أعادت جولة التصعيد الإسرائيلية الحالية في قطاع غزة التي أطلقت عليها الغرفة المشتركة لفصائل المقاومة الفلسطينية اسم "ثأر الأحرار"، النقاش حول هذه الغرفة التي برزت كثيراً خلال السنوات الماضية عبر العمل الميداني أو حتى الظهور الإعلامي.
تاريخياً يعود اسم الغرفة المشتركة لفصائل المقاومة الفلسطينية، أو غرفة العمليات المشتركة، إلى عام 2006، حين ضمت في بداية الأمر حركتي حماس والجهاد الإسلامي عبر ذراعيهما العسكريين "كتائب القسام" و"سرايا القدس"، قبل أن يتم تطوير هذا الجسم والإعلان عنه بصورته الحالية في 23 يوليو/ تموز 2018.
12 ذراعاً عسكرياً
وتضم الغرفة حالياً 12 ذراعاً عسكرياً، على رأسها "كتائب القسام" و"سرايا القدس"، بالإضافة إلى "كتائب شهداء الأقصى - لواء نضال العامودي"، و"كتائب شهداء الأقصى - جيش العاصفة"، و"كتائب شهداء الأقصى - مجموعات الشهيد أيمن جودة"، و"كتائب عبد القادر الحسيني"، إلى جانب "ألوية الناصر صلاح الدين"، و"كتائب المقاومة الوطنية الفلسطينية"، و"كتائب أبو علي مصطفى"، و"كتائب الشهيد جهاد جبريل"، و"كتائب الأنصار"، و"كتائب المجاهدين".
تضم الغرفة 12 ذراعاً عسكرياً وشاركت في إدارة سلسلة من المواجهات مع الاحتلال
شاركت الغرفة خلال السنوات الخمس الماضية في إدارة سلسلة من جولات التصعيد السريعة إلى جانب المواجهات مع الاحتلال الإسرائيلي، كان أبرزها عاما 2018 و2019 بالإضافة إلى مواجهة عام 2021 التي حملت اسم "معركة سيف القدس".
نهاية عام 2020 وتحديداً في 29 ديسمبر/ كانون الأول، نفذت غرفة العمليات المشتركة ولمدة يومين أكبر مناورة عسكرية في قطاع غزة براً وبحراً وجواً، واعتُبرت الأولى من نوعها، وكانت بالذخيرة الحية وشارك فيها 12 ذراعاً عسكرياً، فيما شهدت المناورة حضوراً للطائرات المسيّرة بدون طيار إلى جانب الرشقات الصاروخية التي أطلقت باتجاه البحر.
وعلى الرغم من الإعلان الفصائلي عن وجود تنسيق، إلا أن ذلك لم يمنع بروز حالة من التباين بين أعضاء الغرفة المشتركة نظراً للخلافات في البرامج السياسية والرؤى التكتيكية والاستراتيجية لجميع أعضاء الغرفة، لا سيما بين حركتي حماس والجهاد الإسلامي، اللتين تُعتبران الأكبر ضمن الفصائل الموجودة. وظهر هذا الأمر من خلال النقاش الذي كان يُطرح في بعض الجولات التي لم يحضر فيها اسم الغرفة، أو من خلال إطلاق الصواريخ بشكل منفصل من بعض الأذرع العسكرية للفصائل الفلسطينية، وهو ما فتح الباب للنقاش حول حجم التنسيق وأسباب التباين بين أعضاء هذا الجسم.
في المقابل، فإن ثمة رأياً يعتقد أن حضور هذا الجسم من شأنه أن يخفف من حالة الضغط السياسي التي قد تتعرض لها حركة "حماس" التي تدير شؤون القطاع منذ سيطرتها عليه عام 2006، في ظل تعمّد الاحتلال خلال المواجهات والحروب السابقة استهداف المؤسسات والمنشآت العامة وضرب البنية التحتية. لكن شريحة واسعة من الفلسطينيين تُجمع على وجود حاجة ملحّة بين الفصائل الفلسطينية لإجراء مزيد من النقاش المعمّق بشأن عمل الغرفة وطريقة إدارتها بشكلٍ يخدم القضية الفلسطينية ويمنع أي فصيل من الفصائل من التفرد في قرار المواجهة أو التهدئة.
خدمة لغزة وحركة حماس
في هذا السياق، رأى أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأزهر بمدينة غزة مخيمر أبو سعدة أن وجود غرفة العمليات المشتركة أمر جيد يستفيد منه القطاع في مرات كثيرة ويخدم بشكلٍ أساسي حركة حماس في عدم دخولها بعض جولات التصعيد بشكلٍ معلن. وقال أبو سعدة لـ"العربي الجديد"، إن عدم دخول "حماس" بشكلٍ معلن في إطلاق الصواريخ هذه المرة له مبرراته، فمن الوارد أن تكون الحركة جزءاً مما يحصل عبر غرفة العمليات المشتركة من دون أن تضطر للإعلان الرسمي والعلني عن هذه المشاركة في المواجهة.
وبحسب أستاذ العلوم السياسية، فإن "حماس" بهذه الطريقة تتجنّب ردة الفعل الإسرائيلية، لا سيما الجانب الانتقامي، كاستهداف مقرات الأجهزة الأمنية أو المنشآت التحتية الخاصة بالذراع العسكري التابعة لها أو حتى عناصرها وكوادرها في مختلف المؤسسات.
أبو سعدة: من الوارد أن تكون "حماس" جزءاً مما يحصل عبر غرفة العمليات المشتركة من دون أن تضطر للإعلان الرسمي عن مشاركتها
ورأى أبو سعدة أن ما يحصل هو أمر منسّق بين حركتي حماس والجهاد الإسلامي، بحيث تتصدّر الأخيرة المشهد في مواجهة التصعيد الإسرائيلي من دون أن تعلن الأولى مشاركتها الرسمية، مع محاولة تجنيب المدنيين في غزة المزيد من العدوان والضغط الإسرائيلي.
وفي الوقت نفسه، لا ينفي أبو سعدة وجود تباينات في الرأي داخل جسم غرفة العمليات المشتركة كونها تضم 12 ذراعاً عسكرياً مرتبطة بفصائل لها مصالحها السياسية وأجنداتها الخاصة، وهو ما يتطلب تعزيز التنسيق أكثر والتعاون بين الفصائل. ولفت إلى أن الحاجة للتنسيق والتفاهم مرتبطة بضرورة ألا يُترك تنظيم واحد عرضة للاستهداف المباشر من قبل الاحتلال، وأن يكون وحده في المواجهة، إلى جانب ألا يترك للتنظيمات أن تفرض رؤيتها وأجندتها الشخصية على غرفة العمليات المشتركة.
من جهته، قال الكاتب والمحلل السياسي تيسير محيسن، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن ما يحصل في إطار الغرفة المشتركة مرتبط بالمنهجية التي تبنتها حركة حماس قبل نحو 6 سنوات عبر محاولة تحشيد الحالة الوطنية الفلسطينية لخدمة القضية الفلسطينية في ما يتعلق بالمواجهة مع الاحتلال. وأضاف أن الحاجة العملياتية والميدانية فرضت ضرورة إيجاد هذا الجسم لتعزيز الشراكة بين الفصائل الفلسطينية عبر الأذرع العسكرية التابعة لها، على أن تعمل من خلال القواسم المشتركة للفصائل في ما يخص المواجهة مع الاحتلال.
ووفق المحلل السياسي الفلسطيني، فإن السنوات الخمس الأخيرة شهدت تطوراً دراماتيكياً وواضح المعالم في إطار وحدة الموقف السياسي ووحدة تبادل وتناسق الأدوار بين الفصائل، واحترام ما يتم الاتفاق عليه داخل الغرفة المشتركة لفصائل المقاومة، وهو ما اتضح في هذه الجولة.
ورأى محيسن أن الاحتلال اندفع خلال هذه الجولة بشكلٍ واضح لاستهداف هذا الجسم عبر محاولته التركيز على فصيل بعينه في سبيل إحداث ثغرة في جسم غرفة العمليات المشتركة من أجل تفكيكه أو إحداث حالة من الخلاف وتعميقها في المستقبل القريب. ولا ينفي وجود حالة من التباين في المرات السابقة والجولات التي شهدها القطاع، وهو ما انعكس في بعض الأحيان على المزاج الفلسطيني، واتضح من خلال الآراء التي عبّر عنها الفلسطينيون عبر مواقع التواصل الاجتماعي في المرات السابقة.