"ما قلتلك (ألم أقل لك) إنه حنسقطها بالشارع"، بهذه العبارة صرخت إحدى الشابات بينما كانت ترفع شارة النصر في وجه محتج كان يرافقها خلال وجودهما بالقرب من أحد مداخل مجلس النواب اللبناني، أمس الثلاثاء، بعد وصول خبر عاجل على هاتفها يفيد بتأجيل جلسة البرلمان إلى وقت لاحق لم يحدد، وذلك بعدما نجح المحتجون الذين حاصروا جميع مداخل البرلمان في منع انعقادها لغياب النصاب القانوني. وسبق أن أكد المحتجون أنهم لن يسمحوا بعقد الجلسة التشريعية التي أدرج على جدول أعمالها قانون العفو العام، الذي سجلت ملاحظات عدة عليه، تحديداً لجهة شموله جرائم استغلال النفوذ والوظيفة والإهمال وتبديد الأموال العامة، وهو ما يرى فيه المحتجون محاولة من الطبقة الحاكمة لحماية نفسها من أي محاسبة قانونية على جرائمها. مع العلم أن رئيس مجلس النواب نبيه بري كان قد اضطر إلى تأجيل الجلسة التي كانت مقررة في 12 نوفمبر/ تشرين الثاني إلى يوم أمس وذلك لـ"دواع أمنية" بعد دعوة مماثلة أطلقها المحتجون لقطع جميع الطرق المؤدية إلى البرلمان لمنع انعقادها. وأسقط المحتجون، الذين كانوا بالآلاف أمس، رهان السلطة على إمكانية عقد جلسة رغم الرفض الشعبي.
ولم تفلح هذه الإجراءات في تأمين وصول إلا قلة محدودة من النواب إلى المجلس، فيما فشلت محاولات أخرى بعدما تصدى المحتجون لسيارات المسؤولين بأجسادهم. وحتى عندما حاول أحد المواكب المرور عبر إطلاق النار ودهس المحتجين، اضطر للتراجع سريعاً فيما خرج أكثر من نائب ليتبرأ من وجوده في الموكب. كما اختارت كتل نيابية إلى جانب نواب مستقلين مقاطعة الجلسة البرلمانية وعدم الحضور منعاً لأي تصادم مع المحتجين.
وبينما كانت تتوالى أخبار تعثر وصول النواب، كانت الحماسة تزداد بين المحتجين، حيث علت أصوات قرقعة الأواني والألواح الحديدية، من دون أن يمنع ذلك حدوث بعض المناوشات مع القوى الأمنية المنتشرة عند السراي أو بمحيط مداخل مجلس النواب، لكن هتاف "سلمية... سلمية… ثورتنا سلمية"، والذي كانت تردده مجموعة من النساء وقفت لتفصل بين القوى الأمنية والمحتجين كان كفيلاً في كل مرة بإعادة الهدوء. ومع اقتراب الساعة الـ11 صباحاً بتوقيت بيروت بدأت تتسرب أنباء عن توجه رئيس مجلس النواب نبيه بري إلى إلغاء الجلسة لعدم اكتمال النصاب قبل أن يُعلن رسمياً الخبر في حدود الساعة الـ11 وربع، ما أشعل الأجواء والهتافات والنقاشات حول ما جرى والخطوة المقبلة.
أحد المحتجين، الذي كان يقف في ساحة الشهداء قرب مدخل مبنى النهار الذي أغلق بالأسلاك الشائكة من قبل القوى الأمنية لمنع اقتراب المحتجين من مقرّ المجلس، يقول لـ"العربي الجديد": "الشارع لنا وسيبقى لنا. في كل مرة يظنون أن لديهم القدرة على خداعنا والاستهتار بمطالب ثورتنا، يأتيهم الرد سريعاً. جلسة مجلس النواب سقطت كما وعدنا، وأي جلسة أخرى يخططون لعقدها سنسقطها ومطالبنا ستتحقق".
هذا التفاؤل يقابل بحذر في أوساط محتجين آخرين. وفي السياق، يقول محتج آخر، في حديث مع "العربي الجديد"، إنّ إرجاء الجلسة ليس انتصاراً، فالانتصار الحقيقي هو عند سقوط العهد، واصفاً تأجيل الجلسة النيابية بـ"لعبة علينا". ويضيف "سقوطهم بات وشيكاً". بدورها، تقول إحدى المتظاهرات، بينما كانت تجلس على الأرض برفقة مجموعة من أصدقائها للاستراحة بعدما حضروا منذ الصباح الباكر للمشاركة في تطويق مقر البرلمان، إنّ تأجيل الجلسة أمر متوقع في ظلّ ضغط الشارع، لأنّ الشعب لم يكن ليهدأ لو لم تؤجَّل، محذرة في الوقت نفسه من إمكانية عقد جلسة من دون الإعلان عنها، لأنهم عندها سيشعلون غضباً دفيناً لدى الشعب اللبناني، على حدّ قولها. وشدّدت في حديث إلى "العربي الجديد"، على ضرورة تشكيل الحكومة ثمّ الانصراف إلى التشريع. وتضيف "لن نحقّق أي انتصار عملي إذا لم تتم تسمية رئيس حكومة وتشكيل حكومة حيادية مصغرة من اختصاصيين"، مضيفة: "مطلبنا واضح ولا حاجة للتفاوض".
أما الرئيس اللبناني ميشال عون، فأبلغ المنسق الخاص للأمم المتحدة في لبنان يان كوبيتش، خلال استقباله في قصر بعبدا، بأنه "يواصل جهوده واتصالاته لتشكيل حكومة جديدة يتوافر لها الغطاء السياسي اللازم وتضم ممثلين عن مختلف المكونات السياسية في البلاد ووزراء تكنوقراط من ذوي الاختصاص والكفاءة والسمعة الطيبة، إضافة إلى ممثلين عن "الحراك الشعبي"، في وقت يصر المحتجون على أنه لا يوجد من يحق له تمثيلهم أو الحديث باسمهم.
وحاول عون تبرير إصراره على الاتفاق على اسم رئيس الحكومة وصيغتها قبل تحديد موعد الاستشارات النيابية الملزمة، قائلاً إنه "سوف يحدد موعداً للاستشارات النيابية الملزمة فور انتهاء المشاورات التي يجريها مع القيادات السياسية المعنية بتشكيل الحكومة، والتي تهدف إلى إزالة العقبات أمام هذا التشكيل وتسهيل مهمة الرئيس المكلف منعاً لحصول فراغ حكومي في البلاد".