العالم قاب قوسين أو أدنى من أزمة غذائية طاحنة

12 يونيو 2022
التشاؤم يطغى على سوق الغذاء العالمي (حسين بيضون/العربي الجديد)
+ الخط -

عاد التشاؤم يطغى مرة أخرى على سوق الغذاء العالمي، يغذي هذا الشعور احتمالات تعطل الإمدادات من الغذاء والوقود والأسمدة.

وعادت أزمة نقص الحبوب من قمح وذرة وشعير وغيره لتطل برأسها وبقوة من جديد وسط تحذيرات من صدمة غذائية جديدة ومجاعة عالمية واسعة النطاق، مع تعثر المفاوضات الأخيرة بين روسيا وأوكرانيا بشأن "الممرات الآمنة" وتدشين ممر بحري لصادرات الحبوب الأوكرانية، وعرقلة موسكو خطط الأمم المتحدة إعادة تصدير القمح والحبوب عبر الموانئ الأوكرانية، وإصرار روسيا على شرط رفع العقوبات الغربية قبل السماح لأوكرانيا بإعادة تصدير القمح وإزالة الألغام من موانئ التصدير الواقعة على البحر الأسود.

حتى محاولات تصدير الحبوب الأوكرانية عبر بولندا ورومانيا لا تزال تواجهها عقبات شديدة. 

تعثر مفاوضات أنقرة التي سعت إلى استئناف تصدير الحبوب من موانئ أوكرانيا على البحر الأسود، ودفع البلدين المتحاربين لتخفيف أزمة الغذاء

وباتت الصورة داخل أسواق الحبوب مظلمة إلى حد كبير مع تراجع الاحتياطي والمخزون، وتحمل علامات مقلقة أكثر من أي وقت مضي من منظور القائمين على الأمن الغذائي، حيث يشهد العالم بوادر أزمة غذائية حادة مع مواصلة الحرب الروسية على أوكرانيا، وارتفاع أسعار المواد الغذائية إلى معدلات قياسية، وزيادة أسعار القمح بأكثر من 60% منذ شهر فبراير/شباط الماضي، وارتفاع أسعار الزيوت النباتية بأكثر من 40%، كما قفزت أسعار القمح الأوروبي بنسبة 52% والسعر القياسي لزيت النخيل 25% منذ شهر يناير/ كانون الثاني.

زاد الصورة ظلمة فشل الأمم المتحدة والولايات المتحدة في إقناع نحو 35 دولة حول العالم فرضت حظراً على صادراتها من الحبوب بالعدول عن قرارها، وتعثر مفاوضات أنقرة التي جرت نهاية الأسبوع الماضي وسعت إلى استئناف تصدير الحبوب من موانئ أوكرانيا على البحر الأسود، ودفع البلدين المتحاربين لتخفيف أزمة الغذاء.

انفوغراف 2
زادت نسبة الواردات الغذائية بعد ارتفاع الأسعار (البنك الدولي)

مؤشرات هذا القلق ظهرت بشكل واضح في التصريحات الأخيرة لعدد من كبار المسؤولين الدوليين، فيوم الجمعة أطلق رئيس الاتحاد الأفريقي، رئيس السنغال ماكي سال، تحذيراً شديداً قال فيه إنّ أفريقيا ستواجه مجاعة خطيرة للغاية، إذا لم تُستأنف صادرات القمح من أوكرانيا إلى القارة، وأن المجاعة قد تزعزع استقرار القارة.

وجاءت تصريحات سال عقب اجتماعه مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في العاصمة موسكو، حيث طلب منه مساعدة أفريقيا في الحصول على الحبوب والأسمدة، لكن لا أحد يعرف مصير الطلب وموقف الكرملين، ومدى نجاح الرجل في التوسط بين الدولتين المتحاربتين.

المتحدثة باسم برنامج الأغذية العالمي: مخاوف من أزمة جوع قادمة على مستوى العالم، قد تكون الأخطر في التاريخ الحديث

كما حذرت الأمم المتحدة، من أنّ نحو 18 مليون شخص في منطقة الساحل الأفريقي يواجهون خطر انعدام أمن غذائي حاد مع خفض الحصص الغذائية المخصصة لهم بسبب نقص التمويل.

وقبلها بأيام حذر منسق الأمم المتحدة للأزمات في أوكرانيا، أمين عوض، من أنّ المأزق في البحر الأسود يهدد الأمن العالمي للسلع والغذاء، وأنّ انعدام الأمن الغذائي سيصبح أكثر إثارة للقلق، حيث يواجه 1.7 مليار شخص خطر زيادة الفقر بسبب الأزمة في أوكرانيا.

بل إنّ المتحدثة باسم برنامج الأغذية العالمي، عبير عطيفة، توقعت سيناريو أسوأ حيث قالت إن مخاوف من أزمة جوع قادمة على مستوى العالم، قد تكون الأخطر في التاريخ الحديث، وأنّ الأزمة تتزامن مع اضطرابات على الصعيد الدولي لا سيما الصراعات وتغيّر المناخ وارتفاع أسعار المواد الغذائية والوقود لأرقام غير مسبوقة.

انفوغراف 1
ارتفعت الأسعار بنسبة كبيرة خلال الأشهر الأخيرة (البنك الدولي)

ليست الحرب وحدها وإصرار بعض الأطراف على استمرار اشتعالها هي ما تثير مخاوف الجميع من نقص حاد في القمح والحبوب، وتؤدي إلى تدهور الأمن الغذائي في البلدان الفقيرة والمستوردة للحبوب، بل دخلت عوامل أخرى، منها مثلاً إعلان دول عدة إيقاف تصدير الحبوب، وظهور موجة حر قياسية أضرت بإنتاج المحاصيل خاصة في الهند ثاني أكب منتج للحبوب، وزيادة تكلفة مدخلات الزراعة مثل الأسمدة، وهو ما يحد من قدرة المزارعين على توسيع الإنتاج، وهو ما أشارت إليه منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة.

في ظل زيادة المخاطر الجيوسياسية الناتجة عن الحروب والنزاعات، وإصرار موسكو على عرقلة صادرات الحبوب الأوكرانية، وتنامي الصدمات الاقتصادية الناتجة عن التضخم ومتحورات كورونا والدولار القوي ورفع الفائدة، والظواهر الجوية المتطرفة مثل التصحر والجفاف، لا تبدو في الأفق القريب بوادر لحلّ أزمة الغذاء العالمية التي باتت تهدد الملايين حول العالم.

المساهمون