ارتفاع عدد قتلى اشتباكات بيروت إلى 7 وسط ترقب حذر لما بعد التشييع

بيروت
ريتا الجمّال (العربي الجديد)
ريتا الجمّال
صحافية لبنانية. مراسلة العربي الجديد في بيروت.
15 أكتوبر 2021
+ الخط -

استفاقت العاصمة اللبنانية بيروت، اليوم الجمعة، على هدوءٍ يسوده الكثير من الترقّب لما ستحمله الساعات المقبلة من تطوّرات، بعد اشتباكات دامية، ولا سيما أنّ القوى السياسية لم تتفق على "صفقة" لتحديد مصير المحقق العدلي بانفجار المرفأ القاضي طارق بيطار، في وقت يشيّع مناصرو "حزب الله" و"حركة أمل" القتلى، وسط حالة من الاستنفار والتأهب.

وأعلنت وزارة الصحة اللبنانية، في بيانٍ، اليوم الجمعة، عن ارتفاع عدد قتلى اشتباكات بيروت إلى سبعة، بعد وفاة جريحٍ متأثراً بإصاباته البالغة، وهم بغالبيتهم عناصر من "حركة أمل" و"حزب الله" الذين سقطوا أمس، الخميس، في أعنف اشتباكاتٍ تشهدها البلاد منذ سنوات، وذلك خلال تحرك ضد القاضي بيطار تنديداً بقراراته وللمطالبة بإقالته، أمام قصر العدل.

وفي وقتٍ تجرى التحضيرات لتشييع جثامين القتلى، تستمرّ الاتصالات السياسية على أعلى المستويات للوصول إلى تسويةٍ ترضي جميع الأطراف وتهدف إلى تخفيف الاحتقان في الشارع مع ارتفاع حدّة الاتهامات بين "حركة أمل" و"حزب الله" لـ"حزب القوات اللبنانية" (بزعامة سمير جعجع) بأنه يقف وراء كمين محكم نُصب للمحتجين، على يد مجموعات قناصة اعتدت عليهم مباشرة.

وبينما أثار بيان ثانٍ للجيش اللبناني، أمس الخميس، بلبلة في الأوساط واتهامه من قبل مناصري "حزب الله" و"حركة أمل" بتغيير روايته الأولى التي أكدت بشكل غير مباشر تعرض المتظاهرين لكمينٍ، أكدت مصادر في الجيش لـ"العربي الجديد"، أنّ "التحقيقات مستمرّة لمعرفة ما حصل الخميس وكيف بدأت الاشتباكات ومن هم القناصون ومطلقو النار، وهناك موقوفون يجرى الاستماع إلى اعترافاتهم وأقوالهم".

وكان الجيش اللبناني قد قال، في بيان أول له، أمس الخميس، إنه "خلال توجه محتجين الى منطقة العدلية تعرضوا لرشقات نارية في منطقة الطيونة - بدارو، وقد سارع الجيش إلى تطويق المنطقة والانتشار في أحيائها وعلى مداخلها وبدأ تسيير دوريات كما باشر البحث عن مطلقي النار لتوقيفهم"، ليعود ويقول في بيان ثانٍ له إنه "أثناء توجّه عدد من المحتجين إلى منطقة العدلية للاعتصام، حصل إشكال وتبادل لإطلاق النار في منطقة الطيونة - بدارو، ما أدى إلى مقتل عدد من المواطنين وإصابة آخرين بجروح".

وينفذ الجيش اللبناني، منذ صباح اليوم الجمعة، انتشاراً واسعاً في بيروت، وخصوصاً في ما يُعرف بخطِّ تماس منطقة الشياح - عين الرمانة الذي شهد، أمس الخميس، ما وصف بأنه "ميني حرب أهلية"، أعادت إلى اللبنانيين شبح حرب لم يفارقهم يوماً مع كثرة الأحداث الأمنية والمواجهات المتنقلة في لبنان كلّ فترة.

وزارة الدفاع اللبنانية: لن نسمح بأي تجاوزات من شأنها إحداث اضطرابات

واستعرض رئيس الجمهورية اللبناني ميشال عون مع وزير الدفاع الوطني موريس سليم، خلال استقباله له ظهر اليوم الجمعة، في قصر بعبدا، "الأوضاع الأمنية في البلاد بعد الأحداث التي وقعت، أمس الخميس، في منطقة الطيّونة، والدور الذي قام به الجيش لضبط الوضع وإعادة الأمن والاستقرار والحؤول دون تجدد مثل هذه الأحداث من خلال الإجراءات والتدابير الواجب اتخاذها تحقيقاً لهذه الغاية"، بحسب بيان للرئاسة.

كما تطرق اللقاء إلى "ضرورة الإسراع في التحقيقات الجارية لتحديد المسؤولين ومحاسبة المرتكبين والمحرضين وتوقيفهم بناء على إشارة القضاء المختص".

وأكد الوزير سليم أّن "المؤسسة العسكرية ساهرة على المحافظة على الأمن والاستقرار وسلامة المواطنين"، مشدداً على أنها "لن تسمح بأي تجاوزات من شأنها إحداث اضطرابات أو تهديد السلامة العامة".

وفي سياق متصل أيضاً، التقى عون وزير العدل هنري خوري، الذي وضعه في أجواء التحقيقات الجارية في الأحداث الدامية التي وقعت في بيروت، "وسط تأكيد على ضرورة الإسراع في إنجازها لتحديد المسؤوليات"، وفق بيان للرئاسة.

وعلم "العربي الجديد" أنّ اللقاء بين الرئيس عون ووزير العدل تطرّق إلى ملف القاضي بيطار والمخارج القانونية التي يمكن الاستعانة بها لحلّ القضية، خصوصاً بعد أحداث أمس وتمسّك "حزب الله" و"حركة أمل" بموقفهما تعطيل الحكومة، حتى استبدال المحقق العدلي.

نادي قضاة لبنان يدعو إلى "التوقف عن العبث في آخر حصن بالدولة"

من جهته، شدد نادي قضاة لبنان، في بيان له، على أنّ "القضاء قال كلمته وخلص غير مرة إلى عدم قبول طلبات ردّ المحقق العدلي في جريمة المرفأ، وعليه من له أذنان فليسمع صوت القانون جيداً وليتوقف عن العبث في آخر حصن في فكرة الدولة".

ودعا نادي قضاة لبنان إلى "تعاضد جميع القضاة في هذه الأيام العصيبة ووحدتهم حول مجلس القضاء الأعلى ورئيسه، لمنع أي محاولة لتجاوز صلاحيات السلطة القضائية وللتصدي حتماً لأي محاولة للتطاول والاستقواء عليها من خارجها ترمي في ما ترمي إليه إلى كف يد المحقق العدلي بأساليب ملتوية، إذ إنّ الأخير يبقى سيّد ملفه ما دام لم يصدر أي قرار عن المرجع المختص بردّه أو تنحيته".

رؤساء الحكومة السابقون في لبنان يجددون المطالبة بتحقيق دولي في انفجار المرفأ

كذلك، تداول رؤساء الحكومة السابقون فؤاد السنيورة وسعد الحريري وتمام سلام بالأوضاع الراهنة في البلاد بعد أحداث أمس الخميس، وكرّروا، بحسب بيان لهم، "موقفهم الثابت بالتزام احترام الحريات العامة وفي أولها حق التعبير عن الرأي والتظاهر السلمي ضمن القوانين المرعية الإجراء، وعدم التعرض لها وعدم جواز استخدام العنف بأي شكل من أشكاله وتحت أي ظرف من الظروف".

وبشأن التحقيق بانفجار مرفأ بيروت في 4 أغسطس/آب 2020، كرّروا أيضاً موقفهم من "ضرورة الاستعانة بلجنة تحقيق دولية أو عربية من أجل المسارعة إلى كشف الحقائق الكاملة عن تلك الجريمة الرهيبة بكل ملابساتها وليس الاكتفاء والتلهّي بمسائل التقصير الإداري، إذ إن اهتمام الرؤساء السابقين في هذا الشأن ينصب على تأكيد حماية السلم الأهلي في لبنان".

ودعوا مجلس النواب اللبناني إلى "المسارعة لإصدار قانون دستوري برفع الحصانات عن الجميع من أي نوع كانت ومن دون أي استثناء، بما يعني تعليق المواد الدستورية المخصصة للحصانات الرئاسية والوزارية والنيابية والقضائية والعسكرية لإحقاق العدالة الكاملة وغير الانتقائية أو المجزأة"، علماً أنّ هذا الاقتراح الذي تقدّم به الحريري اعتبره محامون مطلعون على التحقيقات أنه بمثابة مناورة احتيالية من مناورات المسؤولين السياسيين للمماطلة والتمييع وتطيير التحقيقات.

وأهاب رؤساء الحكومة السابقون برئيس الجمهورية والقضاء "احترام الدستور والتقيد الحرفي بنصوصه ومقتضياته"، وفق البيان.

وتفقّد السكان في المناطق التي شهدت الاشتباكات (الطيونة، بدارو، الشياح، عين الرمانة) في بيروت منازلهم ومحالهم التجارية التي تعرضت لأضرار مادية فادحة، لا سيما التي كانت على مقربة من خطوط الاشتباكات وطاولها القنص والقذائف والرصاص الذي لم يفرّق بين الأحياء السكنية والمواطنين داخل منازلهم والمدارس و"الجبهات".

وأقفلت جميع المحال والمؤسسات العامة والمدارس والمصارف والإدارات أبوابها اليوم، تنفيذاً للمذكرة التي أصدرها رئيس الوزراء نجيب ميقاتي بإعلان الإقفال العام حداداً على أرواح الذين سقطوا نتيجة الأحداث التي شهدتها منطقة الطيونة - بيروت ومحيطها.