البداية قد تنطلق من روسيا والعملات المشفرة، وتمتد لاحقاً للدول النامية الأكثر اقتراضا وكذا لأسواق وسلع ومعادن أخرى.
فما يحدث الآن في روسيا من هروب لرؤوس الأموال والاستثمارات الأجنبية وتهاو في البورصة الروسية وتراجع قيمة عملة الروبل لا يرجع فقط للمخاطر الجيوسياسية، وتأكيد واشنطن المستمر أن خطر الغزو الروسي لأوكرانيا "لا يزال وشيكا".
وإنما هناك عامل آخر مهم دخل على الخط وهو تحركات مجلس الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي)، نحو رفع الفائدة على الدولار، والتي من المتوقع أن تكون بمعدل 4 مرات في 2022، وبدءا من شهر مارس المقبل.
إذا تم رفع الفائدة على الدولار بسرعة وبمعدل يفاجئ الأسواق، فإن هروب الأموال والاستثمارات لن يقتصر على روسيا وإنما سيمتد لكل الأسواق الناشئة
وإذا تم رفع الفائدة على الدولار بسرعة وبمعدل يفاجئ الأسواق ويفوق 2% مثلاً، فإن هروب الأموال والاستثمارات لن يقتصر فقط على روسيا، وإنما سيمتد إلى باقي أسواق الدول الناشئة التي تعاني من فجوات تمويلية بالدولار والنقد الأجنبي، أو تعتمد على الاقتراض الخارجي في علاج عجز الموازنة العامة ودعم عملتها المحلية واستقرار سوق الصرف، أو في سداد أعباء الديون الخارجية وتمويل فاتورة الواردات.
وما حدث في سوق العملات المشفرة، خاصة بيتكوين، من تهاو للأسعار خلال الأيام الماضية، وربما الدخول في عصر "التجمّد" في الفترة المقبلة، وفق توقعات مؤسسات مالية، لا يرجع فقط إلى تنامي التوترات السياسية والأزمة الأوكرانية، وإنما إلى الإشارات الكثيرة التي بعث بها الفيدرالي الأميركي والمتعلقة برفع الفائدة ربما في أسرع وقت، مع تشديد السياسة النقدية لمكافحة التضخم.
وما يهدد العملات الرقمية أيضا هو بدء البنوك المركزية العالمية في وضع قواعد مشددة لتنظيم التعامل بها، ما يجعل مستقبلها قاتماً، وفق تقرير بموقع "بيزنس إنسايدر" نشر يوم السبت الماضي، وأكد أن "العصر الجليدي" لتلك العملات قد يأتي مع خفض البنك المركزي الأميركي دعمه للأسواق وللاقتصاد، ورفع الفائدة.
باتت الأنظار تتجه أكثر نحو مقر الفيدرالي، فقرار رفع الفائدة أهم للأسواق ربما من أزمة سياسية، أو حتى اندلاع حرب في أوكرانيا
إذاً بات العالم يترقب إطلاق صافرة رفع الفائدة على الدولار والتي ستسبب تغيرات حادة في الأسواق النامية، حيث تحرك مليارات الدولارات من دولة لأخرى، ومن بورصات بالدول النامية إلى أسواق مال أكثر استقرارا في الدول المتقدمة، وربما تتسبب في إفلاس دول وتعثر حكومات وتعويم عملات، واندلاع موجة غلاء لم يشهدها العالم منذ سنوات.
وبعد أن كانت أنظار المستثمرين تتجه نحو أزمة أوكرانيا، واحتمالات "الغزو" العسكري الروسي، ومخاوف أوروبا المتزايدة من تداعيات الأزمة على إمدادات الطاقة، باتت الأنظار تتجه أكثر نحو مقر الاحتياطي الفيدرالي في واشنطن، فقرار رفع سعر الفائدة بات أهم للأسواق والمستثمرين ربما من أزمة سياسية بين الغرب وروسيا، أو حتى اندلاع حرب في أوكرانيا.
والمخاطر الاقتصادية والمالية قد تتفوق على المخاطر الجيوسياسية في الفترة المقبلة، خاصة في ظل المتاعب التي تعاني منها معظم حكومات العالم بسبب استنزاف جائحة كورونا لموارد الدول سواء المحلية أو الدولارية، وعدم وجود أفق لأسوأ أزمة صحية شهدها التاريخ الحديث.
العالم كله ربما سيدخل خلال الفترة المقبلة حالة أقرب إلى الغموض وعدم اليقين في ظل توقعات بزيادة التضخم، خاصة أسعار النفط والغاز والأغذية، وتنامي المخاطر.
وبالتالي فإن على الحكومات الاستعداد مبكرا لمرحلة وصفها كل من صندوق النقد والبنك الدولي والأمم المتحدة بالمضطربة.