انهيار الليرة السورية قبيل صدور "قيصر": انتفاضة معيشية في وجه الأسد

09 يونيو 2020
+ الخط -

 

سجلت الليرة السورية سقوطا مدوياً، أمس الاثنين، أمام الدولار الأميركي، متأثرة بارتفاع غير مسبوق في الطلب على الدولار الأميركي الذي اختفى من الأسواق، قبل أيام من دخول قانون "قيصر" الأميركي إلى حيز التطبيق في السابع عشر من يونيو/ حزيران الجاري، في إطار عقوبات مشددة، بينما انتفض المواطنون في عدة مناطق خاضعة لسيطرة نظام بشار الأسد منددين بالانهيار المعيشي ومطالبين برحيله.

وهوت العملة السورية إلى نحو 3500 ليرة مقابل الدولار الواحد، فاقدة أكثر من 280 في المائة من قيمتها منذ مطلع العام الجاري 2020، حيث استهلت التعاملات بحلول يناير/كانون الثاني عند نحو 915 ليرة للدولار.

وتسارعت وتيرة انهيار الليرة في الأيام الثلاثة الماضية بعدما بدأت سلسلة من الهبوط الحاد خلال الأسابيع الأخيرة، حيث فقدت منذ السبت الماضي فقط نحو 40 في المائة من قيمتها، حيث سجلت في ذلك اليوم 2500 ليرة للدولار.

وتشابكت أسباب الانهيار، لتنضم مخاوف المواطنين من أصحاب المدخرات من سقوط الليرة إلى قاع سحيق بعد تطبيق العقوبات الأميركية الجديدة، إلى الهلع الذي يسيطر على رجال الأعمال في ظل التداعيات الناجمة عن الصراع الدائر بين "الأسد" وابن خاله رجل الأعمال رامي مخلوف الذي جرى التحفظ على أمواله في المصارف ووضع اليد على بعض شركاته وملاحقته ضريبياً.

وقال المحلل الاقتصادي السوري علي الشامي لـ"العربي الجديد" إن المخاوف من تطبيق قانون "قيصر" بعد نحو أسبوع تعزز بشكل رئيسي فقدان الثقة في الليرة، باعتبار أن القانون يتضمن عقوبات على المصرف المركزي وكل من يساعد النظام أو يساهم بدعمه، ما يعني، توقف الدولارات المحدودة التي كانت تدخل عبر الإمارات وحدوث خلل هائل بالسوق النقدية السورية.

وأضاف الشامي "هناك طلب متزايد على الدولار من التجار وأصحاب المدخرات وحتى النظام الذي سمعنا أنه يجمع العملة الأميركية من السوق لتسديد ديون لروسيا"، مشيرا إلى أن هناك أزمة كبيرة في ظل تداعيات جائحة كورونا التي أوقفت السفر وشلت الصادرات وكبحت المساعدات الإيرانية التي كانت تأتي بصيغ خطوط الائتمان.

وتابع: "ربما تسبب تصاعد الخلاف بين الأسرة الحاكمة، أو رأس النظام وزوجته مع من كان يسمى خازن سورية وبيت مالها رامي مخلوف، في تسارع تهاوي الليرة أيضا وحتى نفاد العديد من السلع التي كان مخلوف ومن يشتغل معه يؤمنونها بالسوق الداخلية، لأن ملاءة مخلوف وسطوته تمكنانه من زيادة مخاوف السوريين بل ومن إغراق السوق الداخلية بالليرة وسحب الدولار".

وكان مخلوف، الحليف المالي لسنوات طويلة مع الأسد، قد هدد بما وصفه بـ"زلزال" في أعقاب الحجز على أمواله في البنوك السورية ووضع نظام الأسد يده على بعض شركاته وملاحقته ضريبياً.

وبينما تشتد وتيرة الصراعات بين الأسرة الحاكمة ويقترب "قيصر" من التطبيق، تتصاعد معاناة السوريين من تردي الوضع المعيشي، ما أدى إلى اندلاع تظاهرات في محافظتي السويداء ودرعا الخاضعتين لسيطرة الأسد جنوبي البلاد، مطالبة برحيل رأس النظام.

وأصيبت القطاعات التجارية بالشلل مع القفزات المتسارعة للعملة الأميركية، كما أوقفت محال الصاغة بالمدن السورية بيع وشراء الذهب وامتنعت شركات الصرافة عن تبديل العملات.

وقالت مصادر من دمشق إن أسعار السلع قفزت بشكل كبير بمختلف أنواعها، حيث وصل سعر الأرز إلى 1500 ليرة للكيلوغرام والسكر 1300 ليرة للكيلوغرام، واللحوم الحمراء إلى 18 ألف ليرة، مشيرة إلى استمرار إغلاقات المحال وحملات المداهمة من دوريات وزارة الاقتصاد على الأسواق وتهديد المضربين عن البيع بالسجن، فضلا عن نفاد الأدوية من الصيدليات وازدحام الطوابير أمامها.

وأكدت عدم قدرة السوريين على العيش لأيام بواقع الغلاء ونفاد السلع، لتزيد تكاليف معيشة الأسرة، بعد الارتفاع العام للأسعار بنحو 40 في المائة خلال أسبوع، إلى أكثر من 600 ألف ليرة، في حين يبقى معدل أجور السوريين حول 50 ألف ليرة.

واعتبر رئيس حكومة الأسد، عماد خميس، أن تهاوي الليرة وارتفاع الأسعار يرجع إلى "المؤامرة والعوامل الخارجية"، مشيراً إلى أن تثبيت سعر الصرف يتطلب 20 مليار دولار، وهو المبلغ الذي تكبدته حكومة الأسد لمنع الليرة من الانهيار منذ عام 2017.

وحمّل خميس، الإعلام، خلال جلسة لمجلس الشعب (البرلمان)، الأحد الماضي، مسؤولية ما يجري "لأنه يكشف خطط الحكومة"، مضيفا أن الحكومة بصدد "التواصل مع الدول الصديقة والعمل معها للحصول على قروض".

لكن تلك الأعذار لم تقنع مجلس الشعب بل طالب نواب بحجب الثقة عن الحكومة، لأنها فشلت في إدارة الأزمة. وتساءل النائب أحمد الكزبري "أين حاكم المصرف المركزي في ظل ارتفاع أسعار الصرف أمام الليرة؟".

لكن محمود حسين الاقتصادي قال لـ"العربي الجديد" إن إلقاء المسؤولية على حكومة عماد خميس، يأتي في إطار التضليل وصرف الأنظار عن دور النظام في إفقار السوريين وانهيار الاقتصاد والليرة، مضيفا :"يعلم كل المطلعين على الملف السوري أن الحكومة جهة تنفيذية لا حول لها ولا قوة، كما أن النظام عبر حربه على الثورة، وضع سورية بموقع المتهالك والمنهار وليس لأي حكومة أن تعيد التاريخ للوراء".

وتابع: "الأرجح هي خطة من نظام الأسد للقفز إلى الأمام وتحميل الحكومة أسباب الفشل وارتفاع الأسعار، ليمتص فورة الشارع، خاصة بعد مظاهرات السويداء ودرعا وإدلب، فيقيل الحكومة وربما يتخذ بعض الإجراءات، هدفها المحافظة على الحكم وليس تحسين الوضع المعيشي كأن يزيد الرواتب قليلاً أو يحاصر الأسواق عبر الوعيد، ولكن كل تلك الحلول التسكينية، لن تسعف النظام من مصير محتوم بدأ يلوح بالنسبة للسوريين، وهو انهياره، فقد حان وقت الرحيل".

وامتدت موجة الاحتجاج وإغلاق المحال، من مناطق قدسيا ودمر والميدان في دمشق، إلى العاصمة الاقتصادية حلب، حيث أكد رجل الأعمال محمد العلو لـ"العربي الجديد"، إصابة الحركة التجارية في المدينة بالشلل بعد "توقف شركات الصرافة عن العمل وإغلاق المحال التجارية بسبب عدم القدرة على ضبط أي تسعير بواقع توالي تهاوي سعر الصرف".

وينسحب مشهد فوضى الأسعار إلى المناطق المحررة شمال غرب سورية، بسبب التبدل اللحظي لسعر الليرة. وتوقع الناشط الحقوقي عبد الرحيم عبيد من مدينة إدلب إلغاء التعامل بالليرة السورية بالمناطق المحررة، بعد أن بدأ أمس الاثنين، تسعير الخبز بالليرة التركية.

وقال عبيد: "تواصلنا مع مسؤولين بالائتلاف وحكومة الإنقاذ لاعتماد الأجور والأسعار بالليرة التركية أو الدولار، لأن خسائر الليرة حولت الشمال المحرر جميعه إلى فقراء بعد الارتفاع الجنوني للأسعار".

وبينما أشار محللون إلى تسبب المخاوف من قانون قيصر في انهيار الليرة، رأى الباحث الاقتصادي مصطفى غنام أن "من غير المنطق تحميل القانون الأميركي، الذي لم يبدأ تطبيقه بعد أسباب تهاوي سعر الصرف وارتفاع الأسعار".

وقال خلال اتصال هاتفي من مدينة إدلب إن "الاقتصاد السوري منهار وما يمنعه من السقوط، هي الممارسات الدولية وبعض المساعدات والدعم الذي كان يصل للأسد، عبر المنظمات والدول الحليفة".

وأضاف "الناتج المحلي الإجمالي تراجع من 60 مليارا إلى 11 مليار دولار، وعجز الموازنة أكثر من 1400 مليار ليرة ونسبة الفقر والبطالة نحو 90 في المائة، وكل هذه المؤشرات، قبل أن تصدر حزمة عقوبات "قانون قيصر" والذي سيساهم أو يسرّع بانهيار الاقتصاد وربما النظام برمته.

كما قال الاقتصادي السوري حسين جميل لـ"العربي الجديد" إن "السوريين هم من يدفعون ثمن ما قبل سقوط الأسد، لأن الأسعار ستستمر بالارتفاع ولن يقدم الأسد على زيادة الأجور أو تحسين الوضع المعيشي، بل سيهتم فقط بعوامل بقائه بالسلطة".

وفي هذه الأثناء، قالت مصادر مطلعة إن إيران تخلت بشكل مطلق عن دعم نظام الأسد، سواء عبر ما كان يسمى خطوط الائتمان أو رواتب المليشيات، مشيرة إلى أن نظام بشار الأسد اليوم في مأزق حقيقي، خاصة بعد تفويت العرض الأميركي الأخير.

وكان المبعوث الأميركي إلى سورية، جيمس جيفري، قد قال الأحد الماضي، إن بلاده قدّمت عرضاً لرئيس النظام بشار الأسد للخروج من أزمة الانهيار المتسارع الذي تشهده الليرة والاقتصاد السوري، وذلك قبل أيام من تطبيق قانون قيصر. وعزا جيفري تراجع قيمة العملة إلى الإجراءات التي اتخذتها الولايات المتحدة.

وقال المبعوث الأميركي، إن الانهيار الحاصل في الليرة السورية "دليل على أن روسيا وإيران لم تعودا قادرتين على تعويم النظام" مشيراً أن بلاده قدمت للأسد طريقة للخروج من هذه الأزمة، وأنه إذا "كان مهتماً بشعبه فسيقبل العرض".

ذات صلة

الصورة
من مجلس العزاء بالشهيد يحيى السنوار في إدلب (العربي الجديد)

سياسة

أقيم في بلدة أطمة بريف إدلب الشمالي وفي مدينة إدلب، شمال غربي سورية، مجلسا عزاء لرئيس حركة حماس يحيى السنوار الذي استشهد الأربعاء الماضي.
الصورة
غارات روسية على ريف إدلب شمال غرب سورية (منصة إكس)

سياسة

 قُتل مدني وأصيب 8 آخرون مساء اليوم الثلاثاء جراء قصف مدفعي من مناطق سيطرة قوات النظام السوري استهدف مدينة الأتارب الواقعة تحت سيطرة فصائل المعارضة
الصورة
قبور الموتى للبيع في سورية / 6 فبراير 2024 (Getty)

اقتصاد

تزداد أعباء معيشة السوريين بواقع ارتفاع الأسعار الذي زاد عن 30% خلال الشهر الأخير، حتى أن بعض السوريين لجأوا لبيع قبور ذويهم المتوارثة ليدفنوا فيها.
الصورة
قوات روسية في درعا البلد، 2021 (سام حريري/فرانس برس)

سياسة

لا حلّ للأزمة السورية بعد تسع سنوات من عمر التدخل الروسي في سورية الذي بدأ في 2015، وقد تكون نقطة الضعف الأكبر لموسكو في هذا البلد.