عن دور المُعارِضين المصريين في الخارج
لماذا لا يُعارِض المصريون من الداخل؟ لماذا يضطر سياسيون، وأكاديميون، وصحافيون، وفنّانون، إلى مغادرة بلادهم ثمناً لمعارضتهم النظام المصري؟ لماذا لا يعودون ويُعارِضون من الداخل كما يطالبهم النظام وإعلامه وكتائبه الإلكترونية؟ لماذا لا يُعارِض السياسيون من الداخل فيسجنون، مثل عبد المنعم أبو الفتوح وهشام قاسم؟ لماذا لا يعارض الأكاديميون من الداخل ليُفصَلوا من وظائفهم مثل محمّد محسوب وسيف عبد الفتاح، ثم يتعرّضون للملاحقة الأمنية التي تضطرّهم إلى الخروج إلى المنفى بدلاً من السجن؟ لماذا لا يُعارِض الصحافيون والمدوّنون من الداخل فيعتقلون مثل إسماعيل الإسكندراني ومحمد أكسجين، أو يتعرّضون للإخفاء القسري أو الحبس الاحتياطي إلى ما لا نهاية؟، لماذا لا يُعارِض الفنّانون من الداخل فتحترم السلطة آراءهم مثلما فعلت مع جيهان فاضل وخالد أبو النجا وعمرو واكد، وغيرهم؟ لماذا لا يُنظّم الناشطون السياسيون في الداخل أنفسهم، ويُعارِضون عبر القنوات "الشرعية" فيتعرّضون لاتهاماتٍ بالأخونة والإرهاب ثم يُسجنون بتهمة "الأمل" في ممارسة حقوقهم السياسية، مثل زياد العليمي وحسام مُؤنس وعشرات غيرهم؟ لماذا لا يلتفّ المعارضون المصريون في الداخل حول مُرشّح آخر، ويعملون على وصوله إلى الحكم عبر "الانتخابات الرئاسية النزيهة"، فيتعرّضون هم ومُرشّحهم إلى ما تعرّض له المُرشّح الرئاسي أحمد الطنطاوي وحملته، ويسجنون جميعاً.
لا تحتمل المساحة تدوين أسماء عشرات الآلاف من السجناء السياسيين في مصر، ومئات الأصدقاء من نشطاء المجتمع المدني، على اختلاف مواقعهم، الذين صدّقوا أو تظاهروا بتصديق النظام المصري "الشريف قوي إن شاء الله"، ومارسوا بعض حقوقهم السياسية من الداخل، أو تصرّفوا "مواطنين" ينتمون إلى "دولة"، وعادوا إلى بلدهم بعد نشر مواد صحافية، أو إجراء حوارات تلفزيونية على شاشات عربية أو أجنبية، فإذا بهم يتعرّضون للتوقيف والسجن خمس سنوات وعشر سنوات أو أقلّ أو أكثر. يحدُث ذلك كلّه، وغيره من غير المقبول أخلاقياً وقانونياً، ورغم ذلك لا تكفّ أبواق النظام المصري في الشاشات الفضائية والرقمية عن مطالبة المعارضين في الخارج بالعودة شرطاً لإثبات وطنيتهم، والأدهى أخلاقيتهم (!) فالمعارض الوطني لا يُعارِض من الخارج بل من السجن، كما هو معلوم من الوطنية المصرية بالضرورة. كما أنّ المعارض "الأخلاقي" لا يدعو غيره في الداخل إلى التظاهر، لماذا؟... يجيب أحمد موسى ورفاقه في صراحة مدهشة: "لأنّ معارض الداخل يتحمّل التكلفة وحده". انزل لتحصل على رصاصة في صدرك، أو على حكم مؤبّدٍ، يُضيّع حياتك ويُخْرِب بيتك ويَحْرِمك أهلك وأولادك وعملك، فتثبت أنّك مُعارِض وطني وأخلاقي. إمّا هذا وإما أن تَخرَس وتترك الكلام في السياسة لسجناء الداخل.
أحد أكبر المقالب التي شربها المعارضون المصريون في الخارج، طوال عشر سنوات مضت، الاستجابة لهذا الابتزاز، والوقوع في فخّ سردية الدولة، والتحوّل، من دون قصد، إلى مُعارِض وفق معايير الحكم العسكري، في حين يفرض الواقع على مُعارِض الخارج شروطاً أخرى، فهو المطالب، من دون غيره، أن يتكلّم في السياسة لأنّه لن يدفع أثمان الداخل، كما أنّه المطالب، من دون غيره، أن يجد حلولاً للضغط على نظام لن يرتدع، كأيّ نظام فاشي، إلّا قسراً. فإذا سألتني من يحمل همّ توعية المصريين بما يحدث في بلادهم؟ فالإجابة بوضوح: معارض الخارج، لأنّه في أمان، أما نظيره في الداخل فإنّ مطالبته بالكلام، مُجرّد الكلام، معناه مطالبته بالانتحار. من يدعو المصريين إلى التظاهر؟ فالإجابة معارض الخارج، لأنّ مُجرّد الإشارة إلى حقّ التظاهر السلمي، الذي يكفله القانون والدستور، من الداخل معناها سجن صاحب الإشارة (على الأقلّ) فما بالك بالدعوة خطاباً وتخطيطاً، هذه هي المعادلة التي يريدون التغطية على بداهتها بالابتزاز العاطفي، انزل أولاً ثم تكلّم، ادفع ثمن التظاهر ثم ادع إليه. غير صحيح، وغير واقعي، وغير أخلاقي. فالمنفى، كان ولم يزل، ثمناً واضحاً لخطابات المنفيين ومواقفهم؟ فإذا كان الأمر يحتاج إلى ثمن فقد دفعوا، وإذا كان الأمر يحتاج إلى إثبات، فقد أثبتوا.