مستقبل الإعلام وخصوصية المستخدمين في يد الأثرياء

08 مايو 2022
سيطر إيلون ماسك على "تويتر" (شون زاني/Getty)
+ الخط -

في 25 إبريل/نيسان 2022، أعلن الملياردير، إيلون ماسك، عن شراء منصة تويتر، وهو ما وضع واحدة من أكثر وسائل الاتصال تأثيراً في العالم اليوم تحت سيطرة أغنى رجل على هذا الكوكب.

ورأى المحاضر في دراسات التاريخ والإعلام في جامعة ولاية كاليفورنيا إيست باي، نولان هيغدون، أن رغبة ماسك في شراء "تويتر" تتجاوزالسعي للتحكم في الخطاب العام وتشكيله إلى إمكانية الوصول إلى مجموعة من البيانات الشخصية للمستخدمين ومستهلكي الأخبار.

هذا الرأي يعيدنا إلى أواخر القرن التاسع عشر والعقود الأولى من القرن العشرين، حين استخدم الأثرياء الأميركيون، مثل ويليام راندولف هيرست وجاي غولد، ثرواتهم الهائلة للسيطرة على وسائل الإعلام الإخبارية.

وكتب هيغدون في مقال له عبر "ذا كونفيرسيشن" أن البعض يرى أن الولايات المتحدة تعيش في خضم عصر متكرر تحكمه مجموعة جديدة من الأوليغارشية التي تستخدم ثرواتها الهائلة لشراء وسائل الإعلام والنفوذ السياسي.

كل المؤسسات صالحة للشراء

خلال العقد الماضي، اشترى عدد من المليارديرات الأميركيين وسائل إعلام إخبارية مثل "بوسطن غلوب"، و"أتلانتيك"، و"لوس أنجلس تايمز".

ولعل المثال الأكثر شهرة هو جيف بيزوس، المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة "أمازون"، الذي أنفق 250 مليون دولار من صافي ثروته البالغة 170 مليار دولار لشراء صحيفة "واشنطن بوست" في عام 2013.

سوشيال ميديا
التحديثات الحية

وبحسب ما يقول الباحث الإعلامي روبرت ماكيزني في مقال "ذا كونفيرسيشن" أيضاً، فإن اجتماع الثروة والسلطة والتحكم في الإعلام مع مجموعة صغيرة من الأثرياء أمر مقلق على صعيد الديمقراطية. إذ غالباً ما يعتمد الجمهور على الصحافيين لنقل الأخبار والأحداث وتفسيرها، قبل اتخاذ قراراتهم خلال الانتخابات سواء الرئاسية أو التشريعية أو حتى المحلية كالبلدية. إلا أن شراء الأثرياء للمؤسسات الإعلامية قد يفتح مجالاً أمام التضليل ما يؤثر على الناخبين وخياراتهم.

ويدرك المليارديرات اليوم أنه من خلال التحكم في التدفق الحر للمعلومات، يمكنهم التحكم في المشاركة الديمقراطية للناخبين أو تشكيلها.

وأكد بعض النقاد في مقالات متكررة أنه بعد شراء بيزوس صحيفة "واشنطن بوست"، أصبحت تغطية الصحيفة ضعيفة بشكل ملحوظ في تناولها لموقع "أمازون"، وقاسيةً على خصوم بيزوس السياسيين. وهو ما تنفيه الصحيفة.

المستخدم هو السلعة

باختياره شراء منصة تواصل اجتماعي بدلاً من وسيلة إخبارية تقليدية، يدرك إيلون ماسك جيداً أنه يتحكّم في نظام توصيل أخبار ضخم. وقد وجد استطلاع أجرته مؤسسة Pew عام 2021 أن 23 في المائة من الأميركيين يستخدمون "تويتر"، وقال 7 من كل 10 مستخدمين على المنصة إنهم يتلقون أخباراً من الموقع.

لكن هذا الخوف من التأثير على تدفق الأخبار ليس جديداً، بل كان وادي السيليكون بالفعل تحت سيطرة مليارديرات يديرون عدداً قليلاً من الشركات المعروفة مثل "ميتا" و"أمازون" و"آبل" و"ألفابيت" و"نتفليكس".

تستمد هذه الشركات أرباحها من نظام اقتصادي جديد أطلقت عليه الأستاذة في جامعة هارفارد، شوشانا زوبوف اسم "رأسمالية المراقبة"، حيث يكون المستخدم هو المنتَج، أي أن الشركات تجمع وتبيع معلومات عن المستخدمين للمهتمين بالتنبؤ بالسلوك البشري أو تحريكه أحياناً.

في هذا النظام الاقتصادي الجديد، تقوم شركات التكنولوجيا باستمرار بمراقبة المستخدمين داخل وخارج منصاتهم بغرض جمع وتحليل البيانات، التي تشمل الصوت والفيديو والكلمات المكتوبة ونظام تحديد المواقع أو حتى الحمض النووي، لفتح نافذة على أفكار المستخدم والعمليات المعرفية.

ومن أجل الحفاظ على تدفق البيانات، تعتمد شركات التكنولوجيا الكبرى على تقنيات مشتقة من لعبة القمار لإبقاء الأشخاص مدمنين على شاشاتهم. بشكل أساسي، تجعل المستخدمين يطاردون اندفاع الدوبامين الأولي الذي يأتي من "إعجاب" أو "طلب صداقة" على "فيسبوك"، أو على "إعادة تغريد" أو "متابع جديد" على "تويتر". 

على غرار ألعاب المقامرة، وجدت التقارير أن هذه الأساليب تُستخدم مع القليل من الاهتمام بالصحة العقلية للمستخدمين.

وفي عام 2022، على سبيل المثال، تبين أن "فيسبوك" كانت تدرك أن تصميم منصتها يؤذي المستخدمين، وخاصة الشباب، لكنها رفضت إجراء أي تغييرات خوفاً من أن يؤدي ذلك إلى إضعاف أرباحها.

هل يريد ماسك فعلاً حرية التعبير؟

في هذا السياق، ماسك ليس مجرد نسخة حديثة من الأوليغارشية في القرن التاسع عشر. بل تتجاوز سلطته تشكيل الخطاب العام إلى امتلاك مجموعة ضخمة من البيانات الشخصية تحت سيطرته. 

على سبيل المثال، عند استخدام محتوى أو منتجات "تويتر"، بما في ذلك تلك المدمجة في مواقع الويب الأخرى، يجمع "تويتر" البيانات ويخزن صفحات الويب التي وصل إليها المستخدم، بالإضافة إلى عنوان IP ونوع المتصفح ونظام التشغيل ومعلومات ملفات تعريف الارتباط.

وقال ماسك إن الدافع وراء شرائه لموقع "تويتر" هو دعمه لحرية التعبير. لكن هذا يتعارض مع سمعته في السعي النشط للانتقام من أولئك الذين ينتقدون أعماله. علاوة على ذلك، تحت قيادته، حافظت "تسلا" على عقود منعت الموظفين السابقين من انتقاد الشركة.

المساهمون