حسين دعيبس و"الفرجة ببلاش"

30 سبتمبر 2024

حسين دعيبس واقفا في أثناء كواليس مسلسل "وعد الغريب" (العربي الجديد)

+ الخط -

بصرف النظر عن الظروف المأساوية التي مرّ بها المخرج الأردني حسين دعيبس، وهي تخصّه وحده بطبيعة الحال، لا يحقّ لأيٍّ كان استغلال الأمر بالصورة المشينة التي تابعناها وقد أصبحت "ترند" في مواقع التواصل الاجتماعي، حين أجرى صحافي ومنتج، مشكوك في مهنيتهما، مقابلةً مصوَّرةً مع المخرج في مقرّ إقامته بمنتجع فندقي خاصّ بالمسنّين، معروف بمستوى خدماته الصحّية والنفسية المُتقدّمة، وبارتفاع أسعاره التي لا يقدر عليها سوى الأثرياء، إذ تبلغ كلفة إقامة النزيل ألف دينار (1400 دولار) شهرياً.
ظهر دعيبس خلال اللقاء في أضعف حالاته الجسدية والنفسية، لأنّه ما زال يعاني آثار جلطة دماغية حادّة أثّرت في مداركه، وقاما ببثّها بشكل فضائحي على الملأ، من دون استئذان أو مراعاة لوضعه الصحّي والنفسي، في انتهاك صارخ لخصوصيته، وفي مُتاجَرة فجّة بعذابات الرجل الذي اختار العزلة والابتعاد عن الأضواء بعد عمر من الإنجاز الفنّي الرفيع.
يعتبر دعيبس من الروّاد في مجال أغاني الفيديو كليب التي راجت بشكل كبير في التسعينيّات. وقد تعاون مع كبار نجوم الوطن العربي مثل كاظم الساهر ونجوى كرم وعبد الربّ إدريس وغيرهم. كما عمل مصوّرَ حربٍ مُحترَف عند اندلاع حرب الخليج وغزو صدّام حسين الكويت، وعمل أيضاً في مجال الدعاية والإعلان، وفي إخراج وتصوير المسلسلات التلفزيونية مثل "نزهة على الرمال" و"عرس الغريب" وغيرهما، كما أخرج حفلات الافتتاح للفعّاليات الثقافية الأكثر أهمّية في الأردن، مثل مهرجان جرش ومهرجان الأغنية الأردنية، وأصدر مؤلفاً بعنوان "اللغة السينمائية"، تناول فيه الرؤيةَ الإخراجية في السينما، وحاز العديد من الجوائز والتكريمات المحلّية والعربية.
باختصار، يمتلك دعيبس سيرةً فنّية غنيةً، لكنّ الرجل ابتلي بالمرض، ألا يمرض الناس أحياناً؟ هل ذلك مُبرِّر لانتهاك خصوصياتهم وجعلهم لقمةً سائغةً في أفواه الناس، لأنّ "الفرجة ببلاش"؟
وفي بيان صدر من عشيرة دعيبس، جاء بليغاً شديد اللهجة، "فرق كبير بين لهفة الأخوّة والصداقة والسؤال عن الحال، والاستجداء والانتهازية والعزف على المشاعر". وأضاف البيان: "ما هكذا يكون الشوق، بل بزيارة الصديق والاطمئنان على حالته وأوضاعه الصحّية بعيداً عن الأضواء، حفاظاً على خصوصيّتة، وليس استغلالاً وسعياً إلى زخم المشاهدات من دون الالتفات إلى الوضع النفسي وطبيعة المرض، الذي يمكن أنّ يتعرّض له أيّ إنسان حين تنسحب على المريض تغييرات في الشخصية والسلوك"، وقد أكّد البيان أنّ حسين دعيبس "مُحاط بحب ودعم أفراد عائلته". وقد أكد حسين دعيبس نفسه، في أثناء المقابلة المؤسفة حين طالبهم باكياً بإقفال الكاميرا، عدم حاجته إلى دعم مادّي من أحد. وقد أحسن وزير الثقافة الأردني الجديد مصطفى الرواشدة عملاً بزيارة دعيبس في مقرّ إقامته والاطمئنان على أوضاعه، في تأكيد على اهتمام ورعاية الحكومة الأردنية لفنّانيها ومبدعيها الذين قدّموا كثيراً لوطنهم.
ورغم أن البيان كان واضحاً، وبدّد المعلومات المغلوطة والإشاعات التي نالت من سمعة وكرامة الفنّان الكبير وعائلته، غير أنّ ذلك ليس كافياً، بل ينبغي على العائلة مقاضاة كلّ من كان له دور في بثّ المقابلة، التي لا يمكن تصنيفها إلّا باعتبارها اعتداءً وعملاً غير لائق، وخرقاً لميثاق ومبادئ الصحافة الحرّة النزيهة، لعلّ طلّاب الشهرة على ظهور الغير يعتبرون، ويُفكّرون ألف مرّة قبل الإقدام على مثل هذه الأفعال الرخيصة، التي تنال من كرامة الناس بذريعة التعاطف والحبّ القاتل، الذي طالب محمود درويش ذات قصيدةٍ بالرحمة منه.
المحبّة كلّها والتقدير لفنان الاردن الكبير حسين دعيبس، وكلّ الأمنيات له بالشفاء والتعافي والعودة كسابق عهده إلى الساحة الفنّية، التي افتقدت حضورَه ومُنجَزَه، وتحيّة إلى العائلة الكريمة التي انتصرت لكرامة ابنها البارّ بوطنه وبأهله وبمحبيه الكُثر.

AD06A645-8A0A-4B42-9292-5FC44B5D51C6
بسمة النسور

كاتبة أردنية، تحمل الليسانس في الحقوق، صدر لها ست مجموعات قصصية، وكتبت نصين مسرحيين. تكتب في الصحافة العربية منذ 1990، وتشغل موقع رئيسة تحرير مجلة "تايكي" المتخصصة بالإبداع النسوي.