حمّال متاع المغاربة زهيد الأجر.. "طالب معاشو"

15 ابريل 2015
أحد العاملين في جر عربات الأمتعة بسوق مغربي (أرشيف/Getty)
+ الخط -

المهنة حمّال، ويطلق عليه المغاربة اسم "طالب معاشو".. لا يبدي تأففاً أو ضيقاً عندما تسأله عن مهنته، يحدثك بهدوء وابتسامة لا تفارق شفتيه، رغم التعب الذي ترك حمرة في عينيه، يظهر الكثير من النشاط والحيوية.

عبدالله الشلح، الخمسيني، اعتاد التقاط رزقه في سوق القريعة الشهير في الدار البيضاء، يدفع عربته التي تنوء بأحمال سلع شتى: أخشاب ونوافذ وأبواب نجارين، رزم ملابس مستعملة يعاد بيعها، خضر وفواكه اشتراها متسوقون، ولم يقووا على حملها.

يقضي عبد الله يومه في البحث عن لقمة العيش، عبر خدمة مرتادي السوق وأصحاب المحلات. ينقل السلع من محل إلى محل أو يحمل السلع إلى حيث ركن مرتادو السوق

سياراتهم، أو يوصلها إلى منازلهم، شريطة ألا تبعد كثيراً عن السوق.

وعندما تسأل عبد الله عما يجنيه من أموال من هذه الحرفة، وعما إذا كان ذلك يكفيه لسد حاجاته، يجيب " كل يوم ورزقه". لا يتفادى الإجابة، عندما لا يفصح عن رقم محدد، فهو كما أمثاله ممن يمارسون هذه المهنة، لا يحصّلون إيراداً محدداً، يرتفع أو ينخفض، حسب الرواج في السوق. وفي جميع الأحوال يبدون الكثير من القناعة التي يستمدونها من تلك القدرة على الصبر والتحمل.

عبد الله يؤكد أن ثمة أياماً لا يُسأل فيها عن خدماته، عندئذ يركن عربته ويتجول بين المحلات يتحدث مع أصحابها عن أحوال الدنيا، وخاصة كرة القدم، لكن في أيام أخرى يكثر الطلب على عربته، خاصة في عطلة نهاية الأسبوع، يومي السبت والأحد، والأيام التي تسبق الأعياد.

وفي كل الأحوال، يعتبر عبد الله أن لا بديل له عن هذه المهنة، خاصة أنه يعمل في سوق يعرف رواجاً كبيراً في أغلب فترات العام، ويعلمه جيداً على اعتبار أنه عمل فيه أكثر من 15 عاماً، بعدما ضاق ذرعاً بالبطالة.

عبدالله من الذين يطلق عليهم في المغرب "طالب معاشو"، أي من يلتقطون رزقهم بتقديم خدمات لمرتادي الأسواق الشعبية. اشتهروا أكثر في الأسواق التقليدية، حيث كانوا يجرون عربات يحملون عليها مشتريات الزبائن.

كنت تجدهم في الأسواق التقليدية وفي أسواق الجملة، وتلك التي يرتادها زبائن كثر من أسواق الخضر والفواكه واللحوم. مهما تقدمت بهم سنوات العمر، يستمرون في خدمة الناس، يجرّون العربات بالكثير من الصبر، يكظمون التعب ويبدون استعداداً كبيراً لتقديم خدماتهم. بعض الذين يعتبرون شباباً في الحرفة، اهتدوا إلى شراء عربات يدفعونها، هذا حال عبد الله، الذي يعتبر أن العربة المجرورة جد متعبة، خاصة في مسالك غير معبدة.

يعتبر سفيان كبران، المنحدر من الدار البيضاء، الذي عمل سنوات في أحد بازارات المدينة القديمة في فاس شمالي المغرب، أن طالب معاشو لا غنى عنه في المدن القديمة مثل فاس ومراكش، التي تشتهر أحياؤها بدروبها الضيقة التي تشبه المتاهة، حيث يصعب على السيارات دخولها.

هنا يتجلى دور "طالب معاشو"، الذي يستنجد به الناس، كي يعينهم على حمل أثقالهم. ينبه سفيان إلى أنه في مدينة فاس لا يقتصر الأمر على من يجرون أو يقودون العربات، بل منهم من يستعملون الدواب، ما دامت المسافات التي يقطعونها طويلة.

عندما تسأل خالد عبد النبي، الذي عرف سوق القريعة جيداً بحكم تردده على الجزء الخاص بالنجارة، عن شريحة "طالب معاشو"، يبدي الكثير من الإعجاب بقدرتهم على التحمل، خاصة الذين تجاوزوا سن الستين، لكن ضيق ذات اليد وعدم تمتعهم بأي تغطية اجتماعية، يدفعهم إلى الاستمرار في جر أو دفع عرباتهم المحملة بالسلع على مدار اليوم، مهما ثقلت.

يأسى خالد لحالهم، ويؤكد أن من بين هؤلاء من يستحقون أوسمة تحتفي بصبرهم الذي لا تنال

منه السنوات والصعاب وقصر ذات اليد.

خالد يؤكد أن الأعوام التي يقضونها في تلك السوق نسجت بينهم وبين التجار علاقات مبنية على الثقة، إذ يأتمنونهم على سلع ينقلونها إلى زبائنهم، ولا يتردد هؤلاء في تحميلهم أمانة نقل الأموال إلى أولئك التجار.

يستغرب كيف أن الحاجة لم توح لأحد منهم بالاستيلاء على تلك الأموال، فلا وثيقة يمكن أن يحتج التاجر أو الزبون بها ضدهم. الثقة رأسمالهم وأصلهم التجاري الذي يرفع الطلب على الأمناء والمتفانين منهم.

قبل أعوام كان "طالب معاشو"، الوحيد الذي يتولى نقل السلع من الأسواق إلى المحلات القريبة في الأحياء المجاورة، غير أنه اليوم أضحى يواجه منافسة كبيرة من وسائل نقل أخرى، منها "التوك توك المغربي"، الذي برز قبل أربعة أعوام، لكن "طالب معاشو" عبد الله يفسر استمرار مهنته بالأرزاق، فلكل واحد نصيبه في هذه الدنيا.


اقرأ أيضاً:
بقال الحي..ملاذ الأسر المغربية الفقيرة

المساهمون