انتخابات وفوضى جيوسياسية

13 يوليو 2024
+ الخط -

ما الذي أفرزته الانتخابات الإيرانية مع صعود المحسوب على معسكر الإصلاحيين في طهران، مسعود بزشكيان، إلى السلطة؟... أفرزت عملياً هدوءاً داخلياً كَسبت بموجبه الدولةُ العميقة في إيران وقتاً كافياً، أقلّه حتّى حلول موعد الرئاسيات الأميركية في نوفمبر/ تشرين الثاني المُقبل، ومحاولة تأمين المصالحة بين فئات شعبية والنظام، سواء باسم الإنترنت أو باسم الحجاب. وهي خطوة تُحسب للنظام الإيراني. أما بشأن ما إذا كانت هذه الخطوة ستسمح بالتقاطِ الأنفاس قبل هبوب العاصفة الآتية من الولايات المتّحدة، فهذا شأن آخر. في المُقابل، قدّم البريطانيون انتقالاً مَرِناً بين حزبَين تناوبا على حكم البلاد منذ عام 1924، مع إقرار "المحافظين" بأكبر هزيمة له في القرن الحالي، وتحقيق "العمّال" أكبر فوز له منذ عام 1997. قدّم البريطانيون نموذجاً في كيفية عمل نظم الانتخابات وتَقبُّل نتائجها، والمُضيّ قدماً. أمّا فرنسا، فكما أراد رئيسها إيمانويل ماكرون حصل؛ برلمان مُوزَّع بشكل أساسي بين ثلاثة معسكرات، لا غالبية فيه لطرف، ومن غير الوارد تحالف طرفَين ضدّ ثالث.

إزاء هذا كلّه، لا يبدو أنّ الوضع الانتخابي الأميركي سيَمرُّ بسلاسة. يتحرّك الأميركيون بسرعة أكثر، وبفوضوية. هناك حالة رعب تَعمُّ صفوف الحزب الديمقراطي بسبب الرئيس جو بايدن، والخشية من عدم قدرته على مواجهة سلفه الجمهوري دونالد ترامب، ولا حتّى على الحكم بسهولة في حال فوزه بالولاية الثانية. اعتاد الأميركيون تقديم "القصّة الجديدة" لا الكلاسيكية في كلّ انتخابات رئاسية، منذ انتخاب بيل كلينتون في 3 نوفمبر/ تشرين الثاني 1992، وقد كان الوجه الشبابي بعد أجيال من رؤساء تجاوزوا سنَّ الـ50. جورج بوش (الابن) كان نوعاً من مصالحة آل بوش مع واشنطن. باراك أوباما، أول أميركي من أصول أفريقية، مع تمتّعه بكاريزما خطابية لافتة. دونالد ترامب، شكَّل قمَّة صعود اليمين المُتطرّف الأميركي بعد عقود من النبذ. أمّا بايدن نفسه، فكان مدركاً أنّ رئاسته "مرحلة انتقالية" لشيء لم يحدّده هوَ. ومع تحول الفوضى الأميركية فوضى عالمية، وأمام ارتفاع نبرات التفاؤل بشأن التوصّل إلى اتفاق في قطاع غزّة، عاد كلُّ شيء إلى حيث بدأ كلُّ شيء في 24 فبراير/ شباط 2022؛ أوكرانيا.

منذ الخريف الماضي، اللحظة التي باشر فيها الجيش الروسي التحضير بصمتٍ لمعارك الربيع، ظنّ كثيرون أنّ الدعم الغربي لأوكرانيا انتهى، وأنّ ما يتبقى هو إقناع رئيسها فولوديمير زيلينسكي بالتفاوض مع الروس، انطلاقاً من قبوله ضمّ موسكو المناطق الأوكرانية الأربع: لوغانسك، ودونيتسك، وزابوريجيا، وخيرسون، والاعتراف أيضاً بالسيادة الروسية على شبه جزيرة القرم. ووُضعت عمليات تغيير الهيكلية العسكرية تحديداً، إبعاد قائد الجيش السابق فاليري زالوجني عن المؤسّسة العسكرية، في سياق التمهيد لسقوط أوكرانيا في قبضة روسيا. غير أنّ ذلك كلّه بدا مُختلفاً في آخر أشْهُرٍ، بدءاً من الدعم الأميركي لكييف، ومن ثمّ دعم دول حلف شمال الأطلسي (ناتو) في قمّتهم، التي عُقدت في واشنطن الأسبوع الماضي، الاستمرار في ضخّ المساعدات لأوكرانيا.

ما الذي يعنيه ذلك؟... يعني أنّ فرضيّة السيطرة الروسية على أوكرانيا مرفوضة من "ناتو"، وأنّ سيناريو جورجيا انتهى في أغسطس/ آب 2008، مع أخطائه كلّها في ترك تبليسي بمفردها. بات العالم مُقتنِعاً بأنّ روسيا لن تتوقّف عند حدود أوكرانيا لو قُيّض لها السيطرة عليها. المسألة لا تتعلّق بتمدّد حلف شمال الأطلسي، الموجود أساساً في لاتفيا وإستونيا وليتوانيا، التي شهد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين شخصياً على انضمامها لـ"الأطلسي" في عام 2004. المسألة عادت إلى حيث كانت في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية (1939 ـ 1945)؛ العالم لا يحتمل تعدّداً قيادياً، خصوصاً في حقبة معالجة تضخّم عالمي زادته إغلاقات وباء كورونا سوءاً. هذا جوهر كلّ استحقاق انتخابي في العالم حالياً، وسلوكات الدول الانتخابية مُؤشّر على كيفية استعدادها للحقبة المُقبلة من الصدامات الجيوسياسية، ولا عزاء للتائهين في فوضاهم.

6F7A33BD-9207-4660-8AF7-0EF5E3A4CD6C
بيار عقيقي
صحافي لبناني، عمل في صحف ومجلات ودوريات ومواقع لبنانية وعربية عدّة. من فريق عمل قسم السياسة في الصحيفة الورقية لـ"العربي الجديد".