واقعا "حماس" ونقّادها "الواقعيين"

29 أكتوبر 2024
+ الخط -

ما يريده العدوّ، أيّ عدوّ، تجريدك من أسلحتك، فهذا ضمانة انتصاره النهائي، والأسلحة ليست معدّاتٍ فحسب، إنّما حلفاء وداعمون، عسكرياً وسياسياً وإعلامياً وإنسانياً. فإلى من تستند حركة حماس؟ قاعدتها الشعبية في الداخل، وجيرانها من العرب، بالإضافة إلى داعميها من الحقوقيين والإعلاميين والمؤثّرين، خاصّة في الغرب؟ ... ربّما لم تفقد الحركة قاعدتها الشعبية، وإلا ما استمرّت، لكنّها تفقد جزءاً منها، الآن. يعمل إعلام العدوّ على ذلك، ويعمل إعلام حلفاء العدو من العرب على ذلك، ويعمل بعض داعمي القضية الفلسطينية وداعمي المقاومة (وليس حماس الإسلامية أو الإرهابية) على ذلك. تختلف النيّات والأسباب والدوافع، لكنّ الهدف واحد؛ القضاء على "حماس"، ونتيجته واحدة؛ القضاء على المقاومة الفلسطينية.
أما الجيران، من العرب الذين يسعون، بكلّ جهد الكتائب الإلكترونية، إلى ألا يكونوا عرباً، فهم كما هو معلوم لأيّ متابع مشاركون في حصار غزّة، وبعضهم مُحرّض عليه، ومستفيد منه. ولا تتوقّف خدماتهم عند حدود "الفرجة" وإغلاق المعابر والحدود، بل تتجاوزها إلى المشاركة الفعّالة سياسياً وإعلامياً في دعم خطابات العدوّ، وسردياته، وأكاذيبه، وصرف المواطن العربي من المحيط إلى الخليج عن الاهتمام بإبادة آلاف البشر في غزّة، وشغله بمواسم الترفيه، والمزايدة عليه، حال تجاوزه الترفيه إلى الانشغال، ولو رمزاً، بآلاف الشهداء والنازحين والمشرّدين، ووصفه في مواقع التواصل الاجتماعي بأنه ليس وطنياً بما يكفي للانشغال ببلاده عن "الآخرين"، كما أنه سمج ومزايد (هو المزايد) على فرحة الناس ورغبتهم في الحياة، وليس الانتحار مثله ومثل "حماس" الإسلامية الرجعية المتخلّفة، ناهيك عن تحميله مشكلات الكوكب كلّه، التي ينبغي عليه أن يهتم بها قدر اهتمامه بالقضية الفلسطينية، إن كان حقّاً صادقاً في انحيازاته. المهمّ ألا يكون معنا، هنا والآن، حيث مركز البؤس العربي. فشكراً لحسن تعاون الجيران العرب. ويبقى المتعاطفون إنسانياً، وهؤلاء، رغم كسب "حماس" قطاعاً كبير منهم، ربّما أكثر من أي مرّة مضت، لكنّهم يظلّون عاملاً مساعداً أكثر منهم فاعلاً رئيساً، وتضيع جهودهم في غياب الفعل الحقيقي، الذي هو مهمّة الداخل العربي.
هل كان 7 أكتوبر (2023) "الممكن" الوحيد أمام "حماس"؟ ... يختلف الفرقاء من أنصار حقّ مقاومة المحتلّ بشأن الإجابة، إلّا أنه لا يسع عاقلين، في تقديري، أن يختلفا في أن "حماس" هي الممكن الوحيد أمام المقاومة الفلسطينية، ومن ثمّ تصبح المشاركة، أيّ مشاركة، في تجريدها من أسلحتها أو حلفائها أو القضاء عليها هو عمل "...". ضع بين المزدوجين ما شئت من توصيفات، لكنّ المؤكّد أنه ليس عملاً "واقعياً"، كما أنه من الصعب جداً التوفيق بين مشاركة العدوّ في تجريد "حماس" من أسلحتها، وبين زعم مناصرة القضية الفلسطينية، من حيث المبدأ.
سوف يمنحنا العدوّ ما شئنا من أوقات، بعد تخلّصه من المقاومة (بمشاركتنا) وإبادته مئات آلاف من الغزّيين، لكي نحاول إقناع "حماس" بأن تستفتي شعبها المحتلّ قبل مقاومتها المحتلّ، كما سنحاول إقناعها باستشارة حلفاء العدوّ الصهيوني من عرب، بل واستشارة العدوّ نفسه، والتنسيق معه قبل أيّ عملية عسكرية ضدّه. سنحاول أيضاً إقناع "حماس" بأن عليها أن تجد حليفاً إقليميا آخرَ غير إيران الطائفية، وأن تلتزم في خطاباتها السياسية والإعلامية، حتى في خطابات المجاملات السياسية، ألا تجرح مشاعر جيرانها من العرب غير الطائفيين، أو تعكّر عليهم صفو احتفالاتهم. سوف يمنحنا العدو الوقت الكافي لذلك كلّه، خاصّة أنه يتّسق مع مصالحه، لكن حتى ذلك الحين، ربّما، يلزمنا قليل من الهدوء وكثير من التواضع. الهدوء لأنه ليس من "العقلانية" أو "الواقعية السياسية" الصراخ في وجه رجل ميّت، بدعوى نقده وتقويمه. والتواضع، لأن أغلب هذه الخطابات النقدية (الصادقة على وجه الخصوص) تصدر من أصحاب أفكار وآمال وطموحات، وليس ممارسات سياسية واقعية، ما يجعل حقائق كثيرة، نكتشفها في مكاتبنا تحت أجهزة التكييف، تبدو للمقاومين ألعاباً غير مسلّية في خنادقهم هم، وتحت القصف.