قرّرت اللجان النيابية المشتركة في لبنان تعليق المناقشة بمشروع قانون "الكابيتال كونترول" الوارد من الحكومة والطلب منها إرسال خطة تعافٍ اقتصادية نقدية ومالية ومعها جميع القوانين المرتبطة بها برزمة واحدة ليعمد بعدها المجلس النيابي إلى مناقشتها وإقرارها.
واعتبرت "رابطة المودعين" أن العفو العام عن المصارف المسمى الكابيتال كونترول سقط اليوم، وهذا انتصارٌ جديدٌ للمودعين.
وعقدت لجان المال والموازنة، الإدارة والعدل، الاقتصاد الوطني والتجارة والصناعة والتخطيط صباح اليوم الثلاثاء جلسة مشتركة بدعوة من رئيس البرلمان نبيه بري، لمتابعة درس مشروع القانون الوارد بالمرسوم رقم 9014 الرامي إلى وضع ضوابط استثنائية ومؤقتة على التحويلات المصرفية والسحوبات النقدية بحيث ارتأت الأكثرية أن التشريع يستلزم وجود خطة تعافٍ من قبل الحكومة مرفقة بسلة من القوانين منها الكابيتال كونترول وإعادة هيكلة المصارف وغيرهما.
وبالتزامن مع انعقاد الجلسة، نظم ناشطون ومودعون وقفة احتجاجية أمام مدخل البرلمان رفضاً لمشروع قانون "الكابيتال كونترول" بالشكل والمضمون المقترحَيْن، معتبرين أن الصيغة التي تُدرَس تشرّع الاستيلاء على حقوق أصحاب الودائع ولا سيما الصغيرة منها وتحمي أصحاب المصارف، مشددين على رفضهم المطلق لها.
وبعد جلسة اللجان، قال نائب رئيس البرلمان الياس بو صعب إن "الكتل النيابية أجمعت على أنه حتى نتمكّن من التشريع يجب أن تكون الصورة كاملة أمامنا، من هنا على الحكومة أن ترسل خطة التعافي وارسال على ضوئها جميع القوانين المرتبطة بها لدرسها ومناقشتها وإقرارها ولو استلزم الأمر عقد جلسات ماراثونية قبل الظهر وبعده".
وشدد بو صعب على أننا لم نرفض المشروع أو نرفع تقريراً برفضه ولكن علّقنا المناقشة به، الجلسة كانت مثمرة والكرة الآن في ملعب الحكومة التي قالت لنا على لسان نائبها إن الخطة أصبحت شبه جاهزة، وهذا الأمر أصبح متاحا وقريبا، لذلك يجب ألا تشعر الحكومة بالضغط فالموضوع طارئ، حتى لا يبقى هناك استنسابية في التحاويل أو تعمل المصارف كما يحلو لها.
وقال بو صعب إننا "سألنا عن القانون المتعلق بإعادة هيكلة المصارف، فأتى الجواب من ممثل مصرف لبنان المركزي بأن العمل انتهى منه، وتبقى أن يأخذوا رأي صندوق النقد الدولي وعلى ضوئه يقدّمونه لنا".
وطالب عددٌ من النواب بحضور حاكم مصرف لبنان رياض سلامة شخصياً الجلسة بيد أن الرأي انقسم بهذا الإطار، وقال بو صعب إنه حصل اعتراض بأن المجلس لا يمكن أن يفرض على الحاكم الحضور شخصياً، ومؤسف اليوم أن المجلس لا يمكنه أن يستمع مباشرة للحاكم خصوصاً أن هناك استفسارات لدى النواب لا يستطيعون أخذ الردّ عليها.
بدوره، قال رئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل بعد الجلسة إنه "مرة جديدة بعد 3 سنوات، نفشل في تشريع ضبط التحويلات المالية للخارج، إضافة إلى عدم إقرار قانون استعادة الأموال المحوّلة للخارج"، مضيفاً: "يبدو أن التمسّك بإبقاء الاستنسابية بتحويل أموال بعض المودعين المحظيين وإبقاء النزيف المالي لا يزال أقوى منّا"، مشدداً على "ألا إرادة سياسية للإصلاح ولا أكثرية له في المجلس".
وقبيل الجلسة، عقد اجتماع تشاوري طارئ بين كتلة النواب التغييريين ورابطة المودعين جرت خلاله "مناقشة مشروع قانون الكابيتال كونترول المشوّه، وما يتضمّنه من عفو عام عن المصارف والمصرفيين وتأبيد لحجز الودائع، والتباحث في خطة المواجهة خلال الأيام المقبلة".
ألغام "الكابيتال كونترول"
وأكدت الرابطة على رفضها المطلق للقانون المطروح الذي، وفق تعبيرها، يأتي خارج خطة متكاملة للتعافي، ويتضمّن ألغاماً، منها ضرب استقلالية القضاء، منع المودعين من حق التقاضي المكفول بكافة مواثيق حقوق الإنسان، إعطاء عفو عام للمصارف، ضرب مبدأ فصل السلطات، حماية المصرفيين على حساب الدولة والناس والمودعين.
كما شددت الرابطة على أن القانون لا يتناسب مع متطلبات حلحلة الأزمة وصندوق النقد الدولي.
وتوالت مواقف النواب اليوم قبيل الجلسة، إذ أشار النائب في كتلة "التنمية والتحرير" (برئاسة نبيه بري) قاسم هاشم، إلى أن أي محاولة لإقرار قانون الكابيتال كونترول من دون ضمانات واضحة لأموال المودعين بعيداً عن نصوص لا تسمن ولا تغني، إنما يعتبر إمعاناً في سرقة الودائع والتفافاً على كل محاولات حماية أموال الناس.
ولفت هاشم إلى أن أي " نقاش يجب التعاطي معه بحذر ووفق ما يخدم الناس وودائعهم وكي لا يكون قانون كهذا حماية للمصارف تحت ذرائع واهية، والدولة مسؤولة أولاً وأخيراً والوصول إلى صندوق استثماري، ضمانة أساسية، وغير ذلك هرطقة وحبر على ورق".
من جهته، شدد النائب في كتلة "الجمهورية القوية" (تمثل حزب القوات اللبنانية برئاسة سمير جعجع برلمانياً) غسان حاصباني على أن القانون بشكله ومضمونه وتوقيته هو بمثابة تأميم لأموال المودعين، معبّراً عن رفضه له في غياب خطة تعافٍ متكاملة، تعالج تحديد الخسائر وتوزيعها وجدولة إعادة حقوق المودعين لدى المصارف.
بدوره، يشير النائب في كتلة التغييريين ميشال دويهي إلى أن مشروع "الكابيتال كونترول" المقدم من الحكومة يطلب حماية المصارف من دعاوى المودعين في الداخل والخارج، ويصنف الودائع بين قديمة وجديدة. القديمة منها وقيمتها نحو 100 مليار دولار مجهولة المصير.
التضحية بأموال المودعين
وقال إن "ثمة مخاوف من إقرار هذا القانون من دون إعادة هيكلة المصارف ورسملتها من جديد، ما يعني الاستمرار بصيغة البنوك الزومبي الحالية لفترة طويلة من الزمن، كما يأتي المشروع من دون أي رؤية لتوحيد أسعار الصرف".
ولفت دويهي إلى "أننا أمام إبراء ذمة للمصارف والمصرف المركزي والدولة على حساب المودعين، وأمام تشويه إضافي للمشهد النقدي والمصرفي، وسنتصدى لهذا القانون مع الناس وداخل جلسة اللجان المشتركة".
من جهة أخرى، كشف وزير الاقتصاد الأسبق رائد خوري في تصريح، اليوم، أنه منذ بدء الأزمة تم تبديد نحو 50 مليار دولار تعود للمودعين.
وقال: "المؤسف أن الطبقة السياسية نفسها التي بدّدت هذه الأموال من ضمن سياسات الدعم العشوائية تدعي اليوم حرصها على قدسية الودائع".
وأضاف خوري، وهو أيضاً من كبار المصرفيين، أن "بعض النواب الذين يدّعون الحرص على المحافظة على أموال المودعين وقدسيتها لم يقروا الكابيتال كونترول، كذلك أهملوا إقرار قانون يفرض على من اقترض بالدولار أن يسدد دينه بالفرش وليس تسديده بموجب شيك أو ليرة لبنانية ساهمت برفع نسبة خسارة المودع وقيمة هذه القروض نحو 50 مليار دولار".
وشدد على "ضرورة عدم الغاء (اللولار) حالياً كما يرد في مشروع قانون الكابيتال كونترول، لأنه رغم أن اللولار (تعبير لبناني عن العملة بعد أزمة الدولار) عملة ضعيفة فهو لا يزال سبيلاً لتسيير أمور المودعين"، معتبراً أن "إلغاءه راهناً سيجمّد الحركة الاقتصادية أكثر مما هي عليه الآن"، مطالباً "بمعالجته لاحقاً ضمن قانون خطة التعافي وتوزيع الخسائر".