لم يكن الكنيست الإسرائيلي ليمضي حتى الثالثة من فجر أمس في عملية سنّ قانون تحديد موعد الانتخابات الجديدة، لولا الحاجة الدستورية لسنّ قانون يجيز إجراء الانتخابات العامة يوم الاثنين بدلاً من الثلاثاء، وفق ما ينص عليه قانون الانتخابات العام، لأن موعد الثالث من مارس/ آذار المقبل (يوم الثلاثاء) يصادف في قائمة المناسبات الإسرائيلية يوم ذكرى الجنود الإسرائيليين الذين لا يعرف مكان دفنهم، وبالتالي لا يمكن إجراء انتخابات في مناسبة كهذه.
القرار بالذهاب إلى انتخابات ثالثة خلال أقل من 11 شهراً، بعد أن جرت الانتخابات الأولى في 9 إبريل/ نيسان الماضي جاء بفعل فشل الحزبين الكبيرين، الليكود برئاسة بنيامين نتنياهو، وكاحول لفان بزعامة الجنرال بني غانتس، في تشكيل حكومة جديدة، سواء أكانت حكومة ائتلافية ضيقة أم وحدة وطنية. وهو فشل نابع بدوره من المسبب الرئيسي، الذي كان وراء قرار رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو في 24 ديسمبر/ كانون الأول من العام الماضي حل حكومته الرابعة، أملاً في استباق التحقيقات الشرطية وقرار النائب العام بتوجيه لائحة اتهام رسمية ضده (بتهم الفساد وخيانة الأمانة العامة والغش) من خلال انتخابات عامة تعيده من موقع القوة وقرار الناخب الإسرائيلي لديوان رئاسة الحكومة، مع ائتلاف مستقر تكون مهمته الأولى سنّ قانون أساسي يُحظر محاكمة رئيس حكومة ما دام يشغل منصبه رسمياً.
لكن الرياح لم تجرِ بما تشتهيه سفينة نتنياهو. فقد تمخضت انتخابات التاسع من إبريل عن حصول معسكر اليمين بقيادة نتنياهو، وضمن ذلك حزب يسرائيل بيتينو بقيادة أفيغدور ليبرمان، على 65 مقعداً من أصل 120، كانت كافية لتمكين نتنياهو من تشكيل حكومته الخامسة، لولا القرار المفاجئ لليبرمان (حصل في تلك الانتخابات على خمسة مقاعد) بعدم الانضمام إلى حكومة تجمع بين الليكود والحريديم (اليهود الأرثوذكس الأصوليون) ورفع راية فصل الدين عن الدولة، ما خلق تعادلاً في موازين القوى الإسرائيلية، 60 مقعداً مع نتنياهو دون قدرة على طرح حكومة جديدة، و60 مقعداً ضد معسكر نتنياهو، موزعة على أحزاب مختلفة، تبدأ في أقصى اليسار (قائمتان عربيتان) وتنتهي إلى يمين نتنياهو، ممثلة بحزب ليبرمان، وفي الوسط تحالف اليمين التقليدي الذي مثله تحالف كاحول لفان برئاسة غانتس. واضطرت إسرائيل بعد ذلك إلى الذهاب، للمرة الأولى، إلى انتخابات ثانية خلال أقل من نصف عام جرت في 17 سبتمبر/ أيلول الماضي.
وبعد انتخابات سبتمبر تكررت حالة "التعادل"، أو للدقة الجمود وانعدام قدرة أي من المعسكرين، اليمين المؤيد لنتنياهو والمعسكر المناهض له بقيادة غانتس على تقديم ائتلاف حكومي يتمتع بتأييد 61 نائباً، أو حتى حكومة أقلية لا يعارضها 61 نائباً، فضلاً عن فشل خيار حكومة وحدة وطنية تجمع بين الليكود وكاحول لفان، وانتهاء المهلة القانونية لتشكيل الحكومة الجديدة عند منتصف ليلة الأربعاء الماضي. قرار حل الكنيست رسمياً لتثبيت 2 مارس المقبل موعداً للانتخابات، يضع ثلاثة سيناريوهات محتملة لنتائج الانتخابات ومستقبل الحكومة المقبلة وصورتها، دون أن يطرح بالضرورة تغييراً جوهرياً في السياسة الإسرائيلية العامة من قضايا الصراع. فالمواقف المعلنة للأحزاب الإسرائيلية الرئيسية، الليكود وكاحول لفان، تكاد تتطابق في فحواها من القضايا الرئيسية: مستقبل المستوطنات، والحل الدائم ومكانة القدس ومستوطنات الجولان ومصير الأغوار (إصرار لدى الليكود وكاحول لفان على أهمية إبقائها تحت السيادة والسيطرة الإسرائيليتين).
المنافسة بين نتنياهو وساعر وتداعياتها
يشير مجرد إجراء انتخابات للمرة الثالثة في أقل من عام، إلى أن نتنياهو بدأ يفقد من "سحره" في القدرة على تشكيل وضمان أغلبية نيابية تؤيد حكومة برئاسته، ما من شأنه أن يحمل في طياته بذوراً لحل يُخرج إسرائيل من ورطتها السياسية الحالية إذا خرج نتنياهو من المشهد الانتخابي.
الاختبار الأول الذي يمكنه أن يرجّح كفة إمكانية إطاحة نتنياهو، يتصل بمعركته الداخلية، وحاجته للانتصار على خصمه الرئيسي من الداخل غدعون ساعر في الانتخابات التمهيدية، التي تقرر أن يجريها الليكود في 26 ديسمبر/ كانون الأول الحالي. نتائج الانتخابات التمهيدية، إن لم يتمكن نتنياهو من إجهاض إجرائها، مع أنه أعلن مطلع الأسبوع الحالي تأييده لها، ستكون المؤشر الأول على الاتجاه الذي ستمضي فيه الانتخابات الإسرائيلية. فإذا تمكن ساعر، الذي بدأ يكرس فكرة تحول نتنياهو إلى عبء على بقاء الليكود في الحكم، من التغلب على نتنياهو والفوز بترشيحه من قبل الحزب لرئاسة الحكومة، فسيكون ذلك أول زلزال سياسي يضرب إسرائيل في أزمتها الحالية، ويحمل في طياته نذر تغيير مقبل، ولو على مستوى من يقف على رأس الهرم، ويعيد إلى الليكود مؤيدين التحقوا بكاحول لفان، بفعل قضايا الفساد التي تلاحق نتنياهو. ومجرد وجود ساعر على رأس الليكود، من شأنه أن يمهد الطريق أمام تشكيل حكومة ائتلاف ضيقة بقيادته، ولكن أيضاً لحكومة وحدة وطنية مع حزب كاحول لفان بزعامة غانتس.
نتنياهو مقابل غانتس
أما إذا استطاع نتنياهو، بالرغم من لائحة الاتهام الرسمية ضده، التغلب على ساعر والفوز بترشيحه لرئاسة الحكومة عن حزب الليكود، فإن ذلك يُهدد بتعميق الأزمة السياسية من جديد وتكرار ذات النتائج التي تمخضت عن انتخابات سبتمبر، وعدم القدرة على تشكيل حكومة خامسة برئاسته، سواء كانت حكومة ائتلاف عادية من 61 صوتاً، أو حكومة وحدة بفعل الرفض القاطع لدى كاحول لفان للدخول في حكومة مع نتنياهو.
السيناريو الثالث الممكن هو أن يتمكن حزب كاحول لفان، بالاعتماد على النتائج المشجعة التي حصل عليها في الاستطلاعات الأخيرة التي تمنحه 37 مقعداً، من تفتيت معسكر الحريديم المؤيد لنتنياهو، واستمالة حزب التيار الديني الصهيوني "يميناً" الذي لا توجد خلافات جوهرية معه، وتشكيل حكومة يمين بديلة إذا انضم إليها أيضاً حزب يسرائيل بيتينو بقيادة ليبرمان، الذي تمنحه الاستطلاعات 8 مقاعد، ودعمه حزب العمل - غيشر من خارج الائتلاف.
ثمانون يوماً حتى الانتخابات المقبلة هي مدة طويلة قد تكون مليئة بالمفاجآت والتطورات التي ستؤثر بدورها في نتائج الانتخابات، وبالتالي ملامح الخريطة الحزبية القادمة في إسرائيل، تبعاً أيضاً لنسبة التصويت المحتملة. ومع ذلك يمكن الجزم بأنه حتى في حال إطاحة نتنياهو خلال الانتخابات التمهيدية الداخلية في الليكود، أو نتيجة لتغيير في السلوك الانتخابي للإسرائيليين عموماً، فإن تغيير من يقف على رأس الحكومة، أو هوية الحزب الحاكم، لا يعني أي تغيير في سياسات دولة الاحتلال من قضايا الصراع الرئيسية، لأن أقصى ما يمكن اليسار عموماً في إسرائيل (وبضمن ذلك القائمة المشترك للأحزاب العربية) أن يحققه في هذه الانتخابات لا يتجاوز 30 مقعداً من أصل 120 مقعداً في البرلمان الإسرائيلي.