بيتكوين... الفقاعة المنطقية

24 فبراير 2021
ارتفاعات قياسية للعملة المشفرة منذ بداية العام (Getty)
+ الخط -

بعد أكثر من عامٍ من الارتفاعات المتواصلة، شهدت الساعات الأخيرة من الأسبوع الماضي وصول العملة المشفرة بيتكوين إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق، مرتفعةً بقيمتها السوقية لأكثر من تريليون دولار، وتاركة المتعاملين في أسواق المال بين منتشٍ بارتفاع قيمة استثماراته لمستويات قياسية متتالية، وحزين لعدم لحاقه بالقطار فائق السرعة قبل انطلاقه، وثالثٍ يقف معه، ويتمنى لو كان مع الأول.

وبعد أن كانت قيمتها السوقية لا تتجاوز مائتي مليار دولار قبل ستة أشهر فقط، سجلت أولى العملات المشفرة وأكبرها صباح الجمعة سعر 53.7 ألف دولار السحري للوحدة الواحدة، لتصل بالقيمة الإجمالية لكل الوحدات المتداولة منها إلى تريليون دولار، لتواصل تحليقها متجاوزة سعر 56 ألف دولار في الساعات الأخيرة من يوم الجمعة بتوقيت نيويورك، ثم لتتجاوز مستوى 58 ألف دولار خلال عطلة نهاية الأسبوع، قبل أن تشهد بعض التراجع في الساعات الأولى من أول أيام عمل الأسبوع.

ورغم عدم وجود أهمية حقيقية للرقم الذي يتكون من اثني عشر صفراً على يمين الواحد، إلا أنه بالتأكيد مَثَّل علامة فارقة في مشوار بيتكوين لتحقيق حلم من تبنوها قبل عقدٍ كامل في تحد للدولار ولعْب دورٍ في تسوية المعاملات الدولية، كما الاستحواذ على حصة من احتياطيات النقد الأجنبي للدول، بعد تجاوز قيمة وحدات العملة مجتمعة القيمة السوقية لشركة فيسبوك، صاحبة موقع التواصل الاجتماعي الشهير، واقترابها من الوصول إلى قيمة شركة ألفابيت، الشركة الأم لمحرك البحث واسع الانتشار غوغل، وربما عملاق تجارة التجزئة الإلكترونية أمازون، حال استمرار سعرها في الارتفاع على النحو الذي شهدناه خلال الشهور الأخيرة.

وأرجع محللون تواصل تسجيل المستويات القياسية لسعر العملة إلى توالي إعلان الشركات الأميركية الكبرى، وبصفة خاصة المؤسسات المالية، عزمها الاستثمار فيها وإتاحة الفرصة لعملائها لتسوية معاملاتهم بها، كما الاحتفاظ بها وتحويلها.

وفي واحدة من مدوناته الصوتية التي يوجهها لعملاء مصرفه، أكد جيم ريد، مسؤول الأبحاث في دويتشه بنك الألماني، أن العملة المشفرة بدأت في التوسع لدرجة أصبحت بذاتها تخلق مزيداً من الطلب عليها، بعد أن بدأت الشركات الأميركية الكبرى في الدخول في معقلٍ لم تكن لتتطرق إليه قبل عدة أشهر، مضيفاً أنه "من المفارقات أن بيتكوين جعلت من الاستثمار فيها استثماراً مقبولاً ومأموناً، فقط من خلال قفزات سعرها، وتوسع الشركات في قبولها والاستثمار فيها، كما شهدنا في الآونة الأخيرة".

وشبه آدم ليفاين، المسؤول عن المدونات الصوتية في موقع كوين دسك المهتم بالعملات المشفرة، بيتكوين بالطفل الذي كان يلعب بالحجارة والعصي في الشارع القريب من بيته، والذي بدأ بعد ذلك بعشر سنوات في الممارسة الجادة لأهم لعبة في عالم الرياضة، والتفوق فيها.

وقال ليفاين: "الجدوى الأولية مهمة، والقبول الواسع لدى المستثمر العادي مهم أيضاً"، مشيراً إلى أن المؤسسات الأميركية بدأت الدخول القوي في اقتصاد بيتكوين، في لحظة تشهد تعرض الدولار الأميركي لضغوط غير مسبوقة.

وشهدت الأيام الأخيرة رضوخ مجموعة من كبار رجال المال والاستثمار لقوة العملة المشفرة، واضطرارهم إلى السماح لمؤسساتهم بالاستثمار والتعامل فيها، وعلى رأس هؤلاء جيم دايمون، رئيس بنك جي بي مورغان، أكبر بنك أميركي، وأهم رؤساء البنوك في الولايات المتحدة، والوحيد منهم الذي احتفظ بمنصبه بعد الأزمة المالية الكبرى في 2008 ـ 2009 وحتى الآن، الذي اعتبر أن بيتكوين هي واحدة من أكبر عمليات النصب في التاريخ، وهدد أي موظف لديه بخسارة وظيفته لو تعامل بها، إلا أنه اضطر أخيراً للسماح لعملائه بالاستثمار فيها، وتعمل عدة إدارات في البنك حالياً على إيجاد منصات تسمح بتداول العملة الافتراضية بيعاً وشراءً وتحويلاً.

لكن هذه الآراء لا تمثل كل المتخصصين في الاستثمار والاقتصاد بوجه عام، فهناك فريق لا يزال لا يتقبل فكرة الاستثمار في العملة التي اقتربت حالياً من ضعف قيمتها عند بداية العام قبل أقل من شهرين.

وفي مقدمة هؤلاء يأتي نوريال روبيني، أستاذ الاقتصاد في كلية سترن للأعمال في جامعة نيويورك، الذي اعتبر أن بيتكوين مجرد "فقاعة محققة لنفسها"، مؤكداً أن ارتفاع سعرها يرجع إلى عمليات منظمة من التلاعب، حيث يتفق العديد من كبار المضاربين حول العالم بالدخول لشرائها، فيتبعهم آخرون على غير علم، لا تتحكم فيهم إلا الرغبة في الثراء السريع والخوف من فوات الفرصة، فيرتفع السعر على النحو الذي نراه.

رأي روبيني مهم، نظراً لعلم الرجل وخبرته وسنوات عمره التي أفناها في دراسة وتدريس الاقتصاد، إلا أنه تنقصه مواكبة التطورات التي حدثت خلال السنوات الأخيرة، والتي ما زال الكثير من كبار المحللين (سناً)، وبصفة خاصة المتحفظون منهم، غير قادرين على استيعابها، الأمر الذي دعاهم مراراً للتحذير من الاستثمار في بيتكوين، قبل أن ترتفع ثلاثمائة في المائة على أقل تقدير بعد بداية تحذيراتهم، تماماً كما استمروا في التحذير من ارتفاعات أسعار الأسهم الأميركية، قبل أن يتضاعف أغلبها منذ لحظة تحذيرهم منها، خلال فترة بداية ظهور الفيروس في الولايات الأميركية.

الارتفاعات التي حدثت في سعر بيتكوين، والسرعة التي حدثت بها، تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أنها فقاعة، تشبه فقاعة زهرة التوليب خلال القرن السابع عشر، وفقاعات أخرى كثيرة، مثل فقاعة سعر ورق التواليت مع بداية كوفيد-19، وأسعار تذاكر مباريات كرة القدم خلال كأس الأمم الأفريقية التي نظمتها مصر عام 2006، وأسعار تذاكر مباريات الدوري الإنكليزي كل أسبوع قبل منع الجماهير من الحضور، وغيرها كثير.

فقاعة بيتكوين تشبه كل شيء تحكمه قواعد العرض والطلب، أي كل شيء بالفعل. لكنّ هناك اختلافاً وحيداً يميز فقاعة بيتكوين، وهو ما رأيناه أخيراً من إرهاصات قبول حكومي/مؤسسي/سياسي عام للعملة المشفرة، وبدايات تهديد للدولار كعملة التسويات الدولية الرئيسية، وهو ما يجعل فقاعة بيتكوين فقاعة منطقية، جاءت لتبقى بعض الوقت، أو ربما لتبقى فقط.

المساهمون