الاحتلال يستغل أجواء المصالحة لفرض قواعد جديدة بدعم مصري

01 نوفمبر 2017
خلال تشييع الشهداء الذين قضوا بقصف النفق(محمد عبد/فرانس برس)
+ الخط -
لم تخف وسائل الإعلام الإسرائيلية، أمس الثلاثاء، حقيقة أن النفق الذي قصفه الاحتلال الإسرائيلي، وكان من حفر حركة الجهاد الإسلامي، لم يكن يشكل خطراً داهماً على إسرائيل، أولاً، ولا أن الاستعدادات للعملية بدأت منذ الأسبوع الماضي، بما يعني أن القصف الإسرائيلي الذي أوقع 8 شهداء من صفوف الجهاد الإسلامي وحركة حماس، كان عملية خطط لها جيداً، مع إجراء عملية ربح وخسارة، وتوقع للردود المتوقعة من الطرف الفلسطيني، مع ذلك صادق كل من المستوى الأمني والعسكري على القصف، مع اختيار توقيت يحمل في طياته، رهاناً إسرائيلياً واضحاً على نسف المصالحة الفلسطينية، بعد شهر من إعلانها.

ويبدو أن حلول موعد تسلم السلطة الفلسطينية للمسؤولية عن المعابر البرية، قد خيب توقعات إسرائيلية سابقة بشأن فشل إعلان المصالحة الفلسطينية وهو ما قد يكون العامل الأساسي وراء اختيار هذا التوقيت، خاصة لأن كل تأخير في رد إسرائيلي من شأنه أن يعزز أجواء المصالحة بما يصعب على أي من الطرفين الرئيسيين في الاتفاق، وهما حماس وفتح، التراجع عنها حتى مع التصريحات التي نقلها نواب إسرائيليون التقوا الرئيس محمود عباس قبل يومين ونقلوا قوله إن السلطة لن تتهاون في تكريس معادلة سلاح واحد.



وعليه، فإن المسارعة الإسرائيلية إلى قصف نفق، أقرت الصحف نقلاً عن مصادر عسكرية أنه ليس فاعلاً بعد، أي ليس جاهزاً ولا فتحة له في الجانب الإسرائيلي، يرجّح ميل حكومة الاحتلال إلى استغلال أجواء المصالحة لتكريس قواعد جديدة في قطاع غزة، وإجراء عملية فرز بين من تشمله المصالحة، وبالتالي قد يكون محصناً ولو من باب عدم رغبة إسرائيل حالياً في إفشال مساعي النظام المصري لتثبيت نفوذه في القطاع، وتأثيره على حماس تحديداً وتقريبها من النظام المصري لإبعادها عن قطر وإيران، وبين من لا تشمله المصالحة الفلسطينية. وهو ما يفسر تعويل الاحتلال، مباشرة بعد تنفيذ القصف، على التحرك المصري  لنقل الرسالة الإسرائيلية للأطراف الفلسطينية في القطاع خصوصاً حركة حماس بأن الاحتلال غير معني بالتصعيد العسكري.

وإذا كانت الفصائل الفلسطينية تبدي في المرحلة الحالية ضبطاً للنفس لضمان تنفيذ مشروع المصالحة الفلسطينية وإنقاذ غزة من كارثة إنسانية مقبلة، فقد أكدت الصحف الإسرائيلية أمس أن الاحتلال لا يستبعد في نهاية المطاف أن تقوم حركة الجهاد الإسلامي منفردة برد على العملية، خصوصاً أن الجهاد لم تكن طرفاً في اتفاقية المصالحة.

ويعكس إبراز النقطة الأخيرة، على ما يبدو توجهاً عند حكومة الاحتلال، يقضي بالتسليم (بفعل التحالف مع مصر، وعلى أثر تصريحات أميركية مؤيدة للمصالحة الفلسطينية) بمساعي المصالحة رغم موقف إسرائيل الرافض لها. إلا أن ذلك لم يمنع حكومة الاحتلال من استعراض شروطها على هذه المصالحة والمطالبة أولاً بنزع سلاح حركة حماس، لكن الموقف يبدو مختلفاً في كل ما يتعلق بحركة الجهاد الإسلامي. ويفسّر هذا الأمر تركيز وسائل الإعلام الإسرائيلية أمس، وبشكل لافت، على أن الجهاد الإسلامي تحصل على تمويل من إيران، وبالتالي فإن ضرب نفق للجهاد وقصفه في الجزء الذي يجتاز قطاع غزة إلى داخل حدود 48، هو أمر لا يشكل تصعيداً عسكرياً أو كسراً لقواعد اللعبة التي سادت بعد العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة عام 2014.

ويحاول الاحتلال الإسرائيلي، من خلال عملية أول من أمس، تحقيق أهداف عدة، وتوجيه رسائل جديدة خاصة لحركة حماس والسلطة الفلسطينية. فعلى صعيد الأهداف من الواضح أن الاحتلال يحاول فرز حركة الجهاد الإسلامي وتكريسها من الآن فصاعداً العامل الأشد تهديداً لإسرائيل في القطاع، ومع ربطها بشكل أبرز مع إيران، فإن العملية تحمل رسالة استهدافها من الآن فصاعداً. 

أما بالنسبة لحركة حماس، فقد كرر الاحتلال أمس وأول من أمس مقولة تحميل الحركة المسؤولية عن كل ما يصدر من القطاع باتجاه إسرائيل، كمقدمة للعودة إلى طرح موضوع نزع سلاح الحركة كشرط لإسقاط أي اعتراض إسرائيلي على ضم الحركة أو ممثلين عنها في حكومة الوحدة الفلسطينية.

ولعل تأكيد الاحتلال في رسائله العلنية ومحاولة ادعائه بأنه لم يقصد المسّ بنشطاء الجهاد الإسلامي وحماس الذين كانوا في النفق، وأن العملية لا تشكل كسراً للقواعد التي تم تثبيتها ميدانياً على الأرض منذ عدوان 2014 هو دليل على أن للعملية أهدافاً سياسية واستراتيجية تتعدى مسألة قصف نفق لم يستكمل بناؤه، فهي تحمل أيضاً نوعاً من الحرب النفسية لجهة القول إن الاحتلال بات يملك اليوم قدرات تكنولوجية تمكنه من رصد واكتشاف الأنفاق الهجومية الجديدة التي يتم بناؤها، وبالتالي لن يتردد في قصفها، مقابل عدم تحركه لضرب أي من سلسلة الأنفاق التي يقر الاحتلال نفسه ويصفها بأنها دفاعية داخل تخوم غزة.

ويقود هذا بالضرورة، وفق رهانات الاحتلال، إلى زرع ألغام جديدة ليس فقط على صعيد إتمام المصالحة بين حماس وحركة فتح وعودة السلطة الفلسطينية، وإنما في ضرب الروح المعنوية للمقاومة وجهدها في حفر أنفاق جديدة واستعدادها للمواجهة المقبلة، بما يعكس بعضاً من جهد الاحتلال فيما يسميه الاحتلال بـ"المعركة بين الحروب".

إلى ذلك يتوخى الاحتلال، من وراء العملية وتكثيف الجهد المصري لكبح المقاومة ومنعها من الرد، ضرب العلاقات المتبادلة والتنسيق القائم بين حماس والجهاد الإسلامي لجهة خلق توتر بالعلاقة بين الفصيلين ودق الأسافين بينهما كمرحلة أولى ومن ثم استغلال ذلك أيضاً ضد السلطة الفلسطينية واتهامها، لاحقاً، بعدم قدرتها على بسط سيطرتها وحكمها في قطاع غزة.

وفي حال تمكن الاحتلال، مستعينا بالموقف المصري المساند له في مسألة فرز حركة الجهاد الإسلامي خارج إطار المصالحة بفعل ارتباط الأخيرة بإيران، فإن المرحلة المقبلة ستشهد تركيزاً إسرائيلياً على محاصرة الجهاد الإسلامي والمطالبة بنزع سلاحها وقطع أي اتصال أو علاقة لها مع إيران، مقابل إبداء مرونة في التعامل مع انخراط "حماس" في حكومة وحدة فلسطينية جديدة.