نتنياهو في مواجهة الجيش الإسرائيلي

22 يونيو 2024
+ الخط -

منذ الأحد الماضي، يدور صراع مرير بين رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو والجيش الإسرائيلي. ومع أن السبب الشكلي له ناجم عن إعلان الجيش "وقفاً تكتيكياً لإطلاق النار" في رفح، من الساعة 8 صباحاً وحتى 7 مساءً على معبر كرم أبو سالم، إلا أن الحقيقة أبعد من ذلك. فقبل أيام من قرار الجيش، الذي انتقده نتنياهو قائلاً: "نملك دولة لها جيش وليس جيشاً له دولة"، استقال رئيسا الأركان السابقين، بيني غانتس وغادي آيزنكوت، من مجلس الحرب في 9 يونيو/ حزيران الحالي، تاركين نتنياهو وحيداً في مجلسه، ومُرجئاً أياماً عدة انضمام وزير الأمن القومي المتطرّف، إيتمار بن غفير، إلى أيٍّ من أشكال "المطبخ السياسي والحربي".

بعد تلك الاستقالتين، بدأت الأنباء تتواتر من داخل جيش الاحتلال، سواء في أعداد القتلى والجرحى، أو الحاجة إلى تطويع الحريديم، أو حتى الدفع باتجاه تسويةٍ سياسية في غزّة، وصولاً إلى "انتفاضة" المتحدّث باسم الجيش، دانيال هاغاري، مساء الأربعاء الماضي، الذي اعتبر أن "الحديث عن تدمير حماس بمثابة ذرٍّ للرّماد في أعين الجمهور. حماس فكرة، وعلى المستوى السياسي أن يجد بديلاً لها وإلا فستبقى". من الطبيعي أن يتحسّس نتنياهو الداعي إلى تدمير حركة حماس، خصوصاً أن رئيس الأركان الحالي، هرتسي هليفي، محسوبٌ على غانتس. في النهاية، العسكريون رفاق سلاح، ولو أن نتنياهو نفسه خدم خمس سنوات في وحدة "سرييت متكال" النخبوية في الجيش.

لدى الجيش الإسرائيلي أفكار مختلفة عن نتنياهو، تبدأ أولاً من عدم مواجهة الأميركيين وعدم التصادم معهم، فوزير الأمن، يوآف غالانت، كان واضحاً بقوله في الأسابيع الأولى للعدوان على غزّة في الخريف الماضي، إن "الأميركيين يمدّوننا بالسلاح ويدعموننا، فكيف أرفض طلباً لهم؟". غالانت نفسه، الموضوع على لوائح المطلوبين للمحكمة الجنائية الدولية مع نتنياهو، ظلّ صامتاً في الصدام العسكري ـ السياسي، رغم أنه وزير الوصاية على الجيش.

في الواقع، سيدفع خوض جيش الاحتلال حرباً، هي الأطول في تاريخ "الدولة" منذ نكبة 1948، العسكريين إلى التململ في العدوان على غزّة: لا التراجع مطروح ولا البقاء مقبول ولا الاستنزاف وارد. وإذا كان الخيار الأول مُجمعاً عليه لدى الإسرائيليين، فإن الثاني مرفوضٌ أميركياً، والثالث مدمّر سياسياً واقتصادياً. الجيش الإسرائيلي، المولود من عصابات الهاغاناه وإرغون وليهي، ليس مستعدّاً لخوض معارك شوارع طويلة الأمد، ما لم ينل ما يريده: السلطة عبر صناديق الاقتراع أو المشاركة فيها، ونتنياهو ليس الشخص الشريك المثالي للجيش. ربما في ظروف أخرى، لما تردّدت وحداتُ من جيش الاحتلال على احتلال مقرّ الحكومة في القدس المحتلة والقيام بانقلابٍ خاطف، بفعل التباعد في القرارات بين المؤسّسة العسكرية والحكومة. الأميركيون دائماً في الخلفية.

ما الذي يُنجد نتنياهو عملياً من أي محاولة إطباق سياسيةٍ عليه، مُدارة من الجيش من جهة، ومن غانتس وآيزنكوت ويئير لبيد من جهة أخرى، في وجود لغم غالانت في مجلس الحرب؟ التراجع إلى الخلف خطوات، بدءاً من إقرار التسوية مع حركة حماس في غزّة، مروراً بتجنيد الحريديم، ووصولاً إلى إقرار إجراء انتخاباتٍ مبكّرة لحسم الصراع السياسي في الداخل الإسرائيلي. هذا هو المطلوب، لكن نتنياهو لن يهدأ حتى لو باشر حرباً على جبهات عدة، فبعمر الـ74 لن يقبل بمثل هذه الهزيمة العسكرية في الداخل، بعد شبه هزيمةٍ قضائيةٍ في مرحلة ما قبل "7 أكتوبر". سيواصل نتنياهو ضغطه على الجيش، في مقابل تزايد تشابه سلوك الجيش بعصابات هاغاناه وإرغون وليهي. المفارقة أن المجتمع الإسرائيلي لم يُفرز بعد شخصية قادرة على انتزاع "هالة" نتنياهو، وإطاحته من دون إحداث زلزال يميني متطرّف يبدأ من بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، ولا أحد يعلم نهايته.

6F7A33BD-9207-4660-8AF7-0EF5E3A4CD6C
بيار عقيقي
صحافي لبناني، عمل في صحف ومجلات ودوريات ومواقع لبنانية وعربية عدّة. من فريق عمل قسم السياسة في الصحيفة الورقية لـ"العربي الجديد".