نرجسية ورداءة
كان ظهوره الأول على الشاشة لافتاً ومبشراً بمولد ممثل موهوب لا يقلّ أهمية عن كبار النجوم، من وزن أحمد زكي، محمود عبد العزيز، محمود حميدة، أحمد حلمي وغيرهم. أحبه الجمهور حينذاك، لما ظهر منه من تهذيب وتواضع وحرص على انتقاء الأدوار الجادة المتميزة، مثل دوره في فيلم "الكنز"، حين أدّى شخصية علي الزيبق باقتدار كبير، إلى جانب نجوم لامعين في الدراما المصرية. اتهمه بعضهم بتقليد أحمد زكي، للشبه في لون البشرة والملامح، وقد يكون في هذا الاتهام شيء من الصحة. أخذ يصعد سلم الشهرة بهدوء وروية، بعد أن أثبت موهبته ممثلاً في مسلسلات مصرية عديدة، مثل "نسر الصعيد" و"موسى" و"أولاد الشوارع"، ودور صغير في "السندريلا". وصار اسماً مطلوباً لدى شركات الإنتاج، غير أن نقطة التحوّل المؤسفة كانت حين أدّى دور البلطجي في "عبده موته"، وهو فيلم هابط من حيث المضمون والحوار والتمثيل والإخراج، يروج البلطجة بشكل جاذب لفئة الشباب المبهورين بقدرة هذه الشخصية على النصب والاحتيال والاستقواء على الضعفاء، ويغيّب قيم الكرامة والشرف والمروءة والصدق واحترام الآخر. وقد حقق الفيلم انتشاراً شعبياً واسعاً، وشهرة كبيرة في مصروالعالم العربي، فأصبح شبانٌ يقلدون هذا النموذج السلبي عديم الأخلاق والتربية، باعتباره مثلاً أعلى جديراً بالاحتذاء. ويبدو أن هذه الشخصية المستفزة راقته، فتقمّصها بالكامل في تفاصيل حياته الخاصة التي يعبّر عنها في لقاءاته التلفزيونية المثيرة للتقزّز.
أدّى به الهوس بالثروة والشهرة إلى تصرّفات رعناء مخجلة ومحرجة، أوصلته إلى ردهات المحاكم، مشكوّاً عليه في أكثر من قضية، أكثرها تراجيدية قضية الطيار المصري الذي قضى كمداً، بعد أن خسر وظيفته بسبب تهوّر الممثل الذي أحرجه خلال رحلة جوية كان على متنها، حين أخذ المفتون بنفسه يلتقط الصور ومقاطع الفيديو من قمرة القيادة، ما يشكل مخالفة لقوانين الطيران الصارمة، وبذلك أوقع الطيار في ورطة حقيقية كلفته مصدر رزقه. وحين قضت المحكمة بتغريم الممثل بمبلغ تعويضي للطيار، ظهر في فيديو سمج وهو يرمي الدولارات في البركة، ويبتسم أمام الكاميرا ببلاهة، ولم يُبدِ أي مشاعر ندم أو تعاطف مع العائلة، حين ذيوع نبأ وفاة الطيار الضحية. وفقد الممثل، على إثر الحادثة كثيراً من رصيده، وهاجمه جمهور كبير، منتقدين تصرفاته غير السوية.
ولأن الرداءة هي عنوان المرحلة، فإن أغاني الراب التي قدّمها برفقة نجوم غناء عالميين، ولم تبتعد مضامينها عن السطحية والعنف والاستعراض الغبي، حققت أعلى نسب مشاهدة، ما زاد في غروره الذي وصل به إلى إطلاق أغنية "نمبر ون"، معتبراً نفسه فيها نجم مصر الأول، ما أثار حنق الزملاء وسخرية العقلاء من المتلقين غير المخدوعين بهذه الظاهرة.
جديد حماقاته كان في حفل في السعودية، حين قرّر، لسبب لا يعلمه الا الله، رشّ شوالا من الدولارات على جمهورٍ يُفترض أنه أدرك حجم الإهانة التي ينطوي عليها سلوكٌ فجٌّ كهذا. وحين التدقيق في لغة الجسد الذي يصرّ على إظهاره شبه عار، أسوة بنجوم في الغرب، من دون أي اعتبار لاختلاف الثقافات، فمن السهل الاستنتاج أننا بصدد شخص مُحدَث نعمة، مصاب بلوثة استعراض لجسده وثروته من سيارات فارهة وقصور باذخة، مريض كلاسيكي بالنرجسية، لم تزده الشهرة إلا جهلاً وضحالة وأنانية وانعدام حساسية، ما يؤكّد أنه في حاجة عاجلة إلى علاج نفسي حثيث. أما جمهوره من المتابعين، فلا أمل في إصلاح ذائقتهم، حيث الرداءة سيدة المشهد لشديد الأسف.