"التفصيل" الإسرائيلي في روسيا

07 مايو 2022

الرئيس الروسي بوتين ورئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينت في سوتشي (22/10/2021/Gett)

+ الخط -

فتحت تصريحات وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، بشأن "يهودية" الزعيم النازي أدولف هتلر، باب الجدال واسعاً بين موسكو وتل أبيب، لم ينتهِ إلا بإعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي، نفتالي بينت، أنه أجرى اتصالاً مع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، الذي "اعتذر عما ورد في تعليقات وزير خارجيته"، مضيفاً أنه "قبل الاعتذار وشكر بوتين على توضيح موقفه". ومع أن الكرملين لم يؤكّد خبر الاعتذار، إلا أن بيانه بشأن المحادثة تخلّلته عبارات مثل "تقدّم بوتين بالتهاني الحارة إلى بينت والشعب الإسرائيلي بمناسبة عيد الاستقلال (النكبة الفلسطينية في عام 1948)"، وأن "الزعيمين أعربا عن اهتمامهما المشترك بمواصلة تطوير علاقات الصداقة بين روسيا وإسرائيل ودعم الاتصالات بين البلدين".

ما الذي يعنيه ذلك؟ يعني أن التسويق في وسائل إعلام عديدة، خصوصاً عربية منها، بأن "يهودية" الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، تضعه في خندقٍ واحد مع الاحتلال الإسرائيلي، وبالتالي، فإن بوتين "يقاتل في حربٍ عظمى ضد إسرائيل"، لهو مستوى جديد من النفاق. ثم، غنيّ عن التعريف أن المجموعة الضيّقة لبوتين تضمّ أشخاصاً من حملة الجنسيتين الروسية والإسرائيلية، وبطبيعة الحال ينتمون إلى الدين اليهودي، وفي مقدمتهم رومان أبراموفيتش، الذي يؤدّي دوراً أساسياً في المحادثات الروسية ـ الأوكرانية.

في العقل السوفييتي، ثم الروسي، يُعدّ الإسرائيليون أقرب إلى موسكو منهم إلى واشنطن. صحيح أن واشنطن منحت إسرائيل ما لم تمنحه لأحد وما لم تحلم به الأخيرة، خصوصاً بتأمين التغطية السياسية في الأمم المتحدة لكل الجرائم الإسرائيلية بحقّ الفلسطينيين، وبالدعم المالي والعسكري المستمر منذ عام 1948، وصولاً إلى "ترسيخ السيادة الإسرائيلية" على الجولان السوري المحتل، واعتبار القدس "عاصمة أبدية لإسرائيل". الأميركي يحبّ الأضواء، ويتصرّف وفق قاعدة "انظروا إليّ"، ولذلك بات في لا وعينا الباطني أن "أميركا تعني إسرائيل".

في المقابل، ديمغرافية هذه "الإسرائيل" نابعة من المتحدرّين من أصول سوفييتية، سواء روسية أو أوكرانية بالدرجة الأولى. ولم يقم الاتحاد السوفييتي يوماً بمحاولة "إزالتها من الوجود"، بل على العكس ساهم مع الأميركيين في تثبيت صراع المعسكرين في الحرب الباردة (1947 ـ 1991)، ونشوء حروب أهلية وإقليمية على ضفافها. أساساً كان الاتحاد السوفييتي أول من اعترف بـ"دولة إسرائيل" في 17 مايو/ أيار 1948.

وبمعزل عن التعاون الروسي ـ الإسرائيلي في سورية، تحديداً صمت الكرملين عن الغارات الإسرائيلية على المواقع التابعة للإيرانيين وحلفائهم، فإن التأكيد على "استقلال إسرائيل" في بيان الكرملين الأخير لا يفترض أن يثير صدمة في الداخل الروسي، لأنه "أمر طبيعي". أما بالنسبة لنا، نحن الغارقين في الشرق الأوسط، فعلينا الوقوف لحظة والنظر جيداً إلى ما هو أبعد من حصار ماريوبول ومصنع "أزوفستال" للصلب، والاعتقاد بأن "بوتين ينوي كسر الإمبريالية الأميركية" وغيرها من العبارات الرنّانة التي ستنتهي في غياهب التاريخ.

بالنسبة إلى روسيا، إسرائيل موجودة وستبقى، وباقي الأمور خاضعة للنقاش. لافروف نفسه أيّد اتفاقات التطبيع العربية ـ الإسرائيلية، ويسعى إلى دفع النظام السوري إلى هذه الخطوة. برأي الروس، الذي يتشارك معهم فيه الأميركيون، ينهي التعجيل في توقيع اتفاقات التطبيع "ألم رأس تجاوزه الزمن". لا تريد موسكو ولا واشنطن بطبيعة الحال استمرار "أزمة الشرق الأوسط"، على اعتبار أنه لم يعد في وسع الملفات الأخرى الانتظار أو الإهمال، مثل القطب الشمالي والمحيط الهادئ والشرق الآسيوي والبلطيق والاقتصاد العالمي وحرب الفضاء. والغزو الروسي لأوكرانيا سرّع من ضرورة التركيز على هذه الملفات دون أخرى.

الآن، لا يريد بعضهم الإقرار بحقيقة أن روسيا والولايات المتحدة حليفان "طبيعيان" لإسرائيل، غير أن واشنطن تؤدي دور "الشرطي السيئ" وموسكو "الشرطي الجيّد". يصفع أحدهما شخصاً فيما يحضنه الآخر، لكنهما، في نهاية المطاف، شرطيان بخدمة المعتدي لا الضحية.

6F7A33BD-9207-4660-8AF7-0EF5E3A4CD6C
بيار عقيقي
صحافي لبناني، عمل في صحف ومجلات ودوريات ومواقع لبنانية وعربية عدّة. من فريق عمل قسم السياسة في الصحيفة الورقية لـ"العربي الجديد".