استمع إلى الملخص
- تأثير الحروب الكبرى: شهدت الأسواق تقلبات أولية خلال الحروب العالمية والكورية والفيتنامية والخليج، لكنها تعافت بفضل الإنفاق العسكري الضخم.
- الأزمات الجيوسياسية الحديثة: بعد هجمات 11 سبتمبر، تعافت الأسواق بسرعة. حاليًا، تواجه تقلبات بسبب الاضطرابات في الشرق الأوسط، أسعار الفائدة، وإضراب الموانئ الأميركية.
تاريخيًا، أظهرت أسواق الأسهم الأميركية مرونة لافتة في مواجهة الأزمات الجيوسياسية الكبرى، بما في ذلك الحروب. وعلى الرغم من أن المواجهات العسكرية غالبًا ما تتسبب في اضطراب الأسواق على المدى القصير، إلا أن الأسهم الأميركية كانت قادرة على التعافي والازدهار في كثير من الأحيان على المديين المتوسط والطويل.
وعلى الرغم من الانخفاضات الأولية بسبب حالة عدم اليقين والخوف، فإن الإنفاق العسكري الضخم، والتحفيز الحكومي، وتعزيز الصناعات الدفاعية ساعدت الأسواق في كثير من الحالات على التعافي بل وتحقيق مكاسب. وهناك أمثلة كثيرة من الحروب العالمية تشير إلى أن الأسهم الأميركية تمتلك قدرة فريدة على التكيف مع الأزمات الجيوسياسية وتحويل التحديات إلى فرص للنمو.
وضربت إسرائيل في الساعات الأولى من يوم الأربعاء أهدافًا في غزة ولبنان لكنها لم ترد بعد على إيران. وأشارت التعاملات الأولية في بورصة نيويورك صباح الأربعاء إلى تراجع مؤشرات الأسهم الأميركية بأقل من ربع النقطة المئوية. وفي أسواق أخرى، اكتسبت العقود الآجلة للنفط أرضية، وتراجعت العقود الآجلة للذهب، بعد ارتفاعات قوية للمعدن النفيس والذهب الأسود مساء الثلاثاء. وارتفعت الأسهم المدرجة في هونغ كونغ، بنسبة تجاوزت 5% يوم الأربعاء.
وبينما كان بعض المؤسسات المالية وشركات إدارة الأصول يعمد لتخفيض انكشافه على الأسواق مع تزايد التوترات، كان هناك البعض الآخر الذي يترقب الفرص، أملاً تحقيق المكاسب الكبيرة.
ويقول المصرفي البريطاني الشهير ناثان روتشيلد، أحد أفراد عائلة روتشيلد المعروفة في عالم المال والأعمال: "اشترِ الأسهم عندما تكون الدماء في الشوارع"، في إشارة إلى أن أفضل وقت للاستثمار في الأسهم أو الأصول المالية هو عندما تكون الأسواق في حالة انهيار أو فوضى، لأن الأسعار تكون منخفضة بشكل كبير، مما يوفر فرصًا لتحقيق أرباح كبيرة عند تعافي الأسواق لاحقًا. ونستعرض هنا كيف تفاعلت الأسهم الأميركية مع الحروب الكبيرة التي شهدها العالم:
الأسهم الأميركية والحرب العالمية الأولى (1914-1918)
عندما اندلعت الحرب العالمية الأولى في عام 1914، شهدت أسواق الأسهم الأميركية اضطرابًا كبيرًا. وفي أغسطس 1914، أُغلق سوق نيويورك للأوراق المالية (NYSE) لمدة أربعة أشهر، وهو الإغلاق الأطول في تاريخه.
وخلال فترة الحرب، شهدت الأسواق حالة من عدم اليقين بسبب التأثيرات الاقتصادية العالمية. ومع ذلك، بدأت الأسهم الأميركية بالتعافي عندما أصبحت الولايات المتحدة مزودًا رئيسيًا للمواد الحربية للحلفاء، مما أدى إلى تعزيز النمو الصناعي.
وعلى الرغم من الصدمة الأولية، أنهى مؤشر داو جونز الحرب العالمية الأولى بزيادة ملحوظة. ففي الفترة من بداية الحرب حتى نهايتها، ارتفع مؤشر داو جونز الصناعي بنسبة تقارب 43%، وهو دليل على قدرة السوق على التكيف مع الظروف المتغيرة.
الحرب العالمية الثانية (1939-1945)
بدأت الحرب العالمية الثانية بتقلبات حادة في أسواق الأسهم الأميركية. ومع غزو بولندا في عام 1939، انخفض مؤشر داو جونز بنسبة 10% تقريبًا في الأسابيع الأولى. لكن دخول الولايات المتحدة الحرب في 1941 بعد الهجوم على بيرل هاربر غيّر مسار السوق.
ومع تعزيز الصناعة الحربية وزيادة الإنفاق العسكري، شهد الاقتصاد الأميركي طفرة غير مسبوقة، تسببت في ارتفاع أسعار الأسهم الأميركية بشكل كبير مع زيادة الطلب على المنتجات الصناعية.
وبحلول نهاية الحرب في 1945، كان مؤشر داو جونز قد ارتفع بنسبة 50% مقارنة ببداية الحرب. وأدت الحروب إلى تحقيق الولايات المتحدة فائضًا اقتصاديًا كبيرًا بفضل دورها منتجاً رئيسياً للعتاد العسكري.
الحرب الكورية (1950-1953)
شهدت الحرب الكورية، التي بدأت في عام 1950، تقلبات أولية في أسواق الأسهم الأميركية. وفي يونيو/حزيران 1950، بعد اندلاع الحرب، انخفض مؤشر داو جونز بنسبة 12%. ولكن مع بدء الولايات المتحدة بالإنفاق العسكري الضخم لدعم قواتها في كوريا، تعافت الأسواق سريعاً.
وبحلول نهاية الحرب في 1953، كانت الأسهم الأميركية قد تعافت تمامًا بل وسجلت مكاسب كبيرة. وشهدت فترة ما بعد الحرب الكورية بداية الطفرة الاقتصادية في الولايات المتحدة، وكان قطاع الشركات الصناعية الكبرى هو المستفيد الأكبر من هذا النمو.
حرب فيتنام (1955-1975)
تُعد حرب فيتنام من أطول الحروب التي خاضتها الولايات المتحدة، وكان لها تأثير معقد على الأسواق. في البداية، كانت الحرب تُدار بنفقات عسكرية ضخمة، مما أدى إلى ارتفاع أسعار الأسهم الأميركية في قطاعات معينة مثل الصناعات الدفاعية. ولكن مع استمرار الحرب وتزايد الإنفاق، زادت أيضًا الضغوط التضخمية.
وفي السبعينيات، شهدت الولايات المتحدة أزمات اقتصادية متتالية، منها أزمة النفط، ما أدى إلى تدهور كبير في أسواق الأسهم. وبحلول عام 1973، كان مؤشر داو جونز قد انخفض بنسبة 30% تقريبًا. وعلى الرغم من أن بعض الشركات استفادت من الحرب، إلا أن الاقتصاد الأوسع تأثر بشكل سلبي مع تزايد الأعباء الاقتصادية على الولايات المتحدة.
حرب الخليج (1990-1991)
مع غزو العراق للكويت في عام 1990، شهدت أسواق الأسهم الأميركية بداية متوترة، ففي أغسطس/آب 1990، انخفض مؤشر داو جونز بنسبة 18% بعد بدء الحرب. لكن مع تقدم العمليات العسكرية للتحالف بقيادة الولايات المتحدة ضد العراق، استعادت الأسواق قوتها سريعاً.
وبعد نجاح عملية "عاصفة الصحراء" وإخراج القوات العراقية من الكويت، تعافت الأسواق بشكل كامل. وبحلول نهاية 1991، كان مؤشر داو جونز قد ارتفع بنسبة 20% مقارنة بما كان عليه قبل الحرب. هذا يعكس مرة أخرى قدرة أسواق الأميركية على التعامل مع الأزمات العسكرية والتعافي منها.
هجمات الحادي عشر من سبتمبر (2001)
بعد هجمات 11 سبتمبر 2001، شهدت أسواق الأسهم الأميركية انخفاضًا حادًا، حيث أُغلقت سوق نيويورك للأوراق المالية لمدة أربعة أيام. وعند إعادة فتحها، انخفض مؤشر داو جونز بنسبة 14% في الأسبوع الأول. ومع ذلك، تعافت الأسواق في الأشهر التالية، مدفوعة بتعزيز الأمن وزيادة الإنفاق الحكومي في إطار ما أطلق عليه في الولايات المتحدة "الحرب على الإرهاب".
الأسهم الأميركية أم الاقتصاد؟
وإذا نظرنا إلى الأمر بمزيد من التفصيل، فإن ما يهم حقاً هو ما إذا كان الاقتصاد في حالة ركود أم لا. واتفق بعض المحللين على أن متوسط الأرباح على مدار 12 شهراً عندما تندلع حرب خارج فترة الركود هو 9.2%، فيما كان متوسط الخسارة على مدار 12 شهراً عندما تندلع حرب أثناء فترة الركود هو 11.5%. ومع تقديرات بنك الاحتياط الفيدرالي في أتلانتا لنمو الربع الثالث بنسبة 2.5%، فمن غير المرجح أن تكون الولايات المتحدة في حالة ركود حالياً.
وإذا نظرنا إلى مجموعة أوسع من الأحداث الجيوسياسية وردود فعل سوق الأوراق المالية، فإن الوصول إلى قاع السوق يستغرق عادة 22 يوماً، مع وقت تعافٍ يبلغ 47 يوماً، وفقاً لبيانات أبحاث شركة "إل بي إل" المتخصصة في الاستثمار، التي اطلعت عليها "العربي الجديد".
وبطبيعة الحال، فإن الاضطرابات في الشرق الأوسط ليست سوى مدخل واحد إلى مجموعة كاملة من المسارات المجهولة التي تتعرض لها سوق الأسهم الأميركية في الوقت الحالي، والتي تشمل الاقتصاد، وأسعار الفائدة، وإضراب الموانئ الأميركية والانتخابات.
ويقول آدم قبيسي، المحلل المالي الذي يعد نشرة مالية تحمل اسمه: "إذا جمعنا كل هذا، فسوف نجد أنفسنا أمام موقف ديناميكي للغاية يعتمد إلى حد كبير على توقعات الركود. فالأسواق التي تحتوي على العديد من الأجزاء المتحركة المختلفة تأتي دائمًا بتقلبات شديدة".