حرج بيروت: مساحة عامة مفتوحة للخاصة فقط

بيروت

عبد الرحمن عرابي

avata
عبد الرحمن عرابي
17 فبراير 2015
+ الخط -
تكثر لافتات التنبيه في حرج بيروت ويقلّ الزوار. ليس لأن في العاصمة اللبنانية ما يكفي من مساحات خضراء، بل لأن الدخول إلى الحرج بحاجة إلى تصريح خاص. حوّل الترخيص الذي يمنحه محافظ المدينة "الحرش"، كما يسميه أهل بيروت، إلى مساحة خاصة لهواة رياضة المشي الأجانب وبعض المصورين لأهداف صحافية أو تجارية. ويمنع المحافظ من هم دون الثلاثين من العمر من الدخول، بحسب اللافتة المرفوعة عند أحد المداخل. لكن المنع لا يطال كلّ مساحة الحرج، بل تُركت مساحة صغيرة متاحة للعامة، لا يوجد فيها الكثير من الأشجار، إذ إن أرضيتها فرشت حصى، لتسهيل استخدامها لإقامة المهرجانات، لا سيما في عيدي الفطر والأضحى.

يدخل عدد من الأطفال برفقة أمهاتهم إلى المساحة المفتوحة من الحرج، ويقفون مطولاً أمام السياج الحديدي الفاصل بينهم وبين التلال الخضراء المزينة بأشجار الصنوبر. تجذبهم أصوات ارتطام الكرة بالحصى فيعودون إلى اللعب، ويتركون الحرج لحمَلة التصريحات الخاصة.

تشير إحصاءات مبادرة "دليل لبنان الأخضر" إلى تقلص مساحة الحرج من نحو 800 ألف متر مربع عام 1967 إلى نحو 330 ألف متر مربع حالياً. تعود أسباب التقلص إلى موجة الحرائق التي ضربته خلال الحرب الأهلية اللبنانية التي امتدت من عام 1975 وحتى 1990. واستغلت الأطراف المتقاتلة موقعه "الاستراتيجي" قرب مناطق التماس بين بيروت الشرقية (ذات الأغلبية المسيحية) وبيروت الغربية (ذات الأغلبية المسلمة) للتسلل، فوقعت اشتباكات وحرقت أجزاء منه. كما أحرقت الطائرات الإسرائيلية الحرج مراراً بعد استخدامه من قبل المقاومة الفلسطينية لمهاجمة القوات الإسرائيلية التي اجتاحت بيروت عام 1982.

وبعد مرور عقدين من الزمن بقيت الممرات الرملية التي تجاور تلال الصنوبر شبه ممنوعة على الناس بقرار بلدي "لحين الانتهاء من أعمال الصيانة والتأهيل". وهي عملية يقوم بها موظفون في شركة خاصة لزّمتها البلدية أعمال الصيانة في الحرج. يعمل هؤلاء بين أشجار الصنوبر، فيزيلون الأوساخ، ومخلفات عدد من الكلاب التي تقيم في الحرج. كما تعمل سيدات سوريات من الشركة على العناية بالأشجار وتشحيلها.

يشير ناصر، وهو أحد المشرفين في الشركة، إلى "وجود عشرين موظفاً يتولون صيانة المنشآت وري المزروعات والتنظيف". ورغم وجود العمال والحرس يترك بعض الزوار الأطعمة والأكياس البلاستيكية على مقاعد الحرج، ويبدو على بعضها أنها بقيت هناك لوقت طويل.

يتألف الحرج من عدة تلال تكسوها أشجار الصنوبر، وقد استحدثت البلدية في منتصف الحرج "المدينة الخضراء"، وهي عبارة عن كوخين من القش لإقامة النشاطات الثقافية والترفيهية للأطفال. وللمفارقة تتجاور لافتة منع الدخول إلى "المدينة الخضراء" مع لافتة لوحة الافتتاح في عام 2006.

لا يقرأ السياح الأجانب اللافتات المكتوبة باللغة العربية، فيقفون داخل الأكواخ لالتقاط الصور. يجلس عجوزان في ظلال الكوخ، بينما ترفع سيدة طفلتها الصغيرة وتحدثها بالفرنسية، قبل أن يغادروا جميعاً باتجاه المساحة العشبية الواسعة للجلوس. هناك أيضاً لا يقرأون لافتة "ممنوع المشي على الغازون (الأعشاب)".

المشي حول السور

يعمد عدد كبير من المواطنين إلى ممارسة رياضة المشي على الرصيف الخارجي للحرج، بموازاة السور الحديدي الذي يحيط بالحرج للاقتراب من الأشجار قدر الإمكان، وتجاوز نتائج قرار الإغلاق. تقول سميرة، وهي إحدى السيدات اللواتي يمارسن رياضة المشي بشكل يومي خارج الحرج، إنها ترفض الاستفادة من "امتياز قرار المحافظ الذي منحه لكبار السنّ فقط، في حين يواجه الشباب في بيروت صعوبات في إيجاد متنفس صحي للهدوء". كما يكتفي أبو حسن وهو رجل ستيني بـ "استنشاق رائحة الصنوبر من خارج السور، فقد اعتدت على وجوه الأصدقاء الذين ألتقي بهم على رصيف الحرج". أما في الداخل فتختلف جنسيات المتريضين، أغلبهم فرنسيون يرتدون الملابس الرياضية ويحملون العصي الخاصة برياضة المشي لمسافات طويلة. يرفضون التقاط صور لهم، ويعبرون عن امتعاضهم لوجود الكاميرا في "المنطقة الخاصة بالمتنزهين". كما يستفيد المغتربون اللبنانيون من الحرج للتنزه. يشير زهير، وهو لبناني مقيم في الولايات المتحدة الأميركية، إلى أنه "يجب فتح الحرج للعامة، ولكن بعد تثقيف المواطنين وتدريبهم على كيفية الحفاظ على البيئة، وعدم تلويثه أو تشويهه". يشير زهير بيده إلى بعض الأشجار الجرداء خارج الحرج "انظر قد يصبح الحرج كله مثل تلك الأشجار، إذا لم نعلّم المواطنين كيفية الحفاظ عليه".

مبادرات شبابية

دفع إغلاق الحرج أمام العامة بجمعية "نحن" إلى عقد سلسلة نشاطات بهدف "إحياء الحرج كمساحة عامة متاحة للجميع". فعقدت ندوة شارك فيها نائب رئيس بلدية بيروت كشفت خلالها عن مشروع "تنظيم إدارة الحرج" الذي أقره مجلس الوزراء والبلدية. يتضمن المشروع "إنشاء ملعب لكرة القدم في الحرج بدل الملعب البلدي الموجود في منطقة الطريق الجديدة، إضافة إلى استحداث مناطق خاصة بالنشاطات الثقافية والرياضية". وجرى خلال الندوة عرض وجهات نظر متعددة لخبراء بيئيين تحدث بعضهم عن "مخاطر تهدد البيئة الحرجية نتيجة المشروع الجديد". في وقت أكد فيه خبراء آخرون أن المشروع "يطور منطقة الطريق الجديدة التي تحتاج إلى مساحة عامة يمكن توفيرها بعد هدم الملعب البلدي واستحداث مواقف للسيارات تحت الأرض. كما أن بناء ملعب جديد في منطقة الحرج سيكون على أجزاء غير مشجرة من الأرض". وأشارت الجمعية إلى ضرورة "طرح الموضوع على أبناء بيروت".
وحاول "العربي الجديد" التواصل مع محافظ بيروت لسؤاله عن سبب إقفال الحرج، إلا أنه امتنع عن الرد.

وقبل أيام غرست مبادرة "نفس جديد"، المعنية بتغطية الكلفة الاستشفائية للأطفال من خلال بيع الأشجار والأحواض الزراعية، 300 شجرة في الحرج.
دلالات
المساهمون