الأوروغواي.. وطوق النجاة

04 مارس 2015
الأوروغواي قصة نجاح اقتصادي فريدة (فرانس برس)
+ الخط -
في السنوات القليلة الماضية، ذاع صيت جمهورية الأوروغواي، الدولة الواقعة في أميركا الجنوبية، والتي يقطنها نحو 3.5 ملايين مواطن، من خلال شخص رئيسها "خوزيه موخيكا" الذي بات يُعرف كأفقر رئيس في العالم، بسبب أسلوب حياته التقشّفي، وتبرّعه بقرابة 90% من راتبه الشهري إلى الجمعيات الخيرية والشركات الناشئة. لكن الأوروغوانيين ودّعوا "موخيكا" الذي يقود سيارة "فولكسفاغن" موديل 1987، في شهر تشرين الثاني/نوفمبر الماضي لينتخبوا خليفته. 
قبل ذلك، عانت الأوروغواي من أزمة اقتصادية خانقة مطلع الألفية الثانية، نتيجة تفشّي مرض الحمى القلاعية في قطاع لحوم البقر المصدر الرئيسي للبلاد، والانهيار السياسي والاقتصادي في الأرجنتين، ما أدّى إلى ارتفاع معدل البطالة بنحو 20%، وانخفاض الأجور، وتدهور عملتها الوطنية "البيزو"، وارتفاع نسبة الأوروغوانيين الواقعين تحت خط الفقر.
لكن للأوروغواي قصة نجاح فريدة. فمنذ سقوطها الاقتصادي في عام 2001، نجحت الدولة، من خلال حكومة منتخبة جديدة عام 2004، في تحقيق انتعاش اقتصادي واجتماعي مستدامٍ نتيجة برامج حكومية مبتكرة، خلقت وظائف على نطاق واسع، وساعدت في وضع حلول لمشكلتي الفقر والبطالة، من دون التوقّف عن سداد الديون الخارجية للأوروغواي.
بحلول عام 2005، انتقل نهج البلد من سياسة الاستجابة للأزمات إلى إرساء برامج إصلاحية تتمتّع بتوافق سياسي واجتماعي واسع النطاق، تهدف إلى تعميق الانتعاش الاقتصادي، ومعالجة الأزمة المتصاعدة المتعلقة بعدم المساواة الاجتماعية، والاستجابة للاحتياجات الاجتماعية الأساسية للسكان.
في الفترة بين 2005 و2010، نفّذت الحكومة تغييرات هيكلية دعماً لانطلاقة جديدة نحو تحقيق المزيد من الاستقرار الاقتصادي، والحدّ من التعرّض لصدمات خارجية مستقبلية، فتمّ خفض الاستدانة من الخارج، وتطوير أسواق رأس المال المحلية، وتقليص دور الدولار الأميركي في الاقتصاد المحلي.
إضافة إلى ذلك، شملت هذه السياسات إصلاحات لتعزيز الشفافية والكفاءة في إدارة وظائف الدولة، وتنويع العلاقات التجارية مع الأطراف الدولية من أجل توسيع قاعدة صادراتها.
كان الابتكار من مفاتيح استدامة اقتصاد الأوروغواي والوسيلة الأنجح لتسوية الأزمة وبلوغ شطّ الأمان، فدعمت الدولة مشاريع مبتكرة، مثل برنامجها الرائد "كمبيوتر محمول لكل طفل" لجميع طلاب المدارس الابتدائية في أوروغواي، وعزّزت المشاركة والاندماج الاجتماعي من خلال تنفيذ برنامج اجتماعي للطوارئ، سعى إلى مساعدة من هم دون خط الفقر المدقع، ما أدّى إلى تراجع معدل الفقر من 32% في عام 2003 إلى 18% في عام 2009، وتراجع الفقر المدقع من 3٪ إلى 1.5٪ خلال نفس الفترة.
وعلى الجانب المالي، ساهمت السياسات المالية الحصيفة في تخفيض كبير في مستوى المديونية، فانخفض صافي الدين من 79٪ كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2005، إلى 60٪ في عام 2009. ففي حين نما الاقتصاد بشكل غير مسبوق في الفترة بين 2004 - 2008 وبواقع 7٪ في المتوسط، كان النمو الاقتصادي بواقع 3% عام 2009 واحداً من أعلى معدلات النمو بين الدول الناشئة.
وبعد أن تعرّض قطاع الثروة الحيوانية الحيوي في الأوروغواي لضربة قوية بسبب تفشّي مرض الحمى القلاعية في قطاع لحوم البقر، كان لبرنامج الحكومة دور فعّال في القضاء على المرض، من خلال إدخال نظام تتبُّع يراقب حركة جميع الماشية في البلاد، ما كان له الأثر في تعزيز صورة أوروغواي، باعتبارها مصدراً موثوقاً به في إنتاج لحوم البقر وتصديرها إلى الخارج. واليوم، فإن أوروغواي هو البلد الوحيد في العالم الذي يحقّق نسبة تتبُّع لماشيته تصل إلى 100٪.
أثمرت الإصلاحات الاقتصادية الخلّاقة التي قامت بها الدولة خلال العقد الماضي، في استقرار الاقتصاد الوطني لأوروغواي إلى حد كبير، بعد أن أدركت بأن النمو الاقتصادي القوي أمر ضروري لخلق فرص عمل جديدة، وزيادة الدخل القومي. واليوم، فإن الأوروغواي واحدة من أكثر بلدان أميركا الجنوبية نمواً من الناحية الاقتصادية، إذ إن الناتج المحلي الإجمالي للفرد مرتفع، ونوعية الحياة في المرتبة 48 عالمياً.
ووفقاً لمنظمة الشفافية الدولية، تُصنّف الأوروغواي على أنها البلد الأقل فساداً في أميركا اللاتينية مع تشيلي، حيث ظروفها السياسية وظروف العمل من بين الأكثر حرية في القارة.

إقرأ أيضاً: "فيسبوك" و"لينكد إن" في عالم الأعمال 
المساهمون