تمكن رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، خلال عام واحد من جر إسرائيل إلى انتخابات عامة مرتين، من دون أن يتمكن المعسكر المناهض له بقيادة الجنرال بني غانتس من التغلب عليه. في المقابل، ومنذ انسلخ زعيم "يسرائيل بيتينو" أفيغدور ليبرمان عن معسكر اليمين الذي يقوده نتنياهو، ورفض، في 29 مايو/أيار الماضي، الانضمام إلى ائتلاف ضيق برئاسة نتنياهو، وجر إسرائيل إلى معركة ثانية في العام نفسه، فقد فشل نتنياهو بدوره بتشكيل حكومته الخامسة، مرتين متتاليتين، ليشكل هذا الفشل عنواناً لخصمه الداخلي في "الليكود" غدعون ساعر، وراية يلوح بها ساعر في وجه نتنياهو، ولكن بالأساس أمام أعضاء "الليكود"، كسبب مُقنع لتخليهم عن نتنياهو ودعمه في الانتخابات التمهيدية داخل الحزب، باعتباره من يمكنه في نهاية المطاف ضمان بقاء "الليكود" في الحكم.
ومع أن الذهاب لانتخابات ثالثة كان خيار نتنياهو الرئيسي، بعد انتخابات سبتمبر/أيلول الأخيرة، إلا أن نتنياهو يصل إلى هذه المعركة مثخناً بالجراح، وفي وضع من شأنه أن يؤدي إلى تغييبه عن المشهد الإسرائيلي العام، في حال تمكن ساعر من الإطاحة به من رئاسة "الليكود"، ليفتح الآفاق أمام حل للأزمة السياسية التي تعيشها إسرائيل منذ عام، وسببها الوحيد سعي نتنياهو للتهرب من القضاء، ومحاولة الوصول إلى ائتلاف حاكم يضمن له تشريع قانون يمنحه حصانة مطلقة من قضايا الفساد التي تلاحقه ولائحة الاتهام الرسمية ضده.
وفي هذا السياق، كان لافتاً اتجاه المحلل الحزبي في صحيفة "هآرتس" يوسي فيرتير إلى تجنب الحذر، خلافاً لعادته، والقول في عنوان رئيسي له، أمس الجمعة، "ليس شخصاً لا يمكن هزمه" في إشارة إلى نتنياهو، مضيفاً أنه لم يعد "الملك بيبي" كما توجته تحت هذا العنوان مجلة "تايمز" الأميركية من العام 2012. وأشار فيرتير في تحليله إلى أن نتنياهو "لم يعد الملك، فهو ضعيف أكثر من أي وقت مضى بعد أن نصبت الحواجز أمام مسارات فراره من وجه القضاء. وبعد أن اعتدنا لسنوات القول إن الانتصار هو الأمر الوحيد الممكن أمامه، يمكن القول الآن، بعد معركتي انتخابات متتاليتين، إنه لم يعد رجلا لا يهزم".
لكن إذا كان فيرتير يتحدث عن جبهة نتنياهو الخارجية، أمام خصمه من تحالف "كاحول لفان" الجنرال بني غانتس، فإن محلل الشؤون الحزبية في القناة 12 وصحيفة "يديعوت أحرونوت" عميت سيغل، (الذي يدرك بفعل نشأته في مستوطنة عوفرا وفي قلب نخب المستوطنين في الضفة الغربية المحتلة، بالنظر إلى كونه نجل أحد قادة التنظيم الإرهابي اليهودي في الضفة الغربية المحتلة، حجاي سيغل، ومُطلع بشكل كبير على الأجواء والروح السائدة لدى جمهور المستوطنين)، رصد في مقاله الأسبوعي في الصحيفة تغييراً في موقف جمهور المستوطنين المنتسبين لحزب "الليكود" ضد نتنياهو ولصالح خصمه داخل الحزب، غدعون ساعر، وميل جمهور التيار الديني الصهيوني بشكل أكبر إلى تفضيل ساعر.
هذا التركيز على حالة نتنياهو والمنافسة الداخلية في "الليكود" وموقف جمهور المستوطنين، من قبل سيغل، وتخلي فيرتير عن حذره في سياق القول إن نتنياهو لم يعد الشخص الذي لا يمكن هزمه، يعكس أيضاً ما يبدو أنه شعور عام بتراجع فرص نتنياهو في معركته الانتخابية المقبلة، وبالأساس داخل "الليكود"، بفعل شعار ساعر بأن نتنياهو لا يستطيع تشكيل حكومة جديدة، بعد أن فشل ثلاث مرات. ويترك هذا الأمر أنصار "الليكود" أمام معضلة، الوفاء لنتنياهو والتصويت له من جديد في المنافسة الداخلية ثم انتظار الانتخابات العامة في مارس/آذار المقبل والعودة من جديد لدوامة انتخابات رابعة، في حال ثبتت صحة الاستطلاعات الإسرائيلية، التي تتوقع أن الانتخابات لن تفرز تغييراً في موازين القوى داخل الخريطة الحزبية في إسرائيل.
إشارة سيغل إلى توجهات المستوطنين من أعضاء حزب "الليكود"، يمكن لها أن تكون ذات أثر كبير، خصوصاً مع الضربة التي وجهها ليبرمان إلى نتنياهو، أول من أمس الخميس، عندما طرح، للمرة الأولى، موقفاً حزبياً من فكرة منح العفو لنتنياهو مقابل اعتزاله العمل السياسي كلياً. وهي فكرة شكّل مجرد طرحها كسراً عملياً أيضاً، داخل اليمين الإسرائيلي، لهيبة نتنياهو، باعتبارها تقطع الطريق أمام إجراء القضاء، وتفترض من مجرد طرحها، حكماً قضائياً سوداوياً بإدانة نتنياهو بالتهم الموجهة له، خصوصاً أن الفكرة طرحت بموازاة إعلان ليبرمان الرفض المطلق لفكرة منح نتنياهو حصانة برلمانية.
ومع أن فكرة ليبرمان هذه ليست بجديدة، فقد سبق وأن عرضها على نتنياهو أيضاً محاميه يعقوف نئمان. إلا أن طرحها من قبل زعيم حزب سياسي، وإعلان غانتس أنه يمكن تداول الفكرة في حال نضجت الظروف، يشير إلى أن تعامل الحلبة الحزبية في إسرائيل مع نتنياهو بات باعتباره "بطة عرجاء" يمكن توجيه الضربات لها، من دون خشية رد فعلها. لكن نتنياهو يبدي في المرحلة الحالية تصميماً على خوض معركته الأخيرة، على ما يبدو، بشراسة كبيرة، عبر مزيد من التحريض، في المرحلة الأولى ضد خصمه الداخلي ساعر، من خلال استنفار القواعد العريضة لـ"الليكود"، وبالأساس عبر سلسلة اجتماعات يعقدها أخيراً مع رؤساء فروع الحزب، بالتوازي مع مواصلة التحريض ضد وسائل الإعلام التي يتهمها نتنياهو بأنها منحازة لليسار، وضد النيابة العامة والشرطة والقضاء في محاولة للإبقاء على قواعد المؤيدين له داخل "الليكود" أولاً في مواجهة ساعر، واستنفار اليمين الإسرائيلي ككل، في مرحلة ما بعد الانتخابات التمهيدية في 26 ديسمبر/كانون الأول الحالي، أملاً برفع نسبة التصويت أكثر، بما يحقق لليمين الإسرائيلي، في حال تدنت نسبة التصويت في صفوف مصوتي الأحزاب المناهضة لنتنياهو، تفوقاً في عدد المقاعد، إذا تحققت الاستطلاعات التي تشير إلى احتمال عدم تمكن حزب "العمل" أو حركة "مرتس" المتحالفة مع إيهود براك، من اجتياز نسبة الحسم، وبالتالي خسارة المعسكر المناهض لنتنياهو 4 مقاعد على الأقل.
ثمانون يوماً، وللدقة 79 يوماً، تفصل عن الانتخابات الثالثة في إسرائيل. لكن الموعد الأكثر حسماً لها هو 26 ديسمبر، وما ستتمخض عنه الانتخابات الداخلية في "الليكود"، وهل سيتمكن ساعر من استمالة وزراء ونواب من كتلة الحزب وإعلانهم نقل تأييدهم الفعلي والعلني لصالح ساعر، من دون الخوف من أن يؤدي هذا إلى ضرب فرص انتخابهم هم أيضاً في مواقع متقدمة على لائحة "الليكود"؟ ومع أن نتنياهو يتمتع بتأييد القواعد الشعبية، إلا أن عميت سيغل أشار أيضاً، إلى جانب التغيير الذي يلمسه في موقف أعضاء "الليكود" من بين المستوطنين، إلا أن وقوف رئيس مركز "الليكود" حاييم كاتس إلى جانب ساعر، مع ما يملكه الأول من نفوذ وتأثير لدى مئات وآلاف الأعضاء في لجان العمال، وخصوصاً مستخدمي الصناعات الجوية، قد يزيد من فرص انتخاب ساعر مرشحاً باسم الحزب، وبدء نهاية عهد نتنياهو.