23 سبتمبر 2024
الحرب على طرابلس وسياقاتها الدولية
في ظل ركود هجوم مليشيات اللواء المتقاعد خليفة حفتر وقواته على العاصمة الليبية طرابلس يحدث تغير في الموقف الدولي تجاه المسألة الليبية، فبعد حالة الاسترخاء في الشهور الماضية، توجه مجلس الأمن إلى استعادة دوره في دعم حكومة الوفاق بوصفها السلطة الشرعية، وذلك بعد مرحلة من التردّد والانتظار لحسم الخلافات عسكرياً. وهو ما يثير النقاش بشأن وضوح السياق الدولي في المضي نحو الحل السياسي.
وعلى مدى الشهور الماضية، باءت محاولات حفتر المتكرّرة بحسم السيطرة على طرابلس، بشكلٍ يكشف عن اختلال تركيبة مجموعاته المسلحة، وعدم قدرتها على رفع كفاءتها القتالية، وخلال مشوار الاعتداء على طرابلس، كان التركيز واضحاً على جانبين، التوسّع في الدعاية الإعلامية لحشود من المسلحين للدخول للعاصمة، واعتبار مدينة ترهونة حائط الدفاع الأخير. وبالتالي، يمثل فشل كل تلك المحاولات وتفكك اللواء التاسع نهاية مشروع خليفة حفتر بمكوناته العسكرية وتحالفاته الاجتماعية.
مواقف التكتلات الدولية
وبالنظر إلى مواقف المجموعات الدولية، اتضح، أنها كانت أكثر ميلاً إلى انتظار نتائج الحرب، ومنح خليفة حفتر فرصةً لتوطيد أوضاعه في الجنوب الليبي والغرب، فعلى الرغم من الحديث عن اجتماعات دولية بشأن ليبيا للتفاهم حول مسار الحل السياسي، شكلت تطورات المعارك المتغير الرئيسي في المراجعات الدولية تجاه استمرار الحرب، فمع بداية اندلاع المعارك، اتسمت مواقف غالبية الدول بالتأرجح بين الحل السلمي والحسم المسلح، بشكل أحدث تعقيداتٍ كان من شأنها إضعاف فرصة التفاوض على وقف الحرب، ولعل البيانات الدولية "المشتركة" كانت تحمل، في طياتها، فتح الفرصة لاستمرار الحرب وإيجاد أوضاع تفاوضية على أساس فض الاشتباك، انتظاراً لتغير الظروف.
وفي هذا السياق، اهتم البيان المشترك في 17 يوليو/ تموز 2019، بين حكومات مصر وفرنسا وإيطاليا والإمارات العربية والمملكة المتحدة والولايات المتحدة، بوقف القتال، والعودة السريعة
إلى العملية السياسية، لكن هذه الحكومات لم توضح آليات وقف إطلاق النار وتداعياتها على حكومة الوفاق، لكنها أبدت اهتماما واضحاً بتعطل قطاع الطاقة والهجرة غير الشرعية ومكافحة الإرهاب، بشكلٍ يثير أولوية المصالح المباشرة على تحقيق السلام.
ويتساند هذا التوجه مع موقف مجموعة السبع الصناعية، المعلن في 25 أغسطس/ آب، عندما تضمن بيانها الختامي الدعوة إلى عقد مؤتمرين، دولي ووطني، لإنهاء الأزمة في ليبيا. تشكل هذه التطورات أرضيةً لتحويل الصراع المسلح في ليبيا على أساس رفع مستوى المساهمة الوطنية، وهو ما يشير إلى تطورٍ في الموقف الدولي والأمم المتحدة نحو القبول بالإطار الوطني ضمن الحل السياسي.
البلدان الغربية
بشكل عام، لا تتبنى البلدان الغربية مواقف متناسقة تجاه الحرب الأهلية في ليبيا، ويتوزّع دعمها ما بين دعم قرارات الأمم المتحدة والسكوت الإيجابي للهجوم على طرابلس، فعلى الرغم من ترقية الولايات المتحدة مستوى تمثيلها لدى ليبيا، فإنها ما زالت توزّع دعمها على طرفي الصراع، وحسب بيان السفارة، في 15 أغسطس/ آب 2019، تعمل السياسة الأميركية على توسيع التواصل مع أطراف النزاع والبعثة الأممية، كما يؤكد دعم الاتفاق السياسي وحكومة الوفاق. وبهذا المعنى، لا تبدو أي تغيرات جوهرية في الموقف الأميركي، حيث صار هذا الموقف بحسب تطورات المواقف الميدانية واتجاهات الحرب.
وعلى المستوى الأوروبي، لم تحدث تغيرات جوهرية في مواقف البلدان الأوروبية، حيث ظلت تراقب الهجوم على طرابلس من دون وضوح جهود لوقف الحرب، وظلت محاولات الأوروبيين مقتصرةً على إصدار البيانات الصحافية من دون اتخاذ خطوات من شأنها دعم الهدن التي اقترحتها الأمم المتحدة.
وبينما تتخذ ألمانيا مواقف محايدة، تتماثل استراتيجيات فرنسا وإيطاليا تجاه تعميق نفوذهما في ليبيا، والتحيز لأحد الأطراف. في الوقت الراهن، تتمتع السياسة الفرنسية باستقرار نسبي، سواء في وضوح تحالفاتها الإقليمية واستقرار حكومتها، فيما إيطاليا أكثر انشغالاً بعدم استقرار حكوماتها، وهذا ما يمنح فرنسا ميزة نسبية في تطوير مصالحها في ليبيا، وتحيزها للحل المسلح رغم تداعياته الكارثية.
التواء الأمم المتحدة
مع اندلاع أزمة طرابلس في أغسطس/ آب 2018، كانت هناك محاولات من بعثة الأمم المتحدة للتدخل الإيجابي، وتمكّنت من فرض التهدئة، لكنها لم تستطع فرض تسويةٍ لأزمة الأمن في
طرابلس والمنطقة الغربية، ومع اندلاع الحرب مرة أخرى في إبريل/ نيسان 2019، حدث تغير في موقف الأمم المتحدة، واتضح ذلك في تراجع واضح في احتواء الحرب وفرض حل سياسي، كما كان لافتا انقسام مجلس الأمن تجاه الأزمة المتجدّدة، حيث لم يتمكّن من إصدار قرار لفرض وقف إطلاق النار.
وعلى مدى فترة اندلاع العدوان على طرابلس، توقف مجلس الأمن عند مستوى مناقشة سير المعارك ومطالبة الأطراف بوقف القتال من دون إصدار بيان أو قرار، كما لم يعلن تأييده الواضح لحكومة الوفاق في طريقةٍ تسمح بإعادة النظر في الاتفاق السياسي. ومن هذه الوجهة، يحمل اعتبار حكومة الوفاق شرعية، في طياته، استبعاد الحل العسكري، وتجاوز ثنائية فايز السراج (رئيس الحكومة) ـ حفتر، فبجانب تمديد مجلس الأمن، في القرار 2486 الصادر في 2019، مهمة البعثة الأممية للعام المقبل في إجراء عملية سياسية وتثبيت الاتفاق السياسي وحكومة الوفاق، وعلى الرغم من الطابع البروتوكولي للقرار، يعد استمرار العمل باتفاق الصخيرات بمثابة إزاحة وتأجيل للبدائل الأخرى، كمحاولات إعادة تشكيل المجلس الرئاسي وتغيير الاتفاق السياسي.
هنا، تبدو الأمم المتحدة أمام تناقضٍ تجاه دعم الاتفاق السياسي وترك الهجوم على طرابلس من دون تعريفه بالعدوان أو التمرّد، حيث إن قبول رئيس حكومة الوفاق، فايز السراج، ممثلا لدولة ليبيا، يقتضي اعتبار خطابه رسمياً وقانونياً، وخصوصاً ما يتعلق باعتبار خليفة حفتر متمرّداً ووضعه على لائحة المطلوبين أمنياً. وفي هذا السياق، يكرّر السراج تأكيده رفض مشاركته في الحوار السياسي.
وبشكل عام، يشير توجه القرارات الدولية، منذ اندلاع ثورة فبراير، إلى تعميق التدخل الدولي ووضع ليبيا تحت الإشراف المستمر، فقد عكست قرارات مجلس الأمن نوعاً من الوصاية على الحكومات الليبية، غير أن قرارات مجلس الأمن لم تأخذ طريقها إلى التنفيذ، خصوصاً ما يتعلق بتأكيد مشروعية الحكومة المعترف بها دولياً، ونزع الصفة القانونية عن الجهات الموازية واعتبارها متمردة.
وعلى الرغم من قبول الأمم المتحدة نتائج الانتخابات، وتكوين الحكومة المؤقتة في عام 2012، فإن موقفها من السيادة الكاملة للدولة ظل محل جدل، بشكلٍ أتاح للبعثة الأممية سلطةً تقديريةً في تقييم دور المؤسسات الليبية. وهنا تكمن الإشارة إلى تجاهلها حكم المحكمة العليا بحل مجلس النواب في نوفمبر/ تشرين الثاني 2014، ما تسبب في ظهور عدة حكوماتٍ تتنازع على السلطة، ومهد الأرضية للدخول في الحرب الأهلية.
حلفاء حفتر
وعلى غرار المواقف الأوروبية، تبدو مواقف حلفاء حفتر العرب غير متناسقة، منذ اجتماعات
السراج وحفتر في أبوظبي في فبراير/ شباط 2019، ثم صار محتوى الدعوة هو إلى الحل السلمي في الخطاب السياسي، وانخفضت مظاهر دعم الحرب، وهذا ما يرجع إلى فشل حفتر في إحداث اختراق سياسي أو عسكري.
وهناك عوامل أخرى تتعلق بالأوضاع الداخلية في هذه الدول، فبينما يزداد انشغال السعودية بالأزمة مع إيران والحرب في اليمن، تمر مصر بجدل سياسي بين السلطة ومعارضيها. وتبدو الإمارات على موعد مع تغيرات متسارعة، ليس فقط بسبب تنامي الحديث عن الانسحاب من بعض الملفات الإقليمية، ولكن بسبب تصدرها لقضايا وأعباء تفوق قدراتها الاستراتيجية، ولا تتوفر لها طاقة أو إمكانية الاستمرار في رعاية التدخل في شؤون البلدان الأخرى، أو توجيه تحالفاتها مع بلدان تفوق مكانتها في الجغرافيا السياسية. وبالتالي، فإن تدخلها في ليبيا وبعض الدول يظل محاولة قصيرة المدى.
وكما يتجه التحالف الإماراتي ـ السعودي للتفكك في ملفات كثيرة، وخصوصا في سورية واليمن وإيران، فإن تداعيات الحرب في ليبيا سوف تزيد من اختلاف المواقف بين مصر والإمارات. وبهذا المعنى، تتزايد توقعات فقدان حلفاء حفتر جزءًا كبيراً من عوامل تماسكه.
خطاب الوفاق
على مدى أزمة ما بعد الهجوم على طرابلس، اتجهت مواقف حكومة الوفاق إلى تبنّي خيارات فاصلة تجاه خليفة حفتر وحلفائه، وسار بشكل متدرج نحو استبعاده من المشاركة في الحوار السياسي، باعتباره متمرّداً، فقد انتقد المجلس الأعلى للدولة، في 8 سبتمبر/ أيلول 2019، استقبال أبوظبي المتحدث العسكري، والسماح له بعقد مؤتمر صحافي، بمثابة دعم للتمرّد المسلح ولاستمرار الحرب. ولذلك طالب البعثة الأممية بدعم المؤسسات الشرعية. وفي السياق نفسه، دعا حزب العدالة والبناء، في 12 سبتمبر، إلى وقف تعامل الدول مع الحكومة المؤقتة، وتوفير الرقابة على المؤسسات الاقتصادية والمالية.
وتوضح مشاركة فايز السراج في أعمال الجمعية العامة في نيويورك استقرار الأمم المتحدة على
الاعتراف بالاتفاق السياسي وحكومة الوفاق ممثلة للدولة الليبية. وبغض النظر عن إشارات كلمة السراج إلى دعم الحل السياسي خيارا لتسوية الأزمة، فقد تضمنت كلمته إدانة صريحة لتدخل كل من فرنسا ومصر والإمارات العربية ومساعدتها للعدوان على العاصمة، ما يشكل نقلة نوعية في الخطاب السياسي، سوف تساهم في وضع خطوط فاصلة بين معسكري حكومة الوفاق والحكومة المؤقتة.
ولم يكتف السراج بالإشارة إلى حلفاء حفتر، لكنه طوّر النقاش بشأن أدوارهم في دعم الهجوم على طرابلس واستمرار الحرب الأهلية، وذلك بعرض تفاصيل ومشاهدات تدعم ما يعتبره عدواناً، فكما دخلت الإمارات بتوفير الدعم السياسي والعسكري، ونشر خطاب الكراهية والتحريض، أشار أيضاً إلى تقديم فرنسا صواريخ "جافلين"، وأشار إلى تدخل مصر بتقديمها مقترحات سياسية بشأن توزيع الثروة. ويشير استعراض السراج هذا داعمي العدوان على العاصمة طرابلس أن حكومة الوفاق التي يترأسها تسير نحو رفض التعامل مع فرنسا والإمارات، فيما تبقي على فرصة التواصل مع مصر وتأكيد على المصالح الاستراتيجية مع الولايات المتحدة.
بشكل عام، لا يبدو أن هناك تغيرات جوهرية في وضع الأزمة الليبية، حيث تظل المواقف الدولية تميل إلى الانفتاح على كل أطراف الصراع. وفي الوقت نفسه، بدت أطروحاتها لحل الصراع نمطيةً، ولا تختلف عن المحاولات السابقة، وهذا ما يتضح في الدعوة إلى عقد مؤتمرين أو مقترح ألمانيا عقد جلسة مشاورات، وهي دعوات من دون قائمة أعمال واضحة.
في ظل هذه الظروف، يحاول خليفة حفتر تحسين وضعه، بشن هجمات عشوائية بالاستعانة بمقاتلين أجانب. ولعل سكوت كل الأطراف الدولية والإقليمية زاد وتيرة القتال، خلال الأيام الماضية، الأمر الذي يوضح أمرين: عدم تبلور إطار دولي لوقف الحرب، وهو ما قد يتلاقى مع مواقف داعمة لتنامي الصراعات في الشرق الأوسط. وأن حل الأزمة لا يتوقف على استبعاد حفتر من المشهد السياسي، على الرغم من أهمية أمر كهذا، وإنما يتوقف على قدرة حكومة الوفاق على بناء كتلة سياسية متساندة.
مواقف التكتلات الدولية
وبالنظر إلى مواقف المجموعات الدولية، اتضح، أنها كانت أكثر ميلاً إلى انتظار نتائج الحرب، ومنح خليفة حفتر فرصةً لتوطيد أوضاعه في الجنوب الليبي والغرب، فعلى الرغم من الحديث عن اجتماعات دولية بشأن ليبيا للتفاهم حول مسار الحل السياسي، شكلت تطورات المعارك المتغير الرئيسي في المراجعات الدولية تجاه استمرار الحرب، فمع بداية اندلاع المعارك، اتسمت مواقف غالبية الدول بالتأرجح بين الحل السلمي والحسم المسلح، بشكل أحدث تعقيداتٍ كان من شأنها إضعاف فرصة التفاوض على وقف الحرب، ولعل البيانات الدولية "المشتركة" كانت تحمل، في طياتها، فتح الفرصة لاستمرار الحرب وإيجاد أوضاع تفاوضية على أساس فض الاشتباك، انتظاراً لتغير الظروف.
وفي هذا السياق، اهتم البيان المشترك في 17 يوليو/ تموز 2019، بين حكومات مصر وفرنسا وإيطاليا والإمارات العربية والمملكة المتحدة والولايات المتحدة، بوقف القتال، والعودة السريعة
ويتساند هذا التوجه مع موقف مجموعة السبع الصناعية، المعلن في 25 أغسطس/ آب، عندما تضمن بيانها الختامي الدعوة إلى عقد مؤتمرين، دولي ووطني، لإنهاء الأزمة في ليبيا. تشكل هذه التطورات أرضيةً لتحويل الصراع المسلح في ليبيا على أساس رفع مستوى المساهمة الوطنية، وهو ما يشير إلى تطورٍ في الموقف الدولي والأمم المتحدة نحو القبول بالإطار الوطني ضمن الحل السياسي.
البلدان الغربية
بشكل عام، لا تتبنى البلدان الغربية مواقف متناسقة تجاه الحرب الأهلية في ليبيا، ويتوزّع دعمها ما بين دعم قرارات الأمم المتحدة والسكوت الإيجابي للهجوم على طرابلس، فعلى الرغم من ترقية الولايات المتحدة مستوى تمثيلها لدى ليبيا، فإنها ما زالت توزّع دعمها على طرفي الصراع، وحسب بيان السفارة، في 15 أغسطس/ آب 2019، تعمل السياسة الأميركية على توسيع التواصل مع أطراف النزاع والبعثة الأممية، كما يؤكد دعم الاتفاق السياسي وحكومة الوفاق. وبهذا المعنى، لا تبدو أي تغيرات جوهرية في الموقف الأميركي، حيث صار هذا الموقف بحسب تطورات المواقف الميدانية واتجاهات الحرب.
وعلى المستوى الأوروبي، لم تحدث تغيرات جوهرية في مواقف البلدان الأوروبية، حيث ظلت تراقب الهجوم على طرابلس من دون وضوح جهود لوقف الحرب، وظلت محاولات الأوروبيين مقتصرةً على إصدار البيانات الصحافية من دون اتخاذ خطوات من شأنها دعم الهدن التي اقترحتها الأمم المتحدة.
وبينما تتخذ ألمانيا مواقف محايدة، تتماثل استراتيجيات فرنسا وإيطاليا تجاه تعميق نفوذهما في ليبيا، والتحيز لأحد الأطراف. في الوقت الراهن، تتمتع السياسة الفرنسية باستقرار نسبي، سواء في وضوح تحالفاتها الإقليمية واستقرار حكومتها، فيما إيطاليا أكثر انشغالاً بعدم استقرار حكوماتها، وهذا ما يمنح فرنسا ميزة نسبية في تطوير مصالحها في ليبيا، وتحيزها للحل المسلح رغم تداعياته الكارثية.
التواء الأمم المتحدة
مع اندلاع أزمة طرابلس في أغسطس/ آب 2018، كانت هناك محاولات من بعثة الأمم المتحدة للتدخل الإيجابي، وتمكّنت من فرض التهدئة، لكنها لم تستطع فرض تسويةٍ لأزمة الأمن في
وعلى مدى فترة اندلاع العدوان على طرابلس، توقف مجلس الأمن عند مستوى مناقشة سير المعارك ومطالبة الأطراف بوقف القتال من دون إصدار بيان أو قرار، كما لم يعلن تأييده الواضح لحكومة الوفاق في طريقةٍ تسمح بإعادة النظر في الاتفاق السياسي. ومن هذه الوجهة، يحمل اعتبار حكومة الوفاق شرعية، في طياته، استبعاد الحل العسكري، وتجاوز ثنائية فايز السراج (رئيس الحكومة) ـ حفتر، فبجانب تمديد مجلس الأمن، في القرار 2486 الصادر في 2019، مهمة البعثة الأممية للعام المقبل في إجراء عملية سياسية وتثبيت الاتفاق السياسي وحكومة الوفاق، وعلى الرغم من الطابع البروتوكولي للقرار، يعد استمرار العمل باتفاق الصخيرات بمثابة إزاحة وتأجيل للبدائل الأخرى، كمحاولات إعادة تشكيل المجلس الرئاسي وتغيير الاتفاق السياسي.
هنا، تبدو الأمم المتحدة أمام تناقضٍ تجاه دعم الاتفاق السياسي وترك الهجوم على طرابلس من دون تعريفه بالعدوان أو التمرّد، حيث إن قبول رئيس حكومة الوفاق، فايز السراج، ممثلا لدولة ليبيا، يقتضي اعتبار خطابه رسمياً وقانونياً، وخصوصاً ما يتعلق باعتبار خليفة حفتر متمرّداً ووضعه على لائحة المطلوبين أمنياً. وفي هذا السياق، يكرّر السراج تأكيده رفض مشاركته في الحوار السياسي.
وبشكل عام، يشير توجه القرارات الدولية، منذ اندلاع ثورة فبراير، إلى تعميق التدخل الدولي ووضع ليبيا تحت الإشراف المستمر، فقد عكست قرارات مجلس الأمن نوعاً من الوصاية على الحكومات الليبية، غير أن قرارات مجلس الأمن لم تأخذ طريقها إلى التنفيذ، خصوصاً ما يتعلق بتأكيد مشروعية الحكومة المعترف بها دولياً، ونزع الصفة القانونية عن الجهات الموازية واعتبارها متمردة.
وعلى الرغم من قبول الأمم المتحدة نتائج الانتخابات، وتكوين الحكومة المؤقتة في عام 2012، فإن موقفها من السيادة الكاملة للدولة ظل محل جدل، بشكلٍ أتاح للبعثة الأممية سلطةً تقديريةً في تقييم دور المؤسسات الليبية. وهنا تكمن الإشارة إلى تجاهلها حكم المحكمة العليا بحل مجلس النواب في نوفمبر/ تشرين الثاني 2014، ما تسبب في ظهور عدة حكوماتٍ تتنازع على السلطة، ومهد الأرضية للدخول في الحرب الأهلية.
حلفاء حفتر
وعلى غرار المواقف الأوروبية، تبدو مواقف حلفاء حفتر العرب غير متناسقة، منذ اجتماعات
وهناك عوامل أخرى تتعلق بالأوضاع الداخلية في هذه الدول، فبينما يزداد انشغال السعودية بالأزمة مع إيران والحرب في اليمن، تمر مصر بجدل سياسي بين السلطة ومعارضيها. وتبدو الإمارات على موعد مع تغيرات متسارعة، ليس فقط بسبب تنامي الحديث عن الانسحاب من بعض الملفات الإقليمية، ولكن بسبب تصدرها لقضايا وأعباء تفوق قدراتها الاستراتيجية، ولا تتوفر لها طاقة أو إمكانية الاستمرار في رعاية التدخل في شؤون البلدان الأخرى، أو توجيه تحالفاتها مع بلدان تفوق مكانتها في الجغرافيا السياسية. وبالتالي، فإن تدخلها في ليبيا وبعض الدول يظل محاولة قصيرة المدى.
وكما يتجه التحالف الإماراتي ـ السعودي للتفكك في ملفات كثيرة، وخصوصا في سورية واليمن وإيران، فإن تداعيات الحرب في ليبيا سوف تزيد من اختلاف المواقف بين مصر والإمارات. وبهذا المعنى، تتزايد توقعات فقدان حلفاء حفتر جزءًا كبيراً من عوامل تماسكه.
خطاب الوفاق
على مدى أزمة ما بعد الهجوم على طرابلس، اتجهت مواقف حكومة الوفاق إلى تبنّي خيارات فاصلة تجاه خليفة حفتر وحلفائه، وسار بشكل متدرج نحو استبعاده من المشاركة في الحوار السياسي، باعتباره متمرّداً، فقد انتقد المجلس الأعلى للدولة، في 8 سبتمبر/ أيلول 2019، استقبال أبوظبي المتحدث العسكري، والسماح له بعقد مؤتمر صحافي، بمثابة دعم للتمرّد المسلح ولاستمرار الحرب. ولذلك طالب البعثة الأممية بدعم المؤسسات الشرعية. وفي السياق نفسه، دعا حزب العدالة والبناء، في 12 سبتمبر، إلى وقف تعامل الدول مع الحكومة المؤقتة، وتوفير الرقابة على المؤسسات الاقتصادية والمالية.
وتوضح مشاركة فايز السراج في أعمال الجمعية العامة في نيويورك استقرار الأمم المتحدة على
ولم يكتف السراج بالإشارة إلى حلفاء حفتر، لكنه طوّر النقاش بشأن أدوارهم في دعم الهجوم على طرابلس واستمرار الحرب الأهلية، وذلك بعرض تفاصيل ومشاهدات تدعم ما يعتبره عدواناً، فكما دخلت الإمارات بتوفير الدعم السياسي والعسكري، ونشر خطاب الكراهية والتحريض، أشار أيضاً إلى تقديم فرنسا صواريخ "جافلين"، وأشار إلى تدخل مصر بتقديمها مقترحات سياسية بشأن توزيع الثروة. ويشير استعراض السراج هذا داعمي العدوان على العاصمة طرابلس أن حكومة الوفاق التي يترأسها تسير نحو رفض التعامل مع فرنسا والإمارات، فيما تبقي على فرصة التواصل مع مصر وتأكيد على المصالح الاستراتيجية مع الولايات المتحدة.
بشكل عام، لا يبدو أن هناك تغيرات جوهرية في وضع الأزمة الليبية، حيث تظل المواقف الدولية تميل إلى الانفتاح على كل أطراف الصراع. وفي الوقت نفسه، بدت أطروحاتها لحل الصراع نمطيةً، ولا تختلف عن المحاولات السابقة، وهذا ما يتضح في الدعوة إلى عقد مؤتمرين أو مقترح ألمانيا عقد جلسة مشاورات، وهي دعوات من دون قائمة أعمال واضحة.
في ظل هذه الظروف، يحاول خليفة حفتر تحسين وضعه، بشن هجمات عشوائية بالاستعانة بمقاتلين أجانب. ولعل سكوت كل الأطراف الدولية والإقليمية زاد وتيرة القتال، خلال الأيام الماضية، الأمر الذي يوضح أمرين: عدم تبلور إطار دولي لوقف الحرب، وهو ما قد يتلاقى مع مواقف داعمة لتنامي الصراعات في الشرق الأوسط. وأن حل الأزمة لا يتوقف على استبعاد حفتر من المشهد السياسي، على الرغم من أهمية أمر كهذا، وإنما يتوقف على قدرة حكومة الوفاق على بناء كتلة سياسية متساندة.