ثوّار لبنان بلا قائد... اتبعوا تغريداتهم

17 نوفمبر 2019
انطلقت الانتفاضة اللبنانية في 17 أكتوبر/تشرين الأول (حسين بيضون)
+ الخط -
"الثورة اللبنانية لا قائد لها"؛ شعار يرفعه اللبنانيون في وجه زعماء لا ينفكّون يسألون عن وصيّ على انتفاضتهم. هوية "قائد الحراك" شغلت الرئيس اللبناني ميشال عون، وأمين عام "حزب الله" حسن نصر الله، وردده المطبلون من إعلاميين وسياسيين وشخصيات عامة، مستنكرين ومستهزئين ومصرين، متعامين عن واقع يجمع سكّان لبنان وتشيلي وفرنسا والجزائر وهونغ كونغ وكتالونيا: احتجاجات بلا قيادة تعززها مواقع التواصل الاجتماعي.
الانتفاضة اللبنانية أججها إعلان الحكومة دراسة وإقرار سلسلة من الضرائب تطاول الاتصالات عبر الإنترنت في 17 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وحراك "السترات الصفراء" في فرنسا بدأ بعد إقرار زيادة على ضرائب الوقود، واحتجاجات هونغ كونغ اندلعت بعد محاولة السماح بتسليم المشتبه فيهم جنائياً إلى الصين، وحراك الجزائر انطلق احتجاجاً على إعلان عبد العزيز بوتفليقة نيته الترشح لولاية خامسة.
هذه الاحتجاجات الشعبية التي اندلعت خلال العام الماضي، في آسيا وأوروبا وأفريقيا وأميركا اللاتينية والشرق الأوسط، تتشارك خصائص بارزة: تحركات بلا قيادة ولا مرجع ولا منشورات تقليدية بعيداً عن الأحزاب، بل تنطلق على وسائل التواصل الاجتماعي، وأدواتها الهواتف الذكية، وتستوحي هتافاتها من الوسوم بدلاً من تصريحات الزعماء وشعارات صاغتها لجان مركزية.
وبالتدقيق في الانتفاضة اللبنانية، يُلاحظ نشاط المشاركين فيها على مواقع التواصل الاجتماعي، إن عبر تدشين وسوم تحدّد مطالبهم وتوجهاتهم وفضح المعتدين عليهم، وأبرزها "#كلّن_يعني_كلّن" و"#لبنان_ينتفض" و"#لبنان_يثور" و"#يسقط_حكم_المصرف" و"#نازل_أخذ_حقي" و#ثورة_لبنان" و"#بلّغ_عن_بلطجي"، أو عبر إطلاق منصات إعلامية بديلة عن الإعلام التقليدي الذي لا يحظى بثقة معظم المواطنين، لارتهانه لأيدي جماعات سياسية وبعض العائلات الثرية وجهات تحكمها المصالح السياسية المحلية أو الخارجية. وأبرز المنصات الإعلامية البديلة الجديدة: "أخبار الساحة" و"الإعلام البديل" و"هيلا هيلا هو"، فضلاً عن صفحات محلية تتابع التحركات في المناطق اللبنانية كافة، من شماله إلى جنوبه.
هذه المنصات الإعلامية البديلة أطلقها متطوعون، في محاولة للإضاءة على الانتفاضة الشعبية، بعيداً عن التعتيم الإعلامي الذي تتعرض له بين الحين والآخر. إذ تدار جماعياً، وتضم مصممين ورسامين وكتّابا ومصورين وصحافيين، بعضهم مقيمون في لبنان والبعض الآخر خارجه.
ولا يمكن إغفال دور مجموعات الدردشة على تطبيقات "واتساب" حيث بادر اللبنانيون إلى تقسيم أنفسهم حسب المسؤوليات والأهداف، إن كان لتنظيم المسيرات الشعبية أو اقتراح الهتافات أو تصوير الفيديوهات أو التدقيق في الأخبار الزائفة التي استعملها مؤيدو الأحزاب الحاكمة سلاحاً لشيطنة المتظاهرين والتضليل والترهيب وضرب الشارع.
لكن السلطات اللبنانية ليست غافلة عن تحركات اللبنانيين على مواقع التواصل الاجتماعي، بل تتسلّح بقوانين القدح والذم والتحقير في إسكات الصحافيين والناشطين، وآخرين ممن ينتقدون سياسات الحكومة والفساد. وقد عقدت منظمة "هيومن رايتس ووتش" مؤتمراً صحافياً، يوم الجمعة، أشارت فيه إلى أن الشخصيات السياسية والدينية النافذة ازداد استخدامها للقوانين الجزائية التي تجرم القدح والذم والتحقير ضد من يثير اتهامات بالفساد ويتحدث عن تدهور الوضع الاقتصادي والسياسي في البلاد، وأفادت بأن الإدانة بموجب هذه القوانين قد تؤدي إلى السجن حتى ثلاث سنوات.
وتجدر الإشارة إلى أنه في الأول من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، استدعى "مكتب الجرائم الإلكترونية"، وهو وحدة في قوى الأمن الداخلي، الصحافي في موقع "مستقبل ويب"، عامر الشيباني، لاستجواب دام ثلاث ساعات، بعد أن نشر على "تويتر" أن مصرفه لا يسلم الزبائن دولارات. "طلب" مسؤولو الأمن حذف تغريدته، وهو ما فعله.
ويكفل دستور لبنان حرية التعبير "ضمن دائرة القانون"، لكن قانون العقوبات اللبناني يجرم القدح والذم والتحقير ضد المسؤولين العموميين ويجيز الحبس حتى سنة. كما يجيز قانون العقوبات الحبس حتى سنتين لإهانة الرئيس، وحتى ثلاث سنوات لإهانة الشعائر الدينية. ويجرم قانون القضاء العسكري تحقير العلم أو الجيش ويعاقب عليها بالحبس حتى ثلاث سنوات.
ويناقش البرلمان قانون إعلام جديدا يعدّل أحكام التشهير الموجودة المتعلقة بالمحتوى المنشور. رغم أن القانون المقترح يمنع الاحتجاز قبل المحاكمة لجرائم النشر كافة والمنشورات على وسائل التواصل الاجتماعي ضمناً، فإنه لا يلغي الأحكام بالسجن للتشهير المزعوم، وفي بعض الحالات يرفع من عقوبة السجن والغرامات.
المساهمون