أعلنت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب اليوم الاثنين فرض حظر شامل على صادرات النفط الإيرانية، قائلة إنها لن تمنح إعفاءات جديدة للدول المستثناة من العقوبات المفروضة، وأنها ألغت الإعفاءات المؤقتة التي منحتها لثماني دول من كبار المستوردين في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي وحتى 2 مايو/ أيار، وهذه الدول هي : الصين والهند واليابان وكوريا الجنوبية وتايوان وتركيا وإيطاليا واليونان.
إعلان إدارة ترامب الصادم لأسواق النفط العالمية وكبار مستوردي الطاقة، يأتي في إطار تشديد العقوبات المفروضة على إيران والتي بدأت منذ انسحاب أميركا من الاتفاق النووي في شهر مايو/أيار 2018، وهدفها النهائي هو الوقف الكامل لصادرات نفط إيران، وبالتالي تجفيف إيرادات البلاد من النقد الأجنبي، وخنق الاقتصاد الإيراني وقطاعاته وأنشطته الحيوية ومنها النفط والطيران والبنوك، وتأليب الرأي العام على حكومة حسن روحاني.
كما تضغط واشنطن على إيران لكبح برنامجها النووي، ووقف دعم مسلحين في المنطقة العربية خاصة في سورية واليمن والعراق.
ومع فرض ترامب اليوم حظراً كاملاً على نفط إيران، فإن القرار لن يكون سهلاً على المجتمع الدولي وأسواق النفط العالمية، فالخطوة تضع العديد من الدول المستوردة للطاقة في مأزق شديد بما فيها حلفاء واشنطن وشركاؤها الاستراتيجيون مثل الهند، ثاني أكبر مستورد لنفط إيران بعد الصين، وكذا اليابان وكوريا الجنوبية.
كما تلحق الخطوة الضرر باقتصاديات بعض الدول التي تعتمد على نفط إيران كمصدر رئيسي للطاقة، ومن أكثر الدول تضرراً بالقرار تركيا التي أعلنت أكثر من مرة التمسك بنفط إيران لأسعاره المغرية وقربه الجغرافي، كما أكدت أنها لا تعتزم خفض وارداتها النفطية من إيران، بل العمل على زيادته.
وترتبط أنقرة وطهران كذلك باتفاقيات طاقة طويلة الأجل، فتركيا تستورد من إيران نحو مليون برميل نفط شهرياً، ونحو 40% من حاجاتها من الغاز الطبيعي، كما أن هناك اتفاقية تم توقيعها في العام 2001، تنصّ على تصدير الغاز الإيراني لتركيا بواقع 10 مليارات متر مكعب سنوياً ولمدة 25 عاماً.
وكذا الحال بالنسبة للعراق، إذ سيتضرر الاقتصاد العراقي من القرار الأميركي القاضي بفرض حظر شامل على القطاع النفطي الإيراني، وذلك في حال عدم حصول بغداد على استثناء من القرار كما تطلب، خاصة أن العراق يعتمد على الكهرباء والغاز المستورد من إيران، كما ترتبط الدولتان بعلاقات اقتصادية وتجارية قوية ظهرت بشكل قوي خلال زيارة حسن روحاني الأخيرة لبغداد.
القرار الأميركي سيؤدي أيضاً إلى زيادة أسعار النفط بسبب نقص المعروض، وهو ما ظهر اليوم حيث قفزت الأسعار بنسبة 3% لتصل لأعلى مستوياتها في العام الجاري.
وزيادة السعر مرشحة للتصاعد خاصة في ظل الاضطرابات التي تشهدها دول نفطية مثل ليبيا والجزائر وفنزويلا، وهو ما يعني زيادة أسعار المشتقات البترولية مثل البنزين والسولار.
وهذه النقطة تحديداً يتخوف منها ترامب وخاصة أنها قد تؤدي إلى زيادة التضخم داخل أميركا، ورفع كلفة الانتاج داخل المصانع والشركات وكذا حصول المواطن الأميركي على الوقود بسعر مرتفع، وهو مما يقلق ترامب خاصة في الفترات التي تسبق الانتخابات الرئاسية المقبلة.
وفرض حظر شامل على نفط إيران سيزيد أيضاً من منسوب حدة التوتر في منطقة الشرق الأوسط خاصة في منطقة الخليج، إذ هددت إيران أكثر من مرة بأنها لن تسمح بتصدير أي نفط من المنطقة عبر مضيق هرمز في حال وقف صادراتها النفطية.
ما يهم ترامب بالدرجة الأولى هو المواطن والاقتصاد الأميركي الذي يمكن أن يتضرر من قراره بشأن فرض حظر على نفط إيران، وما يهمه أيضا صناعة النفط الصخري في بلاده، خاصة وأن أميركا تراهن على إزاحة السعودية من موقعها كأكبر منتج للنفط في العالم.
ومصير قرار ترامب الخاص بفرض حظر شامل على النفط الإيراني قد يكون الفشل في حال حدوث قفزة في أسعار النفط عالمياً تؤثر سلبا على ناخبيه، وعدم التزام الدول المستوردة به.
ولحل هذه المعضلة، سيضغط ترامب مجدداً على السعودية والإمارات لتكرار ما حدث في الصيف الماضي، بحيث ترفع الرياض وأبوظبي الإنتاج النفطي لمستويات قياسية، وتعوّض الدولتان النقص المحتمل من اختفاء نفط إيران من الأسواق الدولية، وهو ما عبر عنه ترامب اليوم حينما قال إن السعودية ودولاً أخرى في أوبك "سيعوضون تماماً"، أي نقص في إمدادات النفط الإيرانية بالأسواق العالمية.
السعودية تدعم ترامب والاقتصاد والمواطن الأميركي من موازنتها العامة عبر زيادة إنتاجها النفطي، وبالتالي المساهمة في تهدئة أسعار النفط، لأن توقف صادرات النفط الإيرانية يمكن أن تتسبب في حدوث قفزات في الأسعار وهو ما لا يريده ترامب لأنه يضر بموقفه الانتخابي.