عن لبنان ونموّه الاقتصادي

15 يوليو 2017
+ الخط -
تبدو الدوامة في لبنان استحقاقاتٍ سياسيةً متلاحقة، تطغى على ما عداها من تدابير اقتصادية واجتماعية وحياتية، بما يفسح المجال أمام تدهور الوضع المجتمعي للمواطنين، في خطواتٍ متسارعةٍ نحو الإفلاس الفردي الذي يعرقل الدورة الاقتصادية الشاملة. يعرف السياسيون اللبنانيون هذه الحقيقة، خصوصاً أن تمويل فوائد الودائع الأجنبية من القروض الشخصية المحلية، بات مهدّداً في ديمومته، لعدم قدرة المقترضين المحليين، من ذوي الدخل المحدود، على مواصلة تسديد قروضهم في ظلّ المجهول الاقتصادي الذي ينتظرهم. ما يؤدي، بالتالي، إلى تهديد "المعجزة المصرفية اللبنانية" التي تغنّت بها البلاد فترة طويلة، خصوصاً في الحرب اللبنانية (1975 ـ 1990)، وقد تتطور إلى عدم الثقة، وربما إلى نقل الودائع الأجنبية إلى خارج لبنان، لأسباب ربحية.
تبدو الخطة المقابلة "لنجدة" الاقتصاد اللبناني عشوائية وغير رسمية، إذ ينصح رئيس التيار الوطني الحر، جبران باسيل، بـ"تأسيس مجلس اقتصادي"، في سياق "تكبير حجم الاقتصاد عبر النمو، وخلق فرص عمل لكل الفئات والاستثمار بالبنى التحتية، وأولها الطاقة، ومنع الاحتكار والاستفادة القصوى من مرافق الدولة وثروات الدولة". كلام جميل. لكن الأساس ليس هنا، في مجلس اقتصادي أو غيره، بل يتعدّى ذلك إلى الأسس الاستثمارية، والفرص المُتاحة أمام اللبنانيين وغيرهم، للمشاركة بزخم في الدورة الاقتصادية، ما ينعكس، بالتالي، على تسريع النمو الداخلي، وتأمين بيئة استثمارية أوسع.
في هذا السياق، كان لنائب رئيس البرامج الدولية في معهد أطلس، الأميركي توم بالمر، ندوة أخيراً في لبنان، بدعوة من المعهد اللبناني لدراسات السوق، شرح فيها حقيقة ما يعاني منه لبنان. وقال إن "لبنان يشهد انقطاعاً كبيراً في الكهرباء، ونحن في العام 2017، وهذا غير مقبول في الاقتصاد الحديث، ناهيك عن الصعوبات والتعقيدات الإدارية والبيروقراطية، إضافة إلى بطء أداء شبكة الإنترنت وتردّي الخدمات". وشدّد على أن "هناك خسائر كبيرة بسبب الفساد"، لافتاً إلى أن "هناك مقولة خاطئة، تعتبر أنك عندما تأخذ مكاسب الفساد وتوزّعها على العالم يصبحون أغنياء، وهذا غير صحيح. وهناك أكثر من مثالٍ حول العالم، إذ يظن الناس أنهم يكسبون جرّاء منظومة الفساد، ولكنهم في الحقيقة خاسرون، والمحصلة في النتيجة سلبية. ونحن نعلم أن هناك مجموعات عديدة في لبنان تظن أن لديها امتيازات، وتسعى إلى حمايتها، اعتقاداً منها بأن ذلك يجعلها رابحة، ولكنه ينعكس سلباً على الجميع."
كان الرجل واضحاً، فتردّي البنى التحتية الأساسية في لبنان سبب رئيسي لعدم جذب المستثمرين، وسبب إضافي لهروب المستثمرين المحليين المحتملين. وأعطى نموذجاً على صعوبة تأسيس شركة ومباشرة النشاط في لبنان مقارنةً بدول أخرى، فقال "يمكن تأسيس شركةٍ في سنغافورة، على سبيل المثال، خلال ساعات، نحن نحتاج لرؤية استراتيجية للقضاء على التعقيدات الإدارية وصولاً إلى أداء إيجابي". وعلى الرغم من سوداوية الصورة، إلا أن بالمر نصح اللبنانيين بالنظر إلى الإصلاحات الشاملة في البنى التحتية، في عددٍ من البلدان، كنيوزيلندا وجورجيا والهند وغواتيمالا وغيرها، والاتعاظ منها لتطوير المناخ الاستثماري في لبنان.
قد يبدو الأمر في غاية البساطة، في أن يعقد البرلمان والحكومة اللبنانيان، جلساتٍ متلاحقةً لمعالجة الخلل الاقتصادي، من دون انتظار مؤتمراتٍ عالمية، لمنح الأموال بحجة "غياب المواد الأولية الأساسية" في لبنان. لكن الأمر يتعدّى القرار السياسي إلى النيات، فلا أحد يرغب في تطوير الاقتصاد، بما يسمح بـ"خروج المواطنين" عن طاعة السياسيين من جهة، وكسر حلقة الفساد من جهة أخرى. هل لك أن تتخيّل أن حزباً أو سياسياً سيزورك طالباً منك، بلطف، تأييده في أي استحقاق انتخابي، بدلاً من أن يفرض عليك انتخابه، وإلا تُطرد من عملك أو منزلك؟ أكيد لن يسمح القادة اللبنانيون، أقله في الوقت الراهن، بتطوير الاقتصاد اللبناني، وتحريره من سطوتهم.
6F7A33BD-9207-4660-8AF7-0EF5E3A4CD6C
بيار عقيقي
صحافي لبناني، عمل في صحف ومجلات ودوريات ومواقع لبنانية وعربية عدّة. من فريق عمل قسم السياسة في الصحيفة الورقية لـ"العربي الجديد".