استمع إلى الملخص
- **أداء مميز وأسماء لامعة**: يضم المسلسل نخبة من الأسماء البارزة مثل جاك غيلينهال ورينات ريينسف، ويتعاون خلف الكاميرا ديفيد إي كيلي وجي جي آبرامز، مما يضفي جودة عالية على العمل.
- **تجديد لموسم ثانٍ وتوجهات مستقبلية**: تم تجديد المسلسل لموسم ثانٍ قبل عرض الحلقة الأخيرة، مع بقاء تفاصيل الموسم الجديد غير معلنة، في وقت بدأت فيه "آبل تي في بلس" في تقليص محفظتها الإنتاجية.
أتمّ مسلسل Presumed Innocent (آبل تي في بلس) رحلة موسمه الأول أواخر الشهر الماضي، وحقق نجاحاً قلّ نظيره بين إنتاجات الشبكة السخيّة التي تدأب على توفير محتوىً شامل وأصلي، ينوّع بين صنوفه ويزاحم المنصات العريقة على الجوائز، فبات العمل الأكثر مشاهدةً عبر المنصة، ونال اهتماماً يتزايد أسبوعاً إثر آخر، في انتظار معرفة هوية القاتل.
يمتاز المسلسل بتضمنّه أسماءً ذات اعتبار في صناعة الترفيه، فأمام الكاميرا يتصدّى جاك غيلينهال لشخصية المدّعي راستي سابيتش، الذي سيُتّهم بقتل مساعدته كارولاين بوليموس. تؤدي دور الأخيرة الممثلة النرويجية رينات ريينسف، التي عرفها الجمهور من فيلم "أسوأ شخص في العالم" عام 2021، رفقة بيل كامب وروث نيغا في الأدوار المساندة، إضافة إلى بيتر سارسغورد الذي يخطف الأنظار كلّما ظهر على الشاشة. كذلك، خلف الكاميرا، يتعاضد ديفيد إي كيلي مع جي جي آبرامز لتنفيذ إنتاج المسلسل. الأوّل أحد أهم القائمين على مسلسلات شهيرة تناولت ردهات المحاكم، مثل "بوستون ليغال" و"بِغ ليتل لايز"، ويمثّل الآخر مدرسةً في صناعة التشويق، منذ "إيلياس" و"لوست" في بداية الألفية.
استقى العمل حكايته وتفاصيل شخصيّاته وجرائمه باقتباسٍ فضفاض عن روايةٍ بنفس الاسم صدرت عام 1987 للكاتب سكوت تورو. عملٌ أدبيّ لا يدّعي العمق، ويقرّ بمكانته ضمن كتب التسليّة والتشويق مع زخّات من الإثارة الجنسيّة والتوصيف الجارح.
انتهى مسلسل "تيد لاسو" منذ عامين، مؤذناً بمغادرة آخر الشخصيّات البيضاء "الحميدة" للشاشة الصغيرة. وليس سرّاً أن توخّي التنويع التمثيلي للفئات المختلفة والأعراق نزع عن شخصية الذكر الأبيض المستقيم صفة المخلّص أو المنقذ، وأصبح وقوعه ضحيّةً بمثابة حبكةٍ مخفيّة، تستهدف التنميط الذي قد يمارسه الجمهور، بنفس المحاكاة التي تجعل المسؤول الأسود أو المهاجر -على سبيل المثال- أداةً فاسدة خلف الستار، تعسّر من ظروف الفئات الأكثر هشاشةً.
الشخصية الرئيسية هنا تُصارع لإثبات براءتها، وتحمل مزيجاً من الصفات البغيضة: هو متعجرفٌ، ويثق أن الأمور ستؤول لمصلحته، بينما يكتشف الجمهور مع تتابع الحلقات نزوعه إلى العنف، وخيانته الزوجية، وتجاهله لسياسات العمل. إنّه مذنبٌ إزاء أسرته وعمله، إلّا أن محرّك الأحداث يعتمد على البحث في إن كان مداناً بقتل عشيقته/زميلته، وذلك على حساب سؤال البحث عن القاتل. بذلك، لا يتخذ المسلسل بنيةً إجرائيّة تعاين الأدلّة والشهود والمرافعات، إنمّا تفاعل الشخوص وعلاقاتهم بناءً على ما يُكشف، ضمن أسرة المتّهم، وأيضاً التنافس المهني بين الادعاء الذي يضمر الضغينة للإدارة السابقة التي تشغل دور المتهم ولاحقاً الدفاع.
تنشغل الكاميرا بالمراقبة من وراء حجاب، ويلازم هذا التكوين البصري اللحظات الحرجة والاجتماعات المغلقة وسبل تعامل الفئات ذات الحظوة مع تهديداتٍ تهزّ كيانها، بالتالي لا حضور للسخرية. وتخلو المشاهِد من رصد المفارقة، فتقترب الكاميرا بحيادها من استراق السمع، من دون بصمةٍ على الحدث، أو فضولٍ يقوده الشكّ ليقتحم خصوصية الشخصيّات وما يتفلّت منها من سلوكيّات.
تبقى الشخصيات على مبعدة، فكأنما بعثت بها الروح عقب الجريمة، وتاريخ كلّ منها محض أسرار، ويخلو المسلسل من أي حبكاتٍ فرعية لا تتعلق بالجريمة، حتى أن حوار أي شخصيتين، سواء كانتا تتناولان الطعام أو بعد عملٍ جراحيّ، يتعلق بالضرورة بسير المحاكمة.
يكتفي المسلسل بالإشارة للتفاوت بين سابيتش الأب مع كلّ ما يحيط به من أدلّةٍ ظرفية، وابنه ذي البشرة الداكنة الذي تلتقطه كاميرا على مقربةٍ من مسرح الجريمة، من دون أن يستقصي أبعد من مشهدٍ وحيد لقلق الأم على ابنها بسبب عرقه.
لدينا هنا مادّة أدبية من الثمانينيّات تتمحور حول رهاب الوقوع في قفص الاتّهام لرجلٍ أبيض منتفع، وتتعرض إلى تنقيح حديث آني، يغيّر من عرق وجنس بعض الشخصيات، مع المحافظة على الأعراق المذكورة أصلاً في الرواية، ويتجنّب المسلسل أي تلميحاتٍ عنصرية أو متحيزة جنسيّاً واردةٍ في الأصل. يُضيف كذلك شخصيات جديدة ملوّنة، لكنه يُغفل بارانويا الشخصية الرئيسية، ويحاول إخراجها من خانة التصنيف العرقي. هكذا، يتبنّى العمل فكر شخصيته التي لا تشعر بتفوّقها، ويقتصر باستعراضه على هوسها اليائس بالبحث عن البراءة.
قد تبعث الآليات المتّبعة في تناول هذه الثيمات على بعض الملل، مع عزوف الجمهور التدريجي عن مواءمة قصص الإثارة مع القضايا السياسية والاجتماعية، وخاصة إن كانت المقاربة سطحية أو على عجالة تفتقر إلى الفرادة أو طرح الجديد بخصوص سرديّات كبرى. إلّا أن الحضور العشوائي يناقض الإطار المكاني والزماني للأحداث، أي شيكاغو الآن، مثل أن يصرّح ساقي الحانة الأسود أنّه متأثرٌ بأداء تيد دانسون من مسلسل "تشيرز" في إحدى المحاولات الهشّة لتوسيع رقعة الأحداث واستحضار مجتمعٍ يتحرك ضمنها، فيبدو العالم كأنّه تجاوز آثار الفروق العرقية التاريخية.
حضر الاقتباس الأول للرواية عام 1990، واضطلع هاريسون فورد بأداء الشخصية الرئيسية. حضر الفيلم تبعاً لشرط إنتاجه، وسط عقد من الأفلام المتتالية قليلة التكلفة، وعالية الدخل، وجاذبة لجمهور البالغين. أفلام تزاوج بين الإثارة والرعب والشبق، في تعليق اجتماعي على المخاوف التي تهدد سكينة الأسرة، وتهشّم صورة العائلة السعيدة إثر دخول مؤثّرٍ خارجي.
كان الاقتباس وفياً، وحافظ على هوية القاتل كما ذكر الكاتب. لعبت "أبل تي في بلس" على هذا الوتر في ترويجها للعمل، فأتاحت الحلقات جميعها عدا الأخيرة للنقاد قبل العرض الجماهيري الأسبوعي. واختتمت معظم المراجعات بالتساؤل إن كان الاقتباس التلفزيوني سيحيد عن الأصل، ويُلاحظ أن الحلقات ثنائية الخطاب تجاه جمهورٍ على معرفة مسبقة، وتجاه وافدين جدد يتعرّفون القصة، بالتالي جنح المسلسل إلى نثر الأدلّة التي تضلّل، بدل البناء المتوجّه لنقطةٍ لا بديل عنها.
ارتكزت طريقة العرض على الذروات في نهاية كل حلقة، وهذا أحد الأساليب الأثيرة في العروض التلفزيونية. خيارٌ سديد، حظي باستحسان الجمهور، وأسهم بتداول المنجز الفنّي خلال ثمانية أسابيع، اطردت بها أرقام المشاهدات.
تجدد المسلسل لموسمٍ ثانٍ قبل عرض الحلقة الأخيرة، ولا تزال تفاصيله غير معلنة، سواء كانت ستتبع نموذجاً أنثولوجيّاً لكل موسم، أم ستكمل تحويل الرواية اللاحقة "عبء الإثبات" المستقلّة عن أحداث الرواية الأولى، أم مجرّد استثمار بالكادر الفني المهيب، يستكمل الحكاية من دون استناد سوى على الشخصيات.
جاء قرار التجديد في وقتٍ ظهرت فيه خلاله تقارير أن محفظة "آبل تي في بلس" المشرّعة للإنتاج بدأت تنغلق، وسيُعلّق التجريب الذي مارسته خلال السنوات الأخيرة باستقطاب الأسماء السينمائية ممن يتخبّط مسارهم المهني بعض الشيء، والروايات الأكثر مبيعاً، التي لم تحظ باهتمام الجمهور. في وصفتها الناجحة أخيراً، تستنهض المنصة مسارات تراكم عليها الغبار، وتصل لتقديم نموذج بائت، مصقولٍ بالألق الذي يميّز منتجاتها، لكن بلا اختلاف جوهري عمّا هو سابق وموجود، وتم تجازوه.