جمهور كرة القدم في مواجهة جمهور المسرح

26 نوفمبر 2022
جمهور منتخب الأوروغواي في مباراة أول من أمس (ستو فورستر/Getty)
+ الخط -

أنجز المسرحي الفرنسي من أصول مغربية محمد الخطيب، عام 2017، مسرحية عنوانها "استيديوم" (Stadium)، يقارب فيها مفهوم "الجمهور"، ويقارن جمهور المسرح بجمهور كرة القدم.

وضع محمد الخطيب في نسختي العرض، الإنكليزية والفرنسية، مشجعي فرق كرة القدم على الخشبة بمواجهة جمهور المسرح. علاقة المواجهة هذه تقترح كثيراً من التساؤلات، خصوصاً أن العرض يسعى إلى المقارنة بين الجمهورين: الأول، أي مشجعي كرة القدم، الذين يجلسون في النور ويتفاعلون مع اللعب لحظة بلحظة، والثاني، جمهور المسرح، يجلس في الظلام الذي يتأمل صامتاً "اللعب" على الخشبة. المفارقة تتجلى عندما ندخل المسرح لحضور المسرحيّة، حيث "كل" الأنوار مضاءة، ما من أحد غارق في الظلام، ومن هذا الحضور والمواجهة، تظهر المقارنة والتساؤلات النقديّة حول طبيعة الفن واللعب والجمهور، تلك التي يمكن طرحها اليوم أثناء المونديال

الاختلاف الأول والأوضح يكمن في أن جمهور كرة القدم يجلس في الاستاد، المساحة المكشوفة، العلنية، هو يشاهد اللعب ويتأمل بعضه بعضاً، مشكلاً مادة غنية للكاميرات التي رصدت في مباراة السعودية ضد الأرجنتين كيف تلمس طفل رضيع وجه مشجع أرجنتيني. في حين أن جمهور المسرح "المعاصر" حبيس العلبة الإيطالية، يشاهد في الظلام وكأنه في حلم، ما من مساحة لتبادل النظرات أو الكلام. هو جمهور "مُخدر"، بعكس حيوية جمهور كرة القدم، الذي ليس فقط يشجع اللعب، بل يغيظ الجماهير المنافسة، الأمر الذي رأيناه بوضوح مع مشجعي منتخب قطر الذين أشعلوا المدرجات حماساً في المباراة الافتتاحيّة. 

اللافت أيضاً، في هذا السياق، أن جمهور كرة القدم، يتفاعل آنياً مع اللعب، بعكس جمهور المسرح الذي قد يضحك أثناء الأداء، وفي النهاية يصفق، فالمشجعون تعلو وتنخفض أصواتهم مع إيقاع اللعب، ويمدون اللاعبين بـ "الطاقة"، إلى حد إمكانية منعهم من دخول الملاعب. ففي هذا المونديال، مثلاً، منعت الأرجنتين سفر ستة آلاف مشجع وصفوا بـ"المشاغبين"، بسبب التهديد الذي يشكلونه، ناهيك عن أنه لا يمكن نسيان المباريات التي أجريت أثناء الحجر الصحي العالمي، تلك التي لم يحضرها جمهور، تعكس عمق المأساة التي شهدناها، وأثرها على اللعب. من دون جمهور المباراة جافة، أشبه بتدريب، ليس منافسة بين فريقين. حتى إن كثيرين امتنعوا عن مشاهدة المبارايات لأنه تفقد نكتها من دون جمهور.

حول العالم
التحديثات الحية

جمهور كرة القدم كتلة حيّة، مرئية، تستعرض نفسها، تتنكر وترقص، وتحتفل بشكلها، يحمل أفرادها هوياتهم الرياضية والوطنية بوضوح. وبعكس جمهور المسرح الذي يقع أثر الأداء عليهم بشكل فردي، فإن جمهور كرة القدم "جمهرة"، تتحرك في بعض الأحيان ككتلة واحدة، علامة على الانضباط وتقدير الجهد الجماعي. وهنا اللافت، فردانية المشجعين تخلقها الكاميرات التي تبث مباشرة لنا نحن المشاهدين من خلف الشاشات، لا حقيقة وجودهم في الملعب. الكاميرات "تصطاد" ذوي الأشكال الغريبة والأزياء اللافتة لتعرضهم أمامنا، أما ضمن المدرجات، فهم جزء من الكلّ. 

تلاشى من المسرح المعاصر حق الجمهور بإبداء رأيه باللعب/التمثيل/العرض، سواء مدحاً أو شتماً، في حين أن جمهور كرة القدم لا يتردد في التعليق على اللعب، وإبداء استيائه أو رضاه من مستوى اللاعبين العالي أو المنخفض. هذا الحق يحول مساحة الجمهور إلى ما يشبه الكرنفال، كل شيء يمكن توقعه، ما من علاقات قوة أو اختلافات اجتماعية أو سياسية بينهم، فالمواطن والضيف كلاهما ضمن نفس الكتلة، فرحهما واحد، واستياؤهما واحد، يُقيّمان "اللعب" أثناء حصوله. 

إن كان جمهور المسرح المعاصر يبحث عن التطهير، والمتعة التلصصية، ويحاول مغادرة العلبة الإيطالية ليستيقظ من الحلم، فجمهور كرة القدم مغروس في الواقع، بعضه يحطم ويخرب أماكن جلوسه، في حين أن البعض الآخر يعي أن خطأ واحداً من المشجعين قد ينسحب على الجميع، ناهيك عن عن الحمولة الوطنيّة التي تختزلها كتلة المشجعين كونهم يعكسون "أخلاق بلادهم". وهذا ما شهدناه أخيراً في مونديال قطر، حين قام مشجعو اليابان بتنظيف المدرجات، كجزء من أخلاقهم الرياضية، بل إن إحدى المشجعات قالت إن "اليابانيين لا يتركون القمامة خلفهم، نحن نحترم المكان".

المساهمون