الجدة آنا... رمز جديد للبروباغندا الروسية

09 مايو 2022
غرافيتي يظهر الجدة آنا حاملة العلم السوفييتي (تويتر)
+ الخط -

وجدت بروباغاندا الكرملين ضالتها في الجدة آنا إيفانوفنا، الأوكرانية المسنة التي تعيش مع زوجها على مسافة 12 كيلومتراً من الحدود الروسية في بلدة دفورشينسكي التابعة لمقاطعة خاركيف الأوكرانية، لتبرير غزو الدولة الجارة.
وبعد أسابيع من هيمنة رمز "زد" Z كشعار فخر لاجتياح أوكرانيا، التقف الإعلام الروسي الداعم للحرب مقطع فيديو بدأ تداوله بداية الشهر الماضي، من أجل منح الحرب وجهاً إنسانياً يلفت الأنظار عن الدمار الهائل والمجازر، ويعطي معنى إضافياً للاحتفالات بذكرى النصر على النازية الذي تحتفل فيه روسيا في التاسع من مايو/ أيار مع بلدان الاتحاد السوفييتي السابق. وفي أيام قليلة، ظهرت لوحات غرافيتية في مدن روسية عدة للجدة آنا، كما شيد أكثر من نصب تذكاري لها بأمر من السلطات في عدد من مدن، وتناقلت وسائل إعلام روسية أنباء عن دعوة ستوجه لها لحضور احتفالات عيد النصر في موسكو. 
الجدة آنا، بعلمها السوفييتي الأحمر الذي كان شعاراً أساسياً للانتصار في الحرب الوطنية العظمى (التسمية الرسمية السوفييتية والروسية للحرب العالمية الثانية)، اكتسبت شهرة واسعة بعد تداول الفيديو على نطاق واسع في إبريل/ نيسان الماضي، وظهرت فيه مع زوجها وهي تستقبل جنوداً ظنّت أنهم من الجيش الروسي، بعد أخرجت من بيتها علماً سوفييتياً رفعته وهي تتقدم إليهم، وتؤكد أنها كانت تنتظرهم وأنها تدعم الرئيس فلاديمير بوتين. ويظهر الفيديو الجنود وهم يعطون الجدة بعض الأطعمة التي قبلتها بعد إلحاح، وتغضب الجدة آنا حين يأخذ الجنود العلم ويلقون به أرضاً ويدوسون عليه، وتعيد لهم كيس الأطعمة، وتذكرهم بأنّ والديها حاربا تحت هذا العلم في الحرب العالمية.
ومنذ الساعات الأولى لانتشار الفيديو على وسائل التواصل الاجتماعي استغلت وسائل الإعلام الحكومية الروسية المقطع لتوجيه اتهامات للجيش الأوكراني بالتنمر على المدنيين الأوكرانيين من أصول روسية، وأعادت نشر المقطع كدليل على "توق الأوكرانيين للتخلص من النازيين". ومعلوم أنّ أحد أهداف العملية العسكرية الروسية، حسب الكرملين، هو تخليص أوكرانيا ممن تصفهم موسكو بالنازيين. ولم يقتصر الاستغلال للحادثة على الجانب الإعلامي، فقد استغلته روسيا دبلوماسياً؛ في 19 إبريل، قال النائب الأول لمندوب روسيا الدائم في مجلس الأمن، دميتري بوليانسكي، إنه ترجم فيديو الجدة آنا ووزعه على البعثات الدبلوماسية في نيويورك، وذكر أنّ الفيديو حظي بتعاطف وتفهم كثير من زملائه الدبلوماسيين. 
وعبر بوليانسكي، في تصريحات لقناة "يلافيوف لايف" على منصة يوتيوب، عن سعادته لأنه هذه القصة وجدت صدى واسعاً في روسيا وخارجها، ووصف فعل الجدة بأنه "عمل فذّ"، نظراً لأنها كان يمكن أن تواجه مصاعب، لكنّها "خرجت مع الراية (العلم السوفييتي)، ولم تغش، أو تتحايل بعد انكشاف حقيقة أن الجنود أوكرانيون، وواصلت الترويج لما تؤمن به، ورفضت استلام المواد الغذائية".
وعلى عجل، عملت السلطات المحلية في مدينة بيلغورود الحدودية مع أوكرانيا على تدشين نصب تذكاري للجدة آنا وهي ترفع علماً سوفييتياً ركب على التمثال. ومع محاولة المارة التقاط صور وحمل بعضهم العلم، أزالت السلطات النصب الأربعاء الماضي، في انتظار إيجاد موقع مناسب يكون أكثر ارتفاعاً. وفي مدينة فورونويج القريبة من الحدود مع أوكرانيا، بدأ نحاتون، بأمر من السلطات المحلية، منذ 22 إبريل، بإنجاز تمثال كبير من المتوقع أن ينتهي قبل التاسع من مايو/ أيار الحالي.
وفي ساخالين، الجزيرة الواقعة أقصى شرق روسيا، ظهرت لوحة غرافيتي للجدة آنا. وكان لافتاً ظهور شعار على أيادي المقاتلين الروس في أوكرانيا يحمل صورة الجدة بعلمها السوفييتي. وسارعت سلطات إقليم دونباس الانفصالي عن أوكرانيا إلى إصدار نحو ألف نسخة من طابع بريدي تذكاري خاص يحمل صورة الجدة آنا.

ووعد رئيس مؤسسة الفضاء الروسية "روسكوزموس"، ديمتري روغوزين، بنقل صورة الجدة آنا إلى الفضاء. وأعلن في صفحته على تطبيق تيليغرام أن صورة "السيدة المسنة البطلة" ستكون في أسرع وقت على هيكل واحد من الصواريخ الحاملة للأقمار الصناعية الروسية.  
وبالعودة إلى الأرض، حيث تواصل روسيا غزو أوكرانيا وتسعى للسيطرة على مناطق إضافية من ضمنها مقاطعة خاركيف، فقد ظهرت الجدة آنا مع زوجها مرة أخرى في قريتها في 3 مايو. ويظهر المقطع محاولة جنود أوكرانيين إقناعها مع زوجها لمغادرة منزلهم والانتقال إلى مدينة خاركيف بسبب اقتراب المعارك من مكان سكنهما. ولكن من الواضح أن الزوجين المسنين قررا البقاء في منزلهما، وسط تساؤلات من الجدة آنا عن سبب سماع أعيرة نارية قرب قريتها. 
ورغم نشر وسائل إعلام أوكرانية مقاطع فيديو لاحقاً للجدة آنا وزوجها وهما يتلقيان الرعاية في أحد مشافي مدينة خاركيف الأوكرانية، بعد اشتداد المعارك في قريتهما، تابع الكرملين دعايته لاستغلال الحادثة في الترويج لدعايته حول محاربة النازية في أوكرانيا.
 فقد أحضر النائب الأول لإدارة ديوان الكرملين سيرغي كرينكو تمثالا من الشمع إلى مدينة ماريوبول التي سيطرت على معظم أجزائها القوات الروسية، وقال في احتفال لوضع التمثال في أحد شوارع المدينة المدمرة "ظهر رمز آخر للنصر على الفاشية إنها الجدة آنا، الجدة آنيا (اسمان مختلفان يبدو أنه ذكر الاسمين تجنبا للخطأ)... للأسف لا نعرف الاسم الكامل لها، ولكننا سنعرف بالتأكيد، وكلي ثقة أنه ستكون هناك إمكانية لنقول لها شكراً وننحني لها لأنها بات رمزا حيا لاستمرارية الأجيال، واستمرارية النضال ضد النازية والفاشية... لقد أصبحت جدة لكل دونباس، وجدة لروسيا بأكملها".  


 

المساهمون