في خطوة تصعيدية جديدة، أرسلت الصين عدداً قياسياً من طائراتها الحربية للتحليق قرب تايوان، بالتزامن مع زيارة اثنين من المسؤولين الأميركيين للجزيرة.
وأعلنت وزارة الدفاع التايوانية في بيان، أمس الثلاثاء، رصد عشرات الطائرات الصينية خلال 24 ساعة حول الجزيرة. وأوضحت أنه بين الاثنين وصباح الثلاثاء، أرسلت الصين 55 طائرة وسبع سفن حربية إلى محيط الجزيرة، متّهمة بكين بالقيام بـ"أعمال استفزازية" تؤدي إلى "زيادة التوترات وتدهور الأمن الإقليمي".
وعبرت نصف المقاتلات، التي رُصدت، ما يسمى بالخط الوسط لمضيق تايوان الذي يفصل الجزيرة عن الصين، ودخلت منطقتي تحديد الدفاع الجوي من الجهتين الجنوبية الغربية والجنوبية الشرقية، بحسب تايبيه.
لين تشين: المناورات الصينية تستهدف أميركا في المقام الأول
وكانت وزارة الدفاع في تايوان قد أعلنت، الإثنين الماضي، أنها رصدت 103 طائرات حربية وتسع سفن تابعة للجيش الصيني في محيطها خلال 24 ساعة، وأضافت أن ذلك يشكل تحدياً خطيراً للأمن في المنطقة، لافتة إلى أن قواتها المسلحة قامت بمراقبة الوضع عن كثب، وكلفت طائراتها وسفنها الحربية وأنظمة الصواريخ الأرضية بالرد على هذه الأنشطة العسكرية.
من جهتها، أعلنت قيادة المسرح الشرقي للجيش الصيني، في منشور على حسابها بتطبيق "وتيشات"، الاثنين الماضي، أنه شارك في العملية الأخيرة ما مجموعه 42 سفينة حربية من قيادتي المسرح الشرقي والجنوبي. وجاء في المنشور أن الطيارين كانوا يشاركون في تدريبات لمسافات طويلة عبر مسرح العمليات، للتدريب على الهبوط والإقلاع من مطارات غير مألوفة، وأنهم أمضوا أكثر من عشر ساعات في القيام برحلات جوية بدون توقف.
وأظهرت الصور المنشورة على منصة التواصل الاجتماعي، طائرات مقاتلة من نوع "J10" و"J16" تحلق ليلاً ونهاراً، بينما غطت التدريبات عدة عمليات، مثل التزود بالوقود واستبدال الأسلحة والاستجابة لحالات الطوارئ. وكانت تايبيه قد رصدت 143 طائرة حربية للجيش الصيني، و56 سفينة حربية، دخلت منطقة تحديد الدفاع الجوي الخاصة بها في الأيام الخمسة الماضية، كما تم تسجيل 68 طلعة جوية بين يومي الأربعاء والخميس الماضيين.
وتزامن تحليق الطائرات الصينية مع تدريب بحري وجوي مشترك أجرته حاملة الطائرات "شاندونغ" في غرب المحيط الهادئ منذ مطلع الأسبوع الماضي. ورأى مراقبون أن التصعيد الصيني الأخير تجاه تايوان قد يشير إلى استراتيجية جديدة للاستعداد للصراعات العسكرية الإقليمية، بينما اعتبر آخرون أنه يندرج ضمن الرد الصيني المعتاد على الزيارات المتبادلة بين تايبيه وواشنطن.
أهداف بكين
ورداً على سؤال لـ"العربي الجديد" بشأن أهداف بكين من التصعيد الأخير، قال أستاذ الدراسات السياسية في معهد "قوانغ دونغ" الصيني لين تشين إن المناورات العسكرية الصينية قد لا تكون موجّهة ضد تايوان، بل تستهدف في المقام الأول الولايات المتحدة، التي تصر على استفزاز بكين من خلال إرسال مسؤولين إلى تايبيه.
جين توي: التدريبات الصينية يمكن أن تشير إلى استراتيجية هجومية ترتكز على عنصر المفاجأة
واعتبر أن هذا الأمر يتعارض مع اعتراف واشنطن بمبدأ "صين واحدة"، واعتبار تايوان جزءاً لا يتجزأ من الأراضي الصينية. وتابع: أيضاً قد تأتي المناورات في سياق الرد على نشر الولايات المتحدة مئات الطائرات من طراز "إف 35" في المنطقة قبل أيام. ولفت إلى أن ما يؤكد ذلك تزامن التدريبات الصينية مع مناورات بحرية مشتركة أجرتها الولايات المتحدة مع كوريا الجنوبية وكندا في البحر الأصفر الأسبوع الماضي.
تطويق تايوان أصبح روتيناً
من جهته، قال الباحث في الشؤون العسكرية في معهد "نان جينغ للبحوث والدراسات الاستراتيجية" الصيني يوان تشو، في حديث مع "العربي الجديد"، إن دوريات تطويق جزيرة تايوان من جميع الاتجاهات أصبحت أمراً روتينياً وجزءاً رئيسياً من التدريب العسكري، تحسباً لاندلاع حالة طوارئ في مضيق تايوان. وأضاف أن تعبئة القوات العسكرية بهذه الكثافة غير المسبوقة من شأنها أن تمنح الجيش ميزة في التعامل السريع والآني مع تطورات الأحداث في المنطقة، في ظل الاستفزازات الأميركية المستمرة.
وقال إن الأمر لا يقتصر على قيادتي المسرح الشرقي والجنوبي للجيش الصيني، حيث شهدت التدريبات الأخيرة مشاركة قوة الدعم الاستراتيجي، والقوة الصاروخية، ووحدات عسكرية مكلفة بالتعامل مع المعلومات الاستخباراتية.
استراتيجية هجومية مفاجئة
في المقابل، رأى أستاذ الدراسات السياسية السابق في جامعة تايبيه الوطنية جين توي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن التدريبات الجوية والبحرية الأخيرة التي أجراها الجيش الصيني، بالقرب من الجزيرة، يمكن أن تشير إلى استراتيجية هجومية ترتكز على عنصر المفاجأة، من خلال ترسيخ شعور لدى وزارة الدفاع التايوانية بأن أي تصعيد عسكري قد يندرج ضمن المناورات الصينية المعتادة. وبالتالي قد يؤدي ذلك إلى استبعاد خيار الحرب من الحسابات مع مرور الوقت.
وقال إن عقيدة التعويد على التهديد الصيني للجزيرة، وجعل الشعب التايواني يتخلى عن حذره، أخطر من المناورات نفسها، لأنه قد ينتهي بها المطاف بشن هجوم عسكري مباغت واسع النطاق، لكن ذلك يتوقف على الحسابات والتقديرات الصينية.
ولفت الأكاديمي المقيم في تايوان إلى أن الطائرات الصينية، التي شاركت في المناورات الأخيرة، قد تكون أكثر بكثير من الرقم الذي أعلنته وزارة الدفاع التايوانية، لأن بعض الطائرات التي طورتها الصين يصعب رصدها عبر أنظمة الرادار المنتشرة حول الجزيرة.
يذكر أنه في أغسطس/ آب من العام الماضي، أجرى الجيش الصيني أكبر مناورة صاروخية بالذخيرة الحية على الإطلاق ضد تايوان، وذلك رداً على زيارة رئيسة مجلس النواب الأميركي السابقة نانسي بيلوسي إلى الجزيرة. وتعتبر بكين، التي لا تستبعد استعادة تايبيه بالقوة إذا لزم الأمر، التبادلات بين رئيسة تايوان تساي إنغ وين، وكبار المسؤولين الأميركيين انتهاكاً لسيادتها وخرقاً لمبدأ "صين واحدة"، في حين أن واشنطن، وعلى الرغم من أنها لا تعترف بتايوان كدولة مستقلة، لكنها تعارض التغيير الأحادي الجانب في الوضع الراهن عبر المضيق باستخدام القوة.