لبنان: إنذار أميركي مبكر يحاصر حكومة الحريري الثالثة

بيروت

محمد شبارو

avata
محمد شبارو
02 فبراير 2019
AF5603DF-4F23-411B-856F-684B33C025A4
+ الخط -
بين 24 مايو/ أيار 2018، موعد تكليف رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري تشكيل الحكومة عقب انتهاء المشاورات النيابية، و31 يناير/ كانون الثاني 2019، موعد تشكيل الحكومة، راقب اللبنانيون على مدى 9 أشهر المناكفات السياسية والخلافات حول حجم الحكومة وتوزيع المقاعد والحصص فيها، وعدم الاكتراث السياسي بتداعيات التأخير على الوضعين السياسي والاقتصادي. أما اليوم وبعد تجاوز هذه العقد وترقب أولى جلسات صياغة البيان الوزاري (برنامج الحكومة)، تمهيداً لعرضه على مجلس النواب لمنح الثقة للحكومة، فإن المهمة الأصعب التي تنتظر حكومة الحريري الثالثة، التي تجمع كل تناقضات السياسة اللبنانية، تتمثل في كيفية تدوير الزوايا لإدارة التحديات التي تواجهها على الصعيدين الداخلي والخارجي. وبينما تحضر الملفات الاقتصادية وإطلاق ورشة الإصلاحات التي أقرت في مؤتمر "سيدر" بقوة في ظل حالة الاهتراء التي تعاني منها الدولة والتي تتكشف فصولها على نحو أسوأ بين الحين والآخر، إلا أن التحدي الأكثر خطورة وحساسية يرتبط بالقضايا السياسية، خصوصاً بعد تمكن معسكر "حزب الله" من تحقيق الغلبة داخل الحكومة أخذاً بعين الاعتبار دقة المرحلة على الصعيدين الإقليمي والدولي نتيجة المواجهة الأميركية – الإيرانية المفتوحة، والتي تؤكد إدارة دونالد ترامب تمسكها بخيار العقوبات لمواجهة نفوذ إيران وأتباعها، ومن بينهم "حزب الله". وتعززت هذه المخاوف بعدما لم تتأخر الولايات المتحدة في إيصال رسالة عبر مساعد وزير الخزانة الأميركية لشؤون تمويل الإرهاب، مارشال بيلينغسلي، الموجود في لبنان، إلى حزب الله، محذّراً من "استغلال تولي وزارة الصحة لتحويل الأموال". وأكد أن "سياسة الولايات المتحدة الهادفة إلى مكافحة تمويل حزب الله وتجفيف مصادره، مستمرة". وأعقب ذلك إعراب المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، روبرت بلادينو، عن "القلق لكون حزب الله، الذي تصنفه الولايات المتحدة منظمة إرهابية أجنبية، سوف يستمر في تولي مناصب وزارية وقد أجيز له بتسمية وزير الصحة العامة". وأضاف "إننا ندعو الحكومة الجديدة إلى ضمان أن لا توفر موارد هذه الوزارات وخدماتها دعما لحزب الله"، مشيراً إلى أن وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو يتطلع إلى زيارة لبنان.

ومن أبرز الملفات المرتقبة هو اقتراب موعد مؤتمر وارسو في بولندا، الذي دعت إليه الولايات المتحدة، يومي 13 و14 فبراير/ شباط الحالي، والذي يعقد بحضور عدد من وزراء خارجية الدول العربية والأوروبية، فضلاً عن الإسرائيليين، لمناقشة ملفات منطقة الشرق الأوسط، وتحديداً التعامل مع إيران. وسيكون على الحكومة اللبنانية التعامل جدياً مع ما سيصدر عنه.

في هذا السياق، لفتت مصادر لـ"العربي الجديد" إلى أن "هذا التحدي قد لا يكون ملقى على عاتق الحكومة اللبنانية، بقدر ما هو ملقى على عاتق حزب الله نفسه، الذي سيكون عليه التعامل مع الحرب الأميركية المفتوحة عليه حصراً، إضافة إلى الملف المتعلق بإسرائيل وتهديداتها المتكررة للبنان ولحزب الله، خصوصاً بعد استتباب الوضع في سورية، على الرغم من أن السياسة الإسرائيلية تتبع منذ سنوات صيغة واضحة في عدم الفصل بين لبنان وحزب الله، في تمايز واضح عن السياسة الأميركية. لكن أمام الدبلوماسية اللبنانية تحدٍّ جدّي في هذا السياق، مع اقتراب موعد الانتخابات الإسرائيلية (9 إبريل/ نيسان المقبل) التي قد تشهد تصعيداً على خلفية محاولات استمالة الشارع الإسرائيلي".

وعطفاً على ذلك أيضاً لا يمكن إغفال أن الأموال المنتظرة أيضاً من مؤتمر "سيدر" (عقد في فرنسا في إبريل/ نيسان 2018) مرتبطة بشروط أخرى سياسية، منها تعهدات لبنان الدولية، والقرارات ذات الصلة، وخصوصاً القرار رقم 1701 والقرار رقم 1559، وإن كان الأول لا يزال يكرر لبنان دوماً التزامه به، إلا أن الثاني كان واضحاً في "الدعوة إلى حل جميع المليشيات اللبنانية ونزع سلاحها"، و"تأييد بسط سيطرة حكومة لبنان على جميع الأراضي اللبنانية"، كما جاء في نصّ القرار.

وذكرت مصادر مطّلعة لـ"العربي الجديد" أن "رئيس الجمهورية ميشال عون سيطلق بعد جلسة الثقة، واستتباب الوضع الحكومي، مشاورات في محاولة لإعادة إحياء طاولة الحوار، التي عقدت مراراً في السابق برعاية رئيس الجمهورية السابق ميشال سليمان، لعودة البحث في الاستراتيجية الدفاعية، التي أشار أيضاً إليها الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله في مقابلته الأخيرة، ما عُدّ رسالة إيجابية للداخل والخارج اللبناني، على الرغم من عدم توقع أن تخرج هذه الطاولة باستراتيجية واضحة تجرد الحزب من سلاحه".



علاقات لبنان الدولية والعربية
وفي الشق الدبلوماسي أيضاً تحدثت مصادر عن "ضرورة إحياء الدبلوماسية اللبنانية، خصوصاً أن إنقاذ البلد لا يمكن من دون شبكة حماية عربية ودولية تمهد لإعادة الثقة وعودة الاستثمارات، وتحديداً العربية منها، وهذا مرتبط أيضاً بالأدوار التي يؤديها حزب الله في المنطقة وإنتاج سياسة واضحة، لا تشبه سياسة النأي بالنفس التي لم يلتزم بها الحزب".

وينتظر لبنان في الأيام المقبلة وتحديداً في منتصف الشهر الحالي زيارة معدة سلفاً للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، تؤكد المصادر أنها ستتم في موعدها، خصوصاً أن إلغاءها كان مرتبطاً بعدم تأليف الحكومة. ولعل الدور الفرنسي هو تحديداً ما يعول عليه الحريري لعودة لبنان إلى الساحة الدولية، خصوصاً أنها شكّلت حماية للبنان في الآونة الأخيرة، وتحديداً على خلفية ما يتردد من وساطات فرنسية بين لبنان وإسرائيل ودعوتها الإسرائيليين إلى عدم توجيه ضربة عسكرية إلى لبنان، كما أشارت صحيفة "معاريف" قبل أيام، فضلاً عن استمرار الدعم العسكري للبنان والتمسك بالشرعية، وهو الموقف الذي يتقاطع مع موقف الإدارة الأميركية.

العلاقة مع سورية
عند الحديث عن التحديات أمام الحكومة اللبنانية، يحضر أولاً ملف العلاقات اللبنانية ــ السورية، وسط شبه إجماع على أن عودة النظام السوري إلى جامعة الدول العربية والانفتاح اللبناني الرسمي والعلني عليه مسألة وقت. وبعيداً عن "الإخراج" الذي سيرسو عليه البيان الوزاري، وإن كان سيتطرق إلى هذا الموضوع السوري، إلا أن الطبقة السياسية باتت متوافقة على إبقاء الملف في عهدة رئاسة الجمهورية، تجنباً لأي حرج في المرحلة الحالية للحريري أمام المجتمع العربي والدولي، وكذلك لاحقاً أمام قواعده الشعبية. وهو أيضاً ما يفسر تسليم وزارة الدولة لشؤون النازحين إلى "التيار الوطني الحر"، وتحديداً إلى صالح الغريب، بعد أن شغلها في الحكومة الحالية معين المرعبي المحسوب على تيار "المستقبل"، وكان يعتبر من المعارضين للنظام السوري.

لكن في المقابل لا تنفي المصادر أن الحريري، وإن كان يرفض اليوم الانفتاح على سورية، إلا أنه في المقابل يضع أوراقه في الكرملين، مع استباقه الإعلان عن الحكومة بإشادات بالخطة الروسية لعودة اللاجئين، على الرغم من الاعتراض الأميركي والدولي عليها وربطها بالحال السياسي. وهو ما يحذّر البعض منه بوصفه سيؤدي إلى حشر لبنان في الخانة الروسية السياسية، وسيؤدي إلى نبذه دولياً وعربياً، وسط دعوات إلى العودة إلى سياسة النأي بالنفس هذه المرة بين الروسي والأميركي.

وعلى الرغم من هذه المخاطر إلا أن البعض يرى أن الجميع في لبنان بات يتسابق للفوز بحصّة في إعادة إعمار سورية، وربما لهذا يبدو مفهوماً للبعض موقف الحريري، على الرغم من أن إعادة إعمار سورية مرتبطة، وفق الأميركي والعرب، بالحل السياسي، على قاعدة أن "الروسي وإن كان الأقوى في سورية اليوم، إلا أن الحل النهائي لا يمكن أن يكون بلا الحضور الأميركي ومباركته". وفي سياق التحديات أيضاً، يستسيغ البعض إطلاق صفة "حكومة اللاجئين"، للحديث عن ملف عودتهم، بعد أن بات الجميع يسير في ركب الخطة الروسية رغم الامتعاض الدولي منها.



تحديات اقتصادية
وفي تفاصيل الحديث عن التحديات التي تواجه الحكومة، يتصدر الاقتصاد الواجهة، خصوصاً أن "حكومة العمل"، كما اصطلح على تسميتها، سيكون أمامها البند الأول، وهو إقرار الموازنة العامة وإحالتها على مجلس النواب. وعليه تشير مصادر حكومية إلى أن "الجلسة الأولى بعد نيل الحكومة الثقة ستكون مخصصة للموازنة العامة، على أن يكون العنوان الإسراع في إعدادها وإقرارها في مجلس الوزراء وتالياً في مجلس النواب، خصوصاً أن علي حسن خليل بقي وزيراً للمالية، ما سيسرّع هذه العملية".

وفي لغة الأرقام تتبيّن الكارثة الحقيقية مع تراكم الدين العام الذي وصل إلى ما يقارب 84 مليار دولار، مع استمرار ارتفاع كلفة الدين العام، وعجز فاق الـ6 مليارات دولار، بالإضافة إلى التقارير الدولية التي حذّرت من خطورة الوضع الاقتصادي، بعد أن تبين أن النمو في عام 2018 بلغ 1.5 في المائة فقط، فيما العجز بلغ نحو 11 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، والتضخم 6.5 في المائة، إضافة إلى عجز في ميزان المدفوعات بلغ 1.3 مليار دولار. ويترافق كل ذلك مع وضع معيشي ينذر بالأسوأ، مع بلوغ البطالة نسبة الـ35 في المائة بين الشباب، فيما الفقر بلغ 30 في المائة، مع تراجع في القدرة الشرائية. وتشير المصادر إلى أن "إقرار الموازنة سيكشف عمق الأزمة المالية والاقتصادية في لبنان، وسيفرض، وفق من هم في دائرة القرار، بدء البحث في سياسة تقشفية واضحة، إضافة إلى إصلاحات هيكلية لخفض العجز".

ورشة تنفيذ شروط "سيدر"
لعل الملف الأهم الذي سيكون حاضراً سريعاً على طاولة مجلس الوزراء هو إطلاق ورشة الإصلاحات التي أقرّت في مؤتمر "سيدر". لهذا تقول مصادر مقرّبة من الحريري إنه "اختار خبراء في الاقتصاد من ضمن فريق عمله السياسي، وتحديداً ريا الحسن ومحمد شقير"، مؤكدة أن "فريق عمل الحريري يحضّر لإطلاق هذه الورشة الحكومية بأسرع وقت ممكن ومتابعة مباشرة من الحريري".



وكان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قد ضخّ جرعة تفاؤل عندما أشار في بيان ترحيبه بالتأليف الحكومي إلى "سيدر" وما سماه رغبة بلاده في مواكبة لبنان على طريق الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية. واعتبرت مصادر مطّلعة أن "تصريحات ماكرون أكدت أن ما تعهدت به الدول المانحة في المؤتمر لم ينته بفعل تأخير التأليف الحكومي، وأنه ممكن صرفه في حال التزم لبنان بتعهداته الإصلاحية".

أزمة الكهرباء
من بين التحديات الأساسية التي يتحدث عنها فريق الحريري لـ"العربي الجديد"، تتربع أزمة الكهرباء المستمرة فصولاً منذ ما بعد الحرب الأهلية اللبنانية، والتي تستنزف الخزينة اللبنانية، وتشير المصادر إلى توافق وتعاون بين تيار "المستقبل" و"التيار الوطني الحر" الذي أسندت حقيبة الطاقة إليه عبر ندى البستاني.

وفي المعلومات "يضع الحريري هذا الملف أولوية، خصوصاً أن عجز الكهرباء يكلف الدولة اللبنانية ما يقارب ملياري دولار، ومن بين ما يطرح البحث جدياً البحث في إنتاج الكهرباء من التكنولوجيا عبر إنشاء معمل يمكنه توليد الطاقة في غضون سنة واحدة، بالتعاون مع شركات عالمية".

ومن الأسباب التي تدفع إلى وضع ملف الكهرباء كأولوية، هو ارتباطه بمقررات مؤتمر "سيدر" وبالإصلاحات المطلوبة، لكن على الرغم من ذلك إلا أن معالجة هذا الملف أيضاً ستكون خاضعة للتوافق الحكومي والمناكفات، خصوصاً بعد الاشتباك الأخير بين الحزب التقدمي الاشتراكي و"التيار الوطني الحر" على خلفية إدراج قانون معجّل مكرّر لصرف اعتماداتٍ إضافية لمؤسسة كهرباء لبنان، بقيمة 2700 مليار ليرة، على جدول أعمال الجلسة التشريعية المقبلة، والذي اعترض عليه النائب مروان حمادة "قبل اتخاذ القرار في شأن إعلان الهيئة الناظمة لقطاع الكهرباء وتشكيل مجلس الإدارة"، ما استلزم رد وزير الطاقة السابق سيزار أبي خليل.



ذات صلة

الصورة
أنشطة ترفيهية للأطفال النازحين إلى طرابلس (العربي الجديد)

مجتمع

أطلقت منظمات وجمعيات أهلية في مدينة طرابلس اللبنانية مبادرات للتعاطي مع تبعات موجة النزوح الكبيرة التي شهدتها المدينة خلال الفترة الأخيرة.
الصورة
دمار جراء غارات إسرائيلية على بعلبك، 25 أكتوبر 2024 (Getty)

سياسة

شنّ جيش الاحتلال الإسرائيلي سلسلة غارات دموية على مناطق عدّة في محافظة بعلبك الهرمل اللبنانية أدت إلى سقوط عدد كبيرٍ من الشهداء والجرحى وتسجيل دمار كبير
الصورة
غارة جوية على قرية الخيام جنوب لبنان، 3 أكتوبر 2024 (فرانس برس)

سياسة

يكثّف جيش الاحتلال الإسرائيلي من سياسة تدمير المربعات السكنية ونسفها في جنوب لبنان على غرار الاستراتيجية التي يعتمدها في غزة منذ بدء حربه على القطاع
الصورة
آلية عسكرية إسرائيلية قرب حدود قطاع غزة، 6 أكتوبر 2024 (ميناحيم كاهانا/فرانس برس)

سياسة

شهر أكتوبر الحالي هو الأصعب على إسرائيل منذ بداية العام 2024، إذ قُتل فيه 64 إسرائيلياً على الأقل، معظمهم جنود، خلال عمليات الاحتلال في غزة ولبنان والضفة.