يستمر مشهد النزوح في ريف ادلب، في شمال سورية، من بلدة إلى بلدة ومن مدينة إلى مدينة، هرباً من الآلة العسكرية المدمرة، التي تعتمد سياسة الأرض المحروقة. من كان يشعر بالأمس أنّه في مأمن مع عائلته، بات غير آمن. ومن يعتقد اليوم أنّه آمن قد تتغير حاله غداً. وهو ما يجعل آلاف العائلات تعيش حالة من القلق بين نازحة أو منشغلة باحتمال النزوح أو مترقبة سير الأعمال العسكرية وأين ستكون ضربتها المقبلة.
لم يبقَ في سرمين سوى عشرات العائلات التي لم يحالفها الحظ بعد، في وصول فريق الإخلاء التطوعي، الذي يموله متبرعون، إليها، لمساعدتها في الخروج من المدينة، التي غابت عنها مظاهر الحياة، بعدما كانت تغص بأكثر من 45 ألف مدني، بحسب رئيس المجلس المحلي في سرمين علي مروان طقش. يوضح لـ"العربي الجديد" أنّ "هذه العائلات في الغالب لم تستطع أن توفر مكاناً يؤويها، أو حتى وسيلة نقل تخرجها إلى مكان أكثر أماناً". يتابع أنّ سرمين "تعيش تحت قذائف لا تتوقف، حتى خلت من المواد الغذائية، بينما توقف المستشفى عن العمل، وما زال هناك القليل من المياه، لكن ليس هناك من ينقلها".
يلفت طقش إلى أنّ "وضع النازحين في المدينة مأساوي جداً، فالغالبية الساحقة لم تستطع تأمين مأوى، وما زال النازحون يقيمون كضيوف لدى أقاربهم أو أصدقائهم، في ظل وضع معيشي ونفسي صعب جداً". يوضح أنّ "أهالي سرمين ما زالوا يعيشون في حالة صدمة، إذ لم يتوقعوا هذا الهجوم، في وقت يعاني نحو 80 في المائة منهم من الفقر المدقع، ويعجزون عن تأمين قوت يومهم، فمن أين لهم أن يوفروا إيجار منازل وتكاليف نزوح؟".
الوضع في تفتناز بريف إدلب، ليس بأفضل من سرمين، بحسب خالد أبو صطيف، وهو معلم من أبناء المدينة. يقول لـ"العربي الجديد" إنّ "الوضع الإنساني سيئ جداً، إذ ليست هناك سيارات لإجلاء المدنيين والمصابين، كما لا تسجل هدنات وإن لساعة، حتى يخرج، لا توجد مراكز إيواء تستقبلهم، ولا برنامج استجابة وإن بوجبة طعام". يتابع: "كلّ ذلك يضاف إلى حالة من الرعب والدمار الذي تزرعه آلة الحرب. عدد النازحين، من أصل البلدة البالغ عددهم نحو 10 آلاف نسمة، بلغ نحو 8 آلاف نازح، في حين كان هناك نحو 5 آلاف نازح مقيم في البلدة لا أعلم كم نسبة النازحين من بينهم، لكنّ الجميع أخرج بعض أمتعته وهو مستعد للنزوح في حال توفرت وسيلة نقل". ويلفت إلى أنّ "وجهة النازحين هي إلى المجهول في الغالب، بينما يقيم بعضهم لدى قريب أو صديق، ويقاسمه بيته وطعامه، وإن لأيام، لكن لا أحد يعلم ما الذي سيحلّ به بعد ذلك".
ومع ازدياد الأعمال العسكرية في سرمين وتفتناز، يستشعر أهالي بنش، الواقعة بينهما، اقتراب الخطر. وبالرغم من استمرار الحياة اليومية، فهناك عائلات استبقت وصول القصف لها، وقررت الرحيل بحثاً عن مكان أكثر أماناً، في حين بقي آخرون يترقبون ما قد يحدث خلال الأيام المقبلة. وما زال حسين الدغيم وعائلته، وهو الرئيس السابق للمجلس المحلي في جرجناز، والنازح منها في وقت سابق إلى معرة النعمان، واليوم إلى بنش، يترقبون إن كانت الأعمال العسكرية ستلحق بهم مجدداً. يقول لـ"العربي الجديد": "الحركة تراجعت عموماً في الأسواق بنسبة 30 في المائة، فالناس يتملكهم القلق" معرباً عن اعتقاده أنّ "بنش قد لا تكون هدفاً عسكرياً للنظام والروس اليوم، لكن قد تُستهدف في القصف والتدمير، وقد قصف الروس مؤخراً ثانوية البنات ليلًا".
من جهته، يؤكد مصطفى محمد رجب، ابن بنش، في حديث مع "العربي الجديد" أنّ هناك حالات نزوح جديدة بين النازحين المقيمين في البلدة، في ظل قصف كثيف على البلدات المنتشرة على أطراف بنش، خصوصاً أنّ القوات النظامية تواصل تقدمها في المنطقة. يلفت إلى أنّ "الحركة في بنش ما زالت جيدة، فيما الخدمات والمواد الغذائية متوفرة، لكن، هناك حالة قلق حيال القدرة على تأمين مكان بديل في منطقة أكثر أماناً، في حال اضطروا للنزوح".
بدوره، يقول مسؤول الإعلام في الدفاع المدني، في إدلب، إبراهيم عربو، لـ"العربي الجديد" إنّ "عائلة لم تتمكن من مغادرة سرمين بسبب عدم توفر وسيلة نقل، استهدف الطيران منزلها، الأحد، ما أدى إلى مقتل أفرادها الثمانية" لافتاً إلى أنّ "فرق الدفاع المدني تقف عاجزة أمام هذا الوضع، بالرغم من أنّنا نبذل كلّ ما في وسعنا لإجلاء من تبقى من المدنيين من داخل تلك البلدات". يتابع: "جميع النازحين يتوجهون نحو الحدود الشمالية، خصوصاً منطقة أطمه وما حولها، إذ لدى قسم منهم خيام سابقة، يمكن أن يستقروا فيها ضمن الأراضي الزراعية، لكنّ القسم الأكبر منهم يفترش الأراضي الزراعية من دون خيام". يشير إلى أنّ "عدد النازحين بلغ منذ بدء الهجمة الشرسة قبل شهرين نحو 900 ألف نسمة وقد يتجاوز مليوناً في الأيام القليلة المقبلة".