عبير عيسى الحلوة في كل حالاتها

18 سبتمبر 2023

غبير عيسى في مهرجان صيف الزرقاء المسرحي (صفحة المهرحان في فيسبوك)

+ الخط -

طمأنت الفنانة الأردنية المتميّزة، عبير عيسى، جمهورها، فصرّحت لوسائل إعلام بأن قصة شعرها الجديدة والمختلفة جاءت من باب الرغبة في التغيير فقط لا غير. وأكدت أنها لا تعاني من أي مرض خبيث، كما أشيع بين جمهور المتابعين الذين تداولوا صورها الجديدة بشكل كثيف، حليقة الرأس من الجانبين، مرجّحين أن سبب هذه الخطوة إصابتها بمرض ما، متمنّين لها الشفاء العاجل. وهناك من تكهنوا بأنها بصدد تقديم دور جديد يتطلب قصّة الشعر مثار الجدل، غير أنها، في التصريح ذاته، نفت هذه الفرضية، شاكرة جمهور المتابعين على اهتمامهم. غير أنها لم تنجُ من سيل التعليقات المستهجنة واللاذعة وغير اللائقة على مواقع التواصل، وهذا متوقّع في مجتمع يتصف بشدة الفضول والحشرية، بحيث يمنح نفسه الحقّ في التدخّل في أخصّ الخصوصيات وإطلاق الأحكام الجائرة المتسرّعة وإبداء الرأي، بذريعة أن الفنان شخصية عامة، وهو ملك للجمهور، وهذه  فكرةٌ مغلوطةٌ لا بد من التخلص منها، احتراماً لحقّ الفنان في ممارسة حياته، واتخاذ قراراته الشخصية من دون الخضوع لابتزاز الجمهور المتعسّف الذي لا يعرف حدوده، ويحشر أنفه في كل صغيرة وكبيرة من باب حرية التعبير عن الرأي. 
لكن، يا عزيزي المتابع القلق والحريص على شعرات عبير "ما حدا طلب رأيك". لذلك عليك أن تحتفظ به لنفسك. وإذا لم تعجبك تسريحة عبير، لك مطلق الحرية في ألّا تقصّ شعرك مثلها. أما حكاية "حلو ومش حلو"، فهذا ليس من شأنك، بعبارة أكثر وضوحاً، مش شغلك! فالسيدة مارست حقها الطبيعي بتقرير مظهرها بالشكل الذي تراه مناسباً، وهذا أبسط أشكال الحرية الشخصية التي علينا احترامها، فهي لم تطرح تسريحة شعرها الجديدة نموذجاً على السيدات الاحتذاء به. يجمع كثيرون على محبّتها، والإعجاب بها ممثلة قديرة متمرّسة أثبتت حضورها محليا وعربيا، وحازت الجوائز في المحافل الفنية العربية والأردنية، ما أهلها بكل جدارة لحمل لقب سيدة الدراما الأردنية. ومن كان محظوظاً بما يكفي ليعرف عبير من قرب، يعرف مدى طيبتها ورقّتها ومستوى ثقافتها وكرم أخلاقها واحترامها الآخر وذاتها، ما جعلها محبوبة معظم الأردنيين منذ ظهورها الأول في السبعينيات الذين يقدّرون مسيرتها الفنية الثريّة الحافلة بالأعمال الدرامية الجادّة، مثل مسلسلات الخوابي، صبر العذوب، ضوء أسود، العقاب والعفراء، لعنة الكارما، حارة أبو عواد، العلم نور، أيام قرقوش، طرفة بن العبد. وفي المسرح، هاملت بعد حين، البلاد طلبت أهلها، عريس بنت السلطان، سالومي. وفي السينما، بوابة الجنّة، الرغبة في السقوط، المسعور. وفي البرامج، كنوز وحكايات، افتح يا سمسم،... وغيرها الكثير. لذلك، يبدو مجحفاً وسطحياً وسخيفاً أن تُختصر مسيرة عبير عيسى برمتها "بقصّة شعر لن تدوم طويلاً". وهذا ما تمنّته الفنانة القديرة على جمهورها. المفارقة أن متابعين قليلين عبّروا عن احترامهم خصوصيتها، مقارنة بالعدد الهائل من ردود الأفعال المتطفلة. ولن يؤثر هذا بصورتها أمام محبّيها الكثر في كل أنحاء الوطن العربي، وعلى المتفلسفين أن يكفوا عن هذا الفضول المزعج الذي ينطوي على تجاوزٍ للحدود، واعتداء على  المساحة الشخصية للفنانة من دون وجه حقّ. وعلينا، أبناء هذه المجتمعات التي تتشاغل عن القضايا الكبرى في تفاصيل وشؤون شخصية تعني أصحابها فقط، أن نتوقف عن هذه السلوكيات المؤسفة التي تعبّر عن فراغ نفسي وضحالة وسطحية كي لا نقول تفاهة وقلة عقل ليس أكثر (!). وكل الحب والتقدير لعبير عيسى، الحلوة في كل حالاتها.

AD06A645-8A0A-4B42-9292-5FC44B5D51C6
بسمة النسور

كاتبة أردنية، تحمل الليسانس في الحقوق، صدر لها ست مجموعات قصصية، وكتبت نصين مسرحيين. تكتب في الصحافة العربية منذ 1990، وتشغل موقع رئيسة تحرير مجلة "تايكي" المتخصصة بالإبداع النسوي.