صديقي الدركي الغريب

01 سبتمبر 2015
درك بكامل عتادهم أمام السرايا الحكومية (العربي الجديد)
+ الخط -

بضربة حظ، تسنى لوليد أن يلتحق بقوى الأمن الداخلي في لبنان. لم يدفع قرشاً واحداً من أجل ذلك. ولم يكن يفكر بالأمر كآخرين. كان يؤدي كعشرات الآلاف من الشباب غيره الخدمة العسكرية الإلزامية، التي ألغيت بالكامل عام 2006. وكان ذا حظ جيد إذ جاء تشكيله بعد انتهاء التدريب، في قوى الأمن الداخلي بدلاً من إحدى سرايا الجيش وما فيها من تعب.

خدمته السهلة لم تكن كلّ شيء. فقد نال إعجاب الضابط المسؤول الذي طلب منه التطوع في قوى الأمن، على أن يسهّل له أمر قبوله. وبالفعل تمّ ذلك وهو في العشرين من عمره.

وظيفة الدولة يطمح إليها معظم الشباب في لبنان. وبما أنّهم يعلمون أنّ الدولة فاسدة من رأسها إلى درجتها السابعة، فإنّهم يرفقون طموحهم وسعيهم- والاتكال على الله- بالرشوة والواسطة وتقبيل يد الزعيم الطائفي وأيدي الكثيرين تحته.

وليد نجا من كلّ هذا. فهو لم يسع إلى الوظيفة يومها بل كان ينوي استكمال تخصصه الجامعي في العلوم الاجتماعية وكان رسب في سنته الأولى قبل أن يلتحق بالخدمة العسكرية، ولم يلجأ إلى واسطة، أيضاً، في سبيل النجاح في جامعته التي أمضى فيها سنوات مضاعفة حتى تخرج منها لاحقاً.

في الدرك، تنقّل وليد بين مهام عدة، ووصل، اليوم، إلى رتبة رقيب أول. لكنّه في كلّ مهمة كان مثال الشرطي النزيه.

في شرطة السير، لا يسجل وليد مخالفات في حق المواطنين كتسلط، وينتظر منهم رشوته. ولا يعرض عليهم خدماته بعد الدوام في شطب المخالفة بعد دفع المعلوم.

في شرطة المخدرات، لا يتفق وليد مع الموزعين ويقبض منهم راتباً شهرياً، على أن يزرع السجون بمتعاطين لا حول لهم ولا قوة.

في شرطة السجون، لا يهرّب وليد الممنوعات للسجناء. وهو ينحاز دوماً للسجناء الفقراء، وليس الأغنياء ومن وراءهم من أحزاب وقوى سياسية.

وفي قضايا البناء غير المشروع، لا يلعب وليد دور صلة الوصل بين المواطنين ورئيس المخفر، يوصل إليه مبلغ الخمسة آلاف دولار أميركي للسماح لهم ببناء سقف، على أن يقبض عمولته بدوره. مستحيل أن يفعل وليد هذا.

وفي شرطة مكافحة الشغب، ينفذ الأوامر بالقمع، لكنّه يتجنب- بقدر الإمكان- التعرض بالضرب لـ"المشاغبين". وإذا ما اعتقل أحدهم لا يعتدي عليه ويشتمه ويهينه وهو لا حول له ولا قوة.

لا يميّز وليد بين أبناء مذهبه وغيرهم في أداء وظيفته. لا يقود دراجة نارية غير مرخصة. لا يستخدم سلاحه في مشاكل شخصية. لا يتجاهل الالتزام بالقوانين التي يفرض على الناس تطبيقها. ولا تهمه سخرية الكثير من زملائه منه.

هو صديقي الدركي وليد. هو غريب في لبنان.

اقرأ أيضاً: الدركي مارون عبد الرحمن
دلالات
المساهمون