القرارات الاقتصادية تضغط على مجلس القيادة الرئاسي اليمني

21 يوليو 2024
داخل البنك المركزي الخاضع لسلطة الحوثيون بصنعاء،2021 (محمد حويس/فرانس برس)
+ الخط -

يقف مجلس القيادة الرئاسي اليمني أمام مفترق طرق، بعد أن أصدر أخيراً حزمة من القرارات الاقتصادية ضد مصارف رفضت نقل مقراتها الرئيسية من صنعاء إلى عدن، حيث قضى أحد تلك القرارات، الشهر الحالي، بتعليق تراخيص ستة مصارف، ما سيؤدي إلى وقف وصولها إلى المصارف المراسلة ونظام سويفت العالمي لنقل الأموال. فالمجلس في موقف صعب بمواجهة الضغوط الخارجية التي تطالبه بتأجيل تطبيق القرارات الاقتصادية، والضغوط الداخلية التي تطالبه بعدم التراجع عنها، وتربط شرعية المجلس بالتعبير عن موقفه كونه صاحب السلطة والمصلحة في هذه القرارات. واعتبر مراقبون، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن الموقف الحاسم والكلمة الفصل من تأجيل القرارات أو المضي فيها يبقى في يد التحالف، والذي لم يحدد موقفه من هذه القرارات حتى الآن.

ونصّ القرار الذي أصدره محافظ المصرف المركزي أحمد غالب المعبقي، في 10 يوليو/ تموز الحالي، "على إلغاء التراخيص المصرفية لكل من مصرف التضامن، ومصرف اليمن والكويت، وبنك اليمن والبحرين الشامل، وبنك الأمل للتمويل الأصغر، وبنك الكريمي للتمويل الأصغر الإسلامي، ومصرف اليمن الدولي". وقال المعبقي، حينها، إن القرار جاء نتيجة "فشل هذه المصارف والمصارف الالتزام بأحكام القانون وتعليمات المصرف المركزي، وعدم الامتثال لمتطلبات مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب"، إلى جانب "استمرارها في التعامل مع جماعة مصنّفة إرهابية، وتنفيذ تعليماتها بالمخالفة لقواعد العمل المصرفي وأحكام القانون، وتعليمات المصرف المركزي".

ضغوط على مجلس القيادة الرئاسي اليمني

في المقابل، أثارت قرارات المصرف المركزي حفيظة المجتمع الدولي، ممثلاً بالمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، والذي قال في رسالة بعثها، في 10 يوليو الحالي، إلى رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي، إن قرارات المصرف المركزي في عدن ستوقع الضرر بالاقتصاد اليمني. وأضاف أن تلك القرارات "ستفسد على اليمنيين البسطاء معيشتهم، وستؤدي إلى خطر التصعيد، الذي قد يتسع مداه إلى المجال العسكري"، داعياً إلى تأجيلها "على الأقل إلى نهاية أغسطس/ آب المقبل"، وإبلاغ هذا التأجيل "إلى جميع المصارف المراسلة ونظام سويفت وتوجيههم بتأجيل أي إجراءات قد يكون لها تأثير سلبي في هذه المصارف الستة".

يوسف مرعي: خطوة المصرف المركزي رد فعل على إجراءات الحوثيين

 

موقف المبعوث الأممي عدّه الشارع اليمني والأحزاب والمكونات السياسية انحيازاً واضحاً لجماعة الحوثيين، إذ تظاهر العديد من اليمنيين في تعز ومأرب وبعض مديريات محافظة الحُديدة لتأييد القرارات الاقتصادية والتحذير من التراجع عنها. وجاء هذا الموقف من رؤية الشارع أن القرارات الاقتصادية التي اتخذها محافظ المصرف المركزي في عدن تصب في صالح إصلاح القطاع المالي والمصرفي، وإيقاف انهيار سعر الصرف، وتجميد التحويلات المالية إلى صنعاء وتحويلها إلى عدن، إذ تمثل التحويلات الخارجية مصدراً مهماً لتغذية الحوثيين اقتصادياً، إذ يشير خبراء اقتصاديون إلى أن التحويلات المالية إلى مناطق سيطرة الحوثيين تتجاوز الخمسة مليارات دولار سنوياً. بدورها، دعمت أحزاب وقوى سياسية يمنية، بينها "المؤتمر الشعبي العام" و"التجمع اليمني للإصلاح" و"الحزب الاشتراكي اليمني" و"التنظيم الوحدوي الشعبي الناصري"، وغيرها، تلك الاحتجاجات. واعتبرت، في بيان، وقّعت عليه الثلاثاء الماضي، أن التراجع عن القرارات الاقتصادية "ستكون له عواقب وخيمة على المركز القانوني للدولة، كما أنه سيحرم السلطة الشرعية من مصادر شرعيتها الدستورية والقانونية، والسياسية والشعبية والأخلاقية".

تضاؤل الخيارات

وفي السياق قال الدكتور اليمني المتخصص في العلاقات الدولية يوسف مرعي، في حديث لـ"العربي الجديد"، إنه "يجب ألا نغفل أن اليمن يقع تحت البند السابع". وأوضح أن "القضية اليمنية أضحت تحت وصاية مجلس الأمن الذي يقرر بموجب الفصل السابع ما إذا كان هناك ما يهدد السلم والأمن الدوليين، وطريقة التدخل لوقف ذلك التهديد، فيما يتم توزيع الملفات المختلفة الخاصة بتلك الدولة على الدول الأعضاء في المجلس في محاولة لحلها، أو عن طريق مبعوث خاص للبلد". وأضاف أن هذا "ما يجري حالياً منذ بدء الحرب من خلال السعي لحل الخلافات بين الأطراف وإجراء مشاورات ومفاوضات وحوارات عن طريق مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن".

ولفت مرعي إلى أن "ذلك يعني بطريقة أو بأخرى تضاؤل الخيارات لصانع السياسة الخارجية، وأحياناً دفعه لتبني مسار محدد سلفاً، خصوصاً في حالة كحالة اليمن الذي يقع تحت تأثير الكثير من الفواعل الإقليمية متعددة الأجندة". وبيّن أن "مجلس القيادة الرئاسي اليمني قد يضطر، بهدف التخفيف من الضغط الممارس عليه، إلى تأجيل الإجراءات وربطها بمطالبة المبعوث الأممي لهذا التأجيل، استكمالاً لمفاوضات الشق الاقتصادي مع الحوثيين".

وأوضح مرعي أن زعيم الحوثيين عبد الملك الحوثي "عدّ إجراءات المصرف المركزي في سياق الحرب والإجراءات العقابية الأميركية ـ الإسرائيلية التي تستهدف جماعته بسبب تضامنها مع قطاع غزة، في محاولة واضحة لاستثمار جهده في البحر الأحمر، وتوظيفه لصالح جماعته داخلياً". واعتبر أن تهديد الحوثي "الواضح للسعودية جاء من باب إدراكه أنها الوحيدة التي يمكنها التأثير على مجلس القيادة الرئاسي اليمني للعدول عن هذه القرارات، فضلاً عن محاولته الاستثمار لمضاعفة مكاسبه التفاوضية في ضوء الحديث عن قرب عودة مسار مسقط بين جماعته والرياض".

وأشار مرعي إلى أن الكثير من المراقبين "ربط إجراءات المصرف المركزي في عدن في سياق توجهات واشنطن للضغط على الحوثيين للتخفيف من سلوكهم التصعيدي في البحر، وأنه لو لم يكن هناك ضوء أخضر أميركي لما أقدم المصرف المركزي على خطوة كهذه". ورأى أنه أياً تكن الدوافع والأسباب، إلا أن المنطقي أن خطوة المصرف المركزي كمؤسسة سيادية تظل مهمة جداً، وجاءت بالوقت نفسه كرد فعل على إجراءات الحوثيين المتمثلة في طبع عملة جديدة، (مارس/آذار الماضي)، فضلاً عن استهدافهم للثروة القومية لليمنيين من النفط والغاز، ومنع تصديرها بحجة استكمال مسار التفاوض (مع الحكومة المعترف بها دولياً) والتوقيع على خريطة الطريق" حول السلام في اليمن. وأوضح، مشيراً إلى العلاقة الملتبسة للسلطة اليمنية بالتحالف الذي تقوده السعودية، أن "الكل يدرك منذ اليوم الأول أن تقاطع الأجندة داخل التحالف مع ضعف مؤسسة الشرعية وأداء الأحزاب اليمنية هو ما تسبب في طول أمد الصراع". وقال إن ذلك "أدى بدوره لتعاظم مكاسب الحوثيين، وحصولهم على الكثير من الهدايا المجانية طوال تسع سنوات من الصراع".


وسام محمد: لا يمكن أن يبقى مجلس القيادة الرئاسي مرتهناً بشكل كامل للخارج

من جانبه رأى الصحافي اليمني وسام محمد، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "مجلس القيادة الرئاسي اليمني في وضع لا يحسد عليه، فالضغط الشعبي ليس بسيطاً، وهو يواجه ضغوطاً من السعودية لتجميد القرار"، وأضاف: "نعرف مدى سلطة السعودية على المجلس، فخطوة المصرف المركزي حتى وإن كانت غير مدروسة إلا أنها بمثابة فرصة للمجلس للوقوف أمام التحديات التي يواجهها". واعتبر أنه "من غير المعقول أن يبقى مجلس القيادة الرئاسي اليمني مرتهناً بشكل كامل للخارج، وأمامه الكثير من المهام الملحة في الداخل. وأوضح أن "الفرصة تتبدى من حقيقة هذه المعادلة الصعبة، أي أن المجلس مطالب بتوسيع هامش حركته، وانتزاع مساحة استقلالية أمام الخارج، وتحقيق إنجازات في الداخل". وأضاف أن على المجلس أيضاً "انتزاع قرار المواجهة، خصوصاً عندما يكون الأمر رد فعل على إجراءات أو تحركات تقوم بها جماعة الحوثيين، أي أن الدفاع عن النفس مبدأ طبيعي ولا يصح التنازل عنه".