في الوقت الحالي، تتولّى لجنة المحامين للدفاع عن المتظاهرين في لبنان، التي تضم مجموعة من المحامين والقانونيين اللبنانيين المتطوعين، الدفاع عن المتظاهرين والمعتصمين خلال ثورة أكتوبر/ تشرين الأول 2019، بالتنسيق مع جمعية المفكرة القانونية. انطلق عمل المجموعة خلال حراك أزمة النفايات في العام 2015، ودافعت عن المتظاهرين أمام المحكمة العسكرية والقضاء الجزائي. ولدى انطلاق الثورة، عاودت المجموعة عملها بشكل عفوي نتيجة الاستخدام المفرط للقوة من قبل الأجهزة العسكرية والأمنية وتوقيف أكثر من 130 متظاهرا في أوّل يومين من التظاهرات التي عمّت كل مناطق لبنان.
ونتيجة ما حدث أمس، أصدرت اللجنة بياناً جاء فيه: "بناء على الشهادات الأولية التي وثقتها لجنة المحامين للدفاع عن المتظاهرين حول اجتياح مجموعة من المعتدين اليوم (أمس) ساحات الاعتصام في وسط بيروت، وإقدامهم على ضرب المتظاهرين والتسبب بعدة إصابات وجروح، وتكسير وحرق خيم الاعتصام، وسرقة محتويات الخيم والمعدات الصوتية بهدف ترهيب المعتصمين، وحملهم على إخلاء الساحات، تبين لنا أمران: أولاً: كان واضحاً من شعارات وهتافات المعتدين أنهم من مناصري حركة أمل وحزب الله، وأنهم كانوا يتلقون أوامر عبر الهاتف، وسمع أحدهم يقول: "ما بدك نولعها سيدنا". كما لم نسمع أي إدانة لهذا الاعتداء من قبل أي من السياسيين المعنيين.
ثانياً: بدا وكأن الجيش والقوى الأمنية كانا على تنسيق ضمني مع المعتدين، بناء على المعطيات الأولية التالية:
- استمر الاعتداء ما يقارب الساعتين من دون أن تحاول أي من القوى الأمنية والجيش إيقافه، على الرغم من تواجدهم في الساحات ومشاهدتهم أعمال العنف ومطالبات المعتصمين.
- لم يقوموا بتوقيف أي من المعتدين.
- لدى طلب المعتصمين من القوى الأمنية التدخل لوقف الاعتداء، رفضوا وقالوا: "ليس لدينا أمر بذلك"، علماً أنهم ليسوا في حاجة لأوامر صريحة من أجل حماية المواطنين المعتدى عليهم.
- كانت قوى مكافحة الشغب تسير ببطء خلف مجموعات المعتدين ولم تحاول إيقافهم أو الإسراع لملاحقتهم.
- لم يتدخلوا لردع المعتدين عن المعتصمين، باستثناء بعض العناصر الذين تدخلوا بصفة فردية لمنع ضرب المعتصمين من دون توقيف أي من المعتدين. كما أقدم بعض العناصر على ضرب بعض المعتصمين.
- تواجد عسكريين مدنيين مع القوى الأمنية شاركوا بالاعتداء على المعتصمين.
- بعد ما يقارب الساعتين من بدء الاعتداء، تدخل الجيش والقوى الأمنية لإبعاد المعتدين. وسمع أحد ضباط قوى مكافحة الشغب، يقول: "خلصوا تكسير؟ يلا ضبوهم".
في البيان، تمنت اللجنة على كل من شاهد أو تعرض للعنف خلال هذا الاعتداء التواصل معها على خط ساخن. في هذا الإطار، تقول رئيسة المفكرة القانونية والمحامية العضو في لجنة المحامين للدفاع عن حقوق المتظاهرين، غيدة فرنجية، لـ "العربي الجديد"، إنّ فريق العمل يعمل على جمع الأدلة وتحديد أعداد الضحايا، وتوضح أنه يمكن للضحايا اختيار التقدّم بدعاوى قضائية فردية، أو توكيل اللجنة، على أن تتقدم الأخيرة بدعوى جماعية. وترى أن الدعوى الجماعية أفضل في هذه الحالة لأن الأدلة المشتركة تقوّي الملف. لكن تؤكد أن الأمر يعود للضحية، سواء أكان راغباً في التقدم بدعوى أم لا، وسواء يريد التقدم بدعوى فردية أو جماعية.
صحيح أن بعض الناشطين تداولوا صور وأسماء المعتدين على وسائل التواصل الاجتماعي، لكن تقول فرنجية إن اللجنة استطاعت التعرف على بعض هؤلاء، إلا أنها مستمرة في العمل لتحديد القادة. وتؤكّد على أهميّة إجراء تحقيقات، مشيرة إلى أنه يمكن أن ترفع الدعاوى ضد مجهول على أن يتولى المعنيون التحقيق لمعرفة المعتدين. وفي حال التثبّت من المعتدي بعد جمع الأدلة، يمكن التقدم بدعوى ضد شخص بعينه.
وتشير فرنجية إلى أن اللجنة تعمل على ثلاثة: الأول هو الشباب الذين تم توقيفهم في 17 و18 الشهر الجاري، والذين تعرضوا للضرب، متحدثة عن العمل على جمع التقارير الطبية وغيرها من الأدلة. والملف الثاني هو الاعتداءات التي حدثت أمس، والملف الثالث يتعلق بشكاوى المتعلقة بأصحاب العمل الذين هددوا الأجراء بالطرد.
وفي ما يتعلّق بدور القوى الأمنية، توضح أن اللجنة في صدد التثبت من وقوع اعتداءات من قبل القوى الأمنية، وهو ما يحيلهم إلى القضاء العسكري، مشيرة إلى جود إشكالية تتعلق بالصلاحيات في هذا الإطار. أما عن دور القوى الأمنية في حماية المعتدين (في حال إثباتها)، فتوضح أن المحاسبة في هذا الحالة ترتبط بمحاسبة االقيادة للأوامر الصادرة عنها بدلاً من العناصر الأفراد، وإن كان واجبهم التدخل لحماية الناس المعتدى عليهم.
أما المحامي أحمدي العمري، وهو أحد المتطوعين في اللجنة، فيقول لـ"العربي الجديد" إنه على حد علمه، ينوي أهل الضحية عمر ذكريا، الذي قضى نحبه الإثنين الماضي بعد معاناة من إصابات لحقت به في ساحة رياض الصلح في العاصمة بيروت، التقدم بشكوى ضد الدولة لدى مجلس شورى الدولة، من دون أن يكون في إمكانه توقع كيفية سير القضية، خصوصاً أنه ما من سابقة في هذا الإطار يمكن البناء عليها. ويحتمل أن يحصل الأهل على تعويض مالي.
من جهة أخرى، يشير العمري إلى أنّ الأشخاص الذين تم توقيفهم سابقاً في ثكنة الحلو، وأطلق سراحهم بسندات إقامة، يتوقّع استدعاؤهم مجدداً ومحاكمتهم بتهم تعكير الصفو العام والاعتداء على الأملاك العامة والأماكن التجارية. وفي حال كانت عناصر الإدانة مكتملة، يمكن للمحامين العمل على تخفيف العقوبة إلى الحدود الدنيا، باعتبار أن هؤلاء كانوا يطالبون بتحسين الظروف المعيشية.
يشار إلى أن مجموعة من الناشطين تعمل على جمع الأدلة لتوثيق ما حدث من اعتداءات خلال الثورة. وكتب الناشط بسام القنطار على صفحته على "فيسبوك": "مئات الصور ومقاطع الفيديو يجري توثيقها بهدف تعزيز المساءلة عن انتهاكات حقوق الإنسان منذ 17 أكتوبر/ تشرين الأول ولغاية تاريخه. الهدف النهائي مكافحة الإفلات من العقاب وسوق المرتكبين إلى العدالة".
ويضيف: "يُستوفى معيار الإثبات عندما يتم الحصول على مجموعة موثوق بها من المعلومات التي تمكن من الخلوص إلى وجود أسباب وجيهة تدعو إلى الاعتقاد بأن الحوادث المعنية قد وقعت على النحو الموصوف وأن الطرف الذي حُددت هويته قد ارتكب الانتهاكات المعنية".