استمع إلى الملخص
- النفوذ التركي في منطقة القرن الأفريقي: تمتلك تركيا حضورًا قويًا في الصومال عبر استثماراتها وقواعدها العسكرية، بينما تسعى مصر لتعزيز وجودها الأمني لحماية مصالحها، رغم الخلافات السياسية العميقة.
- التعاون المصري التركي وتأثيره على المصالح الإقليمية: يعكس استئناف العلاقات رغبة في تعزيز التعاون في ملفات إقليمية مثل ليبيا والقرن الأفريقي، رغم التحديات والخلافات السياسية حول قضايا مثل شرق المتوسط.
شهدت مصر، الاثنين الماضي، الجولة الثانية من المشاورات بين القاهرة وأنقرة بشأن تطورات الوضع في ليبيا، فيما ركزت أيضاً على منطقة القرن الأفريقي والبحر الأحمر. جاء ذلك في ظل معلومات عن ميل كفة الميزان لصالح الجانب التركي، خصوصاً في ما يتعلق بمفاوضات تقاسم النفوذ والمصالح في ليبيا، من إعادة الإعمار في شرق البلاد وغربها إلى مكافحة الإرهاب وتدريب عناصر الجيش الليبي ودعم إجراء الانتخابات، التي يرى الجانب المصري أنها "السبيل الوحيد" لحل الأزمة الليبية، وأيضاً في ما يتعلق بالنفوذ في منطقة القرن الأفريقي، التي تتمتع فيها تركيا بعلاقات قوية مع جميع الأطراف، بما فيها الصومال وإثيوبيا.
ليبيا ملف شائك بين القاهرة وأنقرة
علمت "العربي الجديد" أن جولة المشاورات التي رأس فيها وفد مصر، مساعد وزير الخارجية لإدارة ليبيا السفير طارق دحروج، ومن الجانب التركي المدير العام لإدارة شرق وشمال أفريقيا بوزارة الخارجية التركية، السفيرة إليف أولجن، شهدت محاولات مصرية حثيثة لتحقيق أكبر فائدة، خصوصاً في ما يتعلق بملف الإعمار الذي يحرص عليه "المستوى السياسي" أكثر من غيره من الملفات، وسط تمسك الجانب التركي بقضايا أخرى "ذات طابع أمني استراتيجي"، ولا سيما أن لدى أنقرة قنوات اتصالات واسعة مع جميع الأطراف السياسية والعسكرية الليبية الفاعلة. وبالرغم من تقديرات "أجهزة سيادية" مصرية بأن الدبلوماسية المصرية "تأخّرت كثيراً" في الوصول إلى تفاهمات مع تركيا بشأن الملف الليبي، بسبب فترة القطيعة الطويلة التي بدأت بعد إطاحة الرئيس الراحل محمد مرسي في عام 2013، إلا أن المسؤولين المصريين يراهنون على إمكانية الحصول على "مكاسب" من الجانب التركي في الملف الليبي، الذي يقوده دحروج، منذ نحو عام، إذ تولى إدارة ملف ليبيا بوزارة الخارجية، في 20 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023.
جاهد طوز: التقارب بين القاهرة وأنقرة يأتي بعد زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي تركيا
ويرى المحلل التركي جاهد طوز أن "ليبيا تُعد ملفاً رئيسياً في المناقشات بين مصر وتركيا"، مشيراً إلى "اختلاف توجهات البلدين فيه، إذ وقفت مصر سابقاً إلى جانب قوات اللواء (المتقاعد) خليفة حفتر، بينما دعمت تركيا حكومة الوفاق الوطني في طرابلس، باعتبارها المعترف بها من الأمم المتحدة". ونتيجة هذا الدعم، يعتبر طوز أن "موقف تركيا تجاه ليبيا يرتكز على دعم الشرعية في طرابلس، بينما تسعى مصر للحفاظ على نفوذها في المنطقة وتثبيت مصالحها الاستراتيجية"، موضحاً أنه "بالنسبة إلى الملف الليبي، فهو ليس فقط (ذو أهمية) في داخل ليبيا، بل يمتد إلى البحر المتوسط، ويتعلق أيضاً بدول الجوار وأفريقيا، وله جوانب تجارية وسياسية واقتصادية". ويشير إلى أن "التقارب بين القاهرة وأنقرة يأتي بعد زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي تركيا (سبتمبر/ أيلول الماضي) ومباحثاته مع الرئيس رجب طيب أردوغان التي أرست الأرضية المناسبة للتفاهمات المشتركة، ما يعكس رغبة البلدين في تجاوز خلافاتهما العميقة بشأن الملف الليبي".
ويلفت إلى أن "موضوعات إعادة إعمار ليبيا وتدريب الجيش الليبي تأتي كأولويات لكلا الطرفين"، مضيفاً أنه "في ظل ميل الكفة لصالح تركيا في هذه المرحلة، قد تحظى أنقرة بفرص كبيرة للمشاركة في مشاريع إعادة الإعمار، ولا سيما في غرب ليبيا، بالإضافة إلى دورها المستمر في تقديم الدعم اللوجستي والتدريب للجيش الليبي". وبرأي طوز "قد تشكل هذه الشراكة المتزايدة قلقاً للقاهرة، التي تسعى لضمان أمن حدودها الغربية ومنع تمدّد النفوذ التركي من دون قيود". ويبيّن أن "المشاورات بين القاهرة وأنقرة بشأن الملفات الخلافية ستستمر، وقد تفضي إلى زيارات على مستويات دبلوماسية أعلى في حال الوصول إلى تفاهمات إيجابية وملموسة"، كذلك "من الممكن أن تؤدي هذه المحادثات إلى زيارة أخرى لأردوغان لمصر، ما قد يسهم في دفع الجهود نحو تحقيق مصالح مشتركة تحافظ على التوازنات في ليبيا ومنطقة القرن الأفريقي".
النفوذ التركي بالقرن الأفريقي
تطرّق الطرفان في مشاوراتهما أيضاً إلى منطقة القرن الأفريقي، إذ يُعد النفوذ التركي بارزاً بشكل ملحوظ، فتركيا تمتلك حضوراً قوياً في دول عدة بالقرن الأفريقي، عبر استثماراتها الاقتصادية وقواعدها العسكرية، بينما تعزز مصر من تحركاتها لضمان استقرار المنطقة بما يتناسب مع مصالحها الاستراتيجية وأمنها القومي. ويبدو أن هذه المناقشات ستشكل اختباراً حقيقياً لتفاهمات القاهرة وأنقرة بشأن توسيع نفوذهما في أفريقيا وتنسيق مصالحهما في البحر الأحمر. وعلمت "العربي الجديد" أن مشاورات القاهرة، الاثنين الماضي، شهدت مباحثات "مكثفة" في ملف الصومال، قادها من الجانب المصري، مساعد وزير الخارجية للشؤون الأفريقية، السفير إيهاب عوض، ومن الجانب التركي أولجن، بمشاركة السفير التركي بالقاهرة صالح موتلو شن. وعرض المسؤولون المصريون، "التعاون الأمني" مع تركيا، ذات الخبرة والنفوذ الأكبر في الصومال، من أجل تأمين قناة السويس، ولا سيما في باب المندب التي ترى القاهرة أن للصومال دوراً حاسماً في تأمينه.
وفي ظل تعقيدات الأوضاع الجيوسياسية في منطقة القرن الأفريقي، تسعى كل من القاهرة وأنقرة لتعزيز نفوذهما في الصومال، حيث تشكلت ملامح واضحة للتنافس بين البلدين، خصوصاً مع تزايد الاهتمام بمواقع استراتيجية في المنطقة، كالموانئ ومرافق البنية التحتية. وتعمل كل دولة على تعزيز نفوذها بما يخدم مصالحها الإقليمية. بينما تتمتع تركيا بحضور راسخ ونفوذ قوي، تعمل مصر على تعزيز وجودها الأمني من خلال اتفاقيات تعكس رغبتها في حماية مصالحها الاستراتيجية في منطقة القرن الأفريقي، لكن من المستبعد أن يشكل هذا النفوذ توازناً كاملاً مع الحضور التركي القوي والمستدام.
عصام عبد الشافي: التعاون العسكري بين مصر وتركيا في الصومال لا يمكن أن يرتقي إلى مستوى التحالف
ووفقاً لأستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية عصام عبد الشافي، فإن النفوذ التركي في الصومال قوي ومؤثر، وتطور بفضل علاقات استراتيجية وثيقة مع الحكومات الصومالية المتعاقبة منذ سنوات. ويقول لـ"العربي الجديد" إن "تركيا، التي تُعد من أهم الشركاء الاقتصاديين للصومال، تتحمل مسؤولية تأمين مطار مقديشو ومينائها، إلى جانب دورها الكبير في مشاريع البنية التحتية وتقديم المساعدات الإنسانية، ما يعزز وجودها المستدام في البلاد ويجعلها لاعباً رئيسياً لا يمكن تجاوزه". ويرجح عصام عبد الشافي أن "التعاون الأمني والعسكري بين مصر وتركيا في الصومال لا يمكن أن يرتقي إلى مستوى التحالف، لعدة أسباب، أبرزها الخلافات السياسية العميقة بين النظامين المصري والتركي، التي تشمل قضايا حساسة مثل ملف شرق المتوسط والأزمة الليبية". ويضيف أنه "رغم المحاولات الأخيرة للتهدئة بين القاهرة وأنقرة، فإن هذه القضايا لا تزال تشكل حجر عثرة أمام أي تعاون وثيق في الصومال".
ووقّعت مصر، أخيراً، اتفاقية للتعاون الأمني مع الصومال، في خطوة تعكس رغبتها في تعزيز نفوذها الإقليمي، خصوصاً على خلفية التوترات بين الصومال وإثيوبيا. جاء ذلك بعد توقيع إثيوبيا اتفاقاً للاستثمار في ميناء بربرة بإقليم صوماليلاند (أرض الصومال) الذي يسعى للانفصال عن الصومال. ويعكس هذا التحرك المصري محاولة لمواجهة النفوذ الإثيوبي المتنامي في المنطقة، الذي قد يهدد المصالح المصرية. وفي هذا الصدد يقول شريف عبد الله، مدير المركز الليبي للدراسات، لـ"العربي الجديد"، إن استئناف العلاقات المصرية التركية على المستويين الدبلوماسي والرئاسي خطوة إيجابية جداً للوضع الليبي. ويوضح أن "لتركيا ومصر عمقاً استراتيجياً في ليبيا، وهما تشتركان في عدة ملفات تخص ليبيا، مثل المصالحة والإعمار، وكذلك في الجوانب العسكرية والأمنية"، مشيراً إلى "وجود تركي في المنطقة الغربية ودور لمصر في المنطقة الشرقية عبر حلفائها، كالبرلمان والقيادة العامة". ويعتبر عبد الله أن "هذه الملفات تشكل خطوط تماس ومساحات للعمل المشترك في ليبيا".