عيد الفطر في دول المغرب العربي: فرحة مرهقة بالمصاريف والديون

21 ابريل 2023
أسعار ملابس العيد للأطفال شهدت ارتفاعا كبيرا في تونس (ياسين غايدي/الأناضول)
+ الخط -

تتوالى مواسم الإنفاق المرهقة لجيوب الأسر في دول المغرب الذين يستعدون للعيد بضغوط إضافية على موازناتهم المنهكة بطبعها من مصاريف شهر الصيام وموجات الغلاء القياسي الذي تعيشه الأسواق.

تونس

تواجه الأسر التونسية هذا العام عيدا مكلفا، حيث قدرت منظمات مدنية تهتم بالمستهلك كلفة شراء ملابس العيد لطفل واحد بأكثر من 100 دولار ما قد يجبر الأسر على التداين لتلبية حاجياتها.

وشهدت أسواق تونس على امتداد شهر رمضان موجة غلاء قياسية رغم المحاولات الرسمية لكبحها عبر تكثيف فرق المراقبة الاقتصادية وتحديد الأسعار القصوى لعدد من المنتجات الزراعية ولحوم الدواجن.

بوادر الغلاء في الأسواق التونسية بدأت منذ أشهر حيث واصل التضخم نسقه التصاعدي لستة أشهر متتالية مسجلا معدلات قياسية لم تعرفها البلاد منذ ما يزيد عن ثلاثة عقود فضلا عما خلفته جائحة كورونا من آثار على حياة المواطنين ثم تبعات الحرب الروسية الأوكرانية التي تسببت بدورها في تدمير سلاسل التزويد.

اقتصاد عربي
التحديثات الحية

تقول التونسية وفاء اليوسفي إنها ستحتاج إلى ما لا يقل عن ألف دينار من أجل اقتناء مستلزمات عيد الفطر لأطفالها الثلاثة، مؤكدة أنها سحبت سلفة من المؤسسة التي تعمل بها لتلبية حاجيات أسرتها.

وتضيف اليوسفي في تصريح لـ"العربي الجديد": "الغلاء أتعب التونسيين كثيرا، لكن الأسر مجبرة على تلبية حاجيات العيد لأنه فرحة الصائم وفرحة للأطفال". وتؤكد المتحدثة أن أغلب التونسيين يواجهون المصاريف بالتداين لآجال قصيرة من البنوك.

وانتقدت اليوسفي عدم قدرة السلطات على السيطرة على الأسعار، معتبرة أن كل الإجراءات التي تم الإعلان عنها قبل شهر رمضان لم تنفذ ومنها تحديد أُثمان أصناف من الخضر والفواكه ولحوم الدواجن.

أما عن الملابس ومستلزمات الحلويات فقالت المتحدثة "حدث ولا حرج"، واصفة أسعار ملابس الأطفال هذا العام بالخيالية مقارنة بأجور التونسيين.

وقدرت المنظمة التونسية لإرشاد المستهلك معدل سعر بدلة الطفل الواحد في عمر الست سنوات بما بين 300 و350 دينارا أي ما بين 100 و115 دولارا في بلد لا يتجاوز معدل الدخل الفردي السنوي فيه 3319 دولارا حسب بيانات للبنك الدولي.

ويقول رئيس المنظمة التونسية لإرشاد المستهلك لطفي الرياحي إن البلاد تعيش موجة غلاء غير مسبوقة داعيا إلى ضرورة اعتماد آليات جديدة للحد من نزيف الغلاء.

قدرت المنظمة التونسية لإرشاد المستهلك معدل سعر بدلة الطفل الواحد في عمر الست سنوات بما بين 300 و350 دينارا أي ما بين 100 و115 دولارا

وأشار الرياحي في تصريح لـ"العربي الجديد" إلى مراكمة زيادة لا تقل عن 60 بالمائة في أسعار مستلزمات العيد خلال السنوات الثلاث الماضية، مؤكدا أن الزيادة المسجلة هذا العام لا تقل عن 25 بالمائة مقارنة بالسابق.

ويحمّل لطفي الرياحي المساحات التجارية الكبرى مسؤولية المضاربة بالأسعار والمشاركة في خلق تضخم مصطنع بسبب توظيف هوامش ربح عالية على حساب المنتجين والمستهلكين مطالبا بإعادة النظر في هيكلة الأسعار للحد من نزيف الغلاء.

بعد ستة عشر شهرا متتالية من الارتفاع، سجلت نسبة التضخم خلال شهر مارس/ آذار الماضي تراجعا طفيفا (من 10.4 في المائة خلال شهر فبراير/ شباط إلى 10.3 في المائة خلال شهر مارس/ آذار.

وفسّر الخبير الاقتصادي آرام بالحاج في تدوينة على صفحته الرسمية على "فيسبوك" "هذا التراجع بتباطؤ في معدل الزيادة في الأسعار، مؤكدا أن الانخفاض المسجل تقني بالأساسي ولا علاقة له بتحسن الإنتاج والإنتاجية أو بتحسن سعر صرف الدينار أو بارتفاع نسبة الفائدة المديرية او بأي معطى هيكلي".

ورغم مطالبة التونسيين السلطات بالتدخل لوضع حد لنزيف الغلاء وتحسين وضعهم المعيشي، إلا أن الوضع المالي لخزائن الدولة لا يقل صعوبة عما تعانيه جيوب التونسيين بسبب تواصل شح الموارد وبعثرة الرئيس سعيد أوراق ملف قرض صندوق النقد الدولي.

الجزائر

بدأت العائلات الجزائرية مع اقتراب عيد الفطر، في تغيير البوصلة "الإنفاقية" نحو كسوة العيد ولوازم الحلويات، التي تكلف أصحاب الدخل المتوسط خاصة، موازنة أخرى تثقل كاهل جيوبهم المنهكة بمصاريف شهر رمضان.

ومما يزيد من مخاوف الجزائريين هو ارتفاع الأسعار هذه السنة مقارنة بالسنوات الماضية، جراء تراجع الدينار الذي انزلق لمستويات تاريخية أمام الدولار، جراء انتهاج الحكومة الجزائرية سياسة كبح الواردات، يضاف إليها تشديد القيود على عمليات استيراد الملابس والأحذية، ما أثر على تدفق السلع الصينية والتركية.

في سوق علي ملاح أو "سوق البازار" كما يحلو للجزائريين تسميته في الجزائر العاصمة، اختفت ملابس الكبار من واجهات العديد من المحلات التجارية وحلت محلها ملابس الأطفال الذين تحرص الأسر على كسوتهم في عيد الفطر.

يقول كمال لبراوي الذي يعمل منذ عقدين في سوق "البازار" إن "كسوة الأطفال أنعشت السوق في الأيام الأخيرة من رمضان، علما أن الركود كان هو السمة الغالبة على النشاط التجاري منذ شهور".

اقتصاد الناس
التحديثات الحية

ويشير التاجر الجزائري في حديث مع "العربي الجديد" إلى أن "التجار استعدوا منذ مدة طويلة، لهذه اللحظة التي يتطلعون إليها كثيرا، حيث شرعوا في توفير السلع التي تستجيب للطلب، سواء عبر الملابس المقلدة المستوردة من الصين أو عن طريق تركيا".

ويقر كمال لبراوي بأن "الأسعار تعتبر مرتفعة مقارنة بالسنوات الماضية وذلك للقيود التي وضعتها الحكومة على عمليات الاستيراد، بالإضافة إلى تدهور قيمة الدينار، ما أثر على كلفة النقل التي ارتفعت بين 150 إلى 200 دولار "للشوالة" الواحدة (كيس من خيش تعبأ فيه الملابس)".

ومع بداية انتعاش سوق الملابس، بعد أيام من الركود بسبب تركيز الجزائريين على مصاريف رمضان، بدأت حمى غلاء الأسعار في الارتفاع في محلات بيع ملابس الأطفال التي تشهد إقبالا كبيرا من قبل المواطنين.

يقول رب الأسرة عز الدين كانون إن "ملابس الأطفال هذه السنة تبدو أسعارها مرتفعة مقارنة بالسنة الماضية، أكيد أن الجودة تتغير لكن على العموم هناك شعور بوجود غلاء".

وأضاف نفس المتحدث لـ "العربي الجديد" أن " العائلات باتت لا تستطيع أن توفق بين مصاريف شهر رمضان ومصاريف كسوة العيد وحلويات العيد، فأنا مثلا سأشتري ملابس لأبنائي الاثنين وزوجتي تتكفل بمصاريف العيد الأخرى لتجهيز المنزل وإعداد الحلوى".

من جانبه قال رضوان لوكيل إنه "يتقاضى راتبا قدره 26 ألف دينار (192 دولارا)، ولديه 3 أطفال يجب أن يشتري لهم ملابس العيد على الأقل بـ 5 آلاف دينار للطفل الواحد فيتبقى حوالي 11 ألف دينار (95 دولارا) لمصاريف الحلويات. وتساءل رضوان في حديث مع "العربي الجديد" عن "منطق السوق الجزائرية التي لا تعترف بالمناسبات الدينية ولا بالقدرة الشرائية للمواطن".

وأمام تفشي حمى الغلاء قبيل عيد الفطر، انتشرت ظاهرة أسواق الملابس المستعملة رغم حظرها قانونياً.

وحسب التاجر مصطفى مازوني فإن "أسعار "الشيفون" (الملابس المستعملة) تعتبر منخفضة بحوالي 40 بالمائة عن الملابس الجديدة، لذا تعتبر ملاذ الكثير من العائلات الجزائرية في هذه الأيام".

وأضاف نفس المتحدث لـ "العربي الجديد" أنه "يمكن ان تشتري كسوة العيد لطفل بين 2000 دينار (14 دولارا) و3000 دينار (22 دولارا)، وأحيانا أقل".

المغرب

"ليلنا مثل نهارنا في هذه الأيام" هكذا علق سائق التاكسي وهو يرقب حركة السير البطيئة في شارع محمد السادس بالدار البيضاء، الذي غص بالباعة الذين يعرضون السلع أمام المحلات.

يضيف السائق الستيني، وهو يشير إلى المارة الذين يدلفون إلى الأزقة المؤدية إلي القيسارية حيث محلات بيع الألبسة "كان الله في عون الأسر التي تبحث عن كسوة العيد لأبنائها في هذه الأيام".

تؤكد الأم زينب الأربعينية، أنها قضت اليومين الأخيرين قبل عيد الفطر في البحث عن كسوة عيد في مستوى موازنتها التي تأتت من مدخراتها بعد ارتفاع الإنفاق على الغذاء في رمضان بسبب مستوى الأسعار.

وتوضح أن العديد من الأسر تركز على تلبية نفقات الغذاء في رمضان، قبل الشروع في الأسبوع الأخير بالبحث عن كسوة العيد، التي تعتبر أن أسعارها ارتفعت في العام الحالي.
وتشير المندوبية السامية للتخطيط الحكومية، في تقريرها الصادر أمس الخميس، حول الرقم الاستدلالي عند الاستهلاك الخاص بشهر مارس/ آذار، إلى أن أسعار الملابس والأحذية ارتفعت بنسبة 4.9 في المائة.

يقول المسؤول بمحل لتجارة الألبسة بالدار البيضاء، توفيق فرتوح، إن أسعار الألبسة، ارتفعت في الأشهر الأخيرة، حيث يؤكد أنها زادت في محلات الجملة بسوق القريعة بما بين 10 و20 في المائة.

ويضيف أن ارتفاع الأسعار مرده إلى زيادة تكاليف الإنتاج مثل الخيط والأثواب، مشددا على أن أغلب مكونات الألبسة المنتجة محليا يتم استيرادها، ما يؤثر على التكلفة.

ويشير إلى أن أسواق التجزئة ارتفعت أسعارها، حيث لم تطبق تنزيلات ملحوظة بمناسبة العيد، خاصة أن التجار يحاولون تدارك الركود الذي عانى منه نشاطهم منذ الأزمة الصحية.

ويراهن المنتجون المحليون على الأعياد التي يتم الإقبال فيها على تأمين كسوة العيد من قبل الأسر. فقد أكدت الجمعية المغربية للنسيج والألبسة، أن القطاع يحقق رقم معاملات في حدود 6.4 مليارات دولار، معبرة عن الاعتقاد بأن تلك الإيرادات يمكن أن تتجاوز ذلك المستوى لو أدمج فيه القطاع الرسمي الذي ينشط عبر الاستيراد والإنتاج والملابس المستعملة.

المساهمون