"العربي الجديد"، إنه من المستبعد جداً أن تدخل القوات الباكستانية إلى الأراضي الأفغانية.

وأشار إلى أن ما قاله المسؤولون الباكستانيون وما تروج له وسائل إعلام باكستانية من أن باكستان تعمل على خطة لإنشاء منطقة آمنة داخل الأراضي الأفغانية على غرار ما فعلته تركيا في سورية، يأتي فقط من أجل الضغط على "طالبان" كي تقبل مطالبها، لأن باكستان تدرك جيداً أن أخذ شبر واحد من أراضي أفغانستان صعب للغاية، لا سيما وأن كل الحدود المتاخمة على الحدود تقطن على امتدادها قبائل البشتون التي قاومت البريطانيين ثم الروس وأخيراً الولايات المتحدة، بالتالي ستكون باكستان خاسرة إن فعلت ذلك.

ولكنه رأى أن باكستان قد تلجأ لشن غارات عبر طائرات من دون طيار على أماكن محدودة. في المقابل، ستقوم "طالبان" بالرد من خلال طرق مختلفة، بسبب نفوذها في باكستان.

وأشار نديم إلى أن "وضع باكستان ليس جيداً، خصوصاً أن ورقة داعش التي حاولت استخبارات المنطقة، ومنها باكستان، أن تقويها ضد طالبان الأفغانية، هي بطاقة ضعيفة للغاية، بسبب انعدام قوة التنظيم في أفغانستان من الناحية الاستراتيجية والفكرية، بينما تقف وراء طالبان القبائل في الجنوب والشرق، المسيطرة حالياً على كل أفغانستان".

ورأى "أن التوغل العسكري داخل الأراضي الأفغانية قد يكون دافعاً لانفصال مناطق القبائل البشتونية والبلوشية عن باكستان، وهو ما تعمل لأجله طالبان الباكستانية، التي استطاعت في الأيام الأخيرة نقل الهجمات وأعمال عنف مرة أخرى إلى إقليم البنجاب وإلى العمق الباكستاني، وكان آخرها قتل ضابطين في الاستخبارات أول من أمس الثلاثاء، وقبله العملية الانتحارية في العاصمة إسلام أباد في 23 ديسمبر الماضي".

يُذكر أن "طالبان" الباكستانية أعلنت في 25 ديسمبر الماضي تشكيلات جديدة، بمن فيها وزراء في القطاعات المختلفة وحكام الأقاليم، معتبرة نفسها دولة، وكأنها تقتدي بخطى طالبان الأفغانية قبل وصولها إلى الحكم.

كما أعلنت انضمام منظمة انفصالية بلوشية بزعامة مزار بلوش إليها، مؤكدة في بيان أن المنظمة بايعت زعيم "طالبان" الباكستانية مفتي نور ولي على "الجهاد والهجرة من أجل إقامة الشريعة الإسلامية في باكستان". وهذه الخطوة إن صحت، فإنها ستعطي عمقاً جديداً لـ"طالبان" الباكستانية في إقليم بلوشستان بعد تمكنها من بسط نفوذها في المناطق القبلية في شمال غربي باكستان.

المساهمون