"قسنطينة عاصمةً للثقافة العربية 2015".. قبل الاختتام

30 مارس 2016
(أحد جسور المدينة، تصوير: جمال غزال)
+ الخط -

مع دخول شهر نيسان/ أبريل، ستكون "قسنطينة عاصمة الثقافة العربية 2015" قد بدأت بعدّ آخر أيّام عمرها الذي امتدّ على مدى 12 شهراً، حضر فيها الفعل الثقافي بمستويات متفاوتة، لكنه، بالتأكيد، لم يكن في حجم الجدل الذي أثير حولها حتّى قبل انطلاقتها، ثم استمرّ في مناسبات ومحطّات مختلفة.

طيلة تلك الفترة، تبدو التظاهرة وقد سارت على ثلاثة مستويات مختلفة: الإعلام الذي لم يرَ فيها إلّا عيوبها وهفواتها، والمسؤولين الذين يصرّون على أن الحدث الثقافي حقّق نجاحاً باهراً، والمواطن القسنطيني الذي جرت أطوار السنة الثقافية وأحداثها بمعزل عنه، حتّى أنك إذا سألت أيّ مواطن تلتقي به في الشارع صدفةً عن "عاصمة الثقافة"، فسيجيبك: "سمعنا عنها الكثير، ولم نرَ منها شيئاً". أو في أحسن الأحوال: "لم نر منها إلّا القليل".

ليس ثمّة أرقام دقيقة عن مدى تفاعل المواطنين مع الحدث، لكن المؤشّرات تقول إنه دون المستوى المأمول من تظاهرة تُخَصّص لها ميزانية ضخمة من المال العمومي وتُقام على مدار السنة. إن كان الصحافيون والمتابعون أنفسهم عانوا من صعوبة في متابعة مختلف الفعاليات ومعرفة الأنشطة المقامة في إطار التظاهرة، فكيف هو الحال بالمواطن البسيط؟

هل المشكلة في المواطن نفسه، المواطن المتّهم دائماً بأنه يعزف عن الثقافة، ولا يعيرها شيئاً من اهتماماته التي يوجّهها إلى مجالات أخرى، أم أنها تتعلّق بغياب استراتيجية تجعل منه محور أيّ فعل أو نشاط ثقافي، رغم أن "التظاهرات الثقافية الكبرى" لم تعد، اليوم، موضةً جديدة على الجزائر التي استضافت الكثير منها في السنوات العشر الأخيرة؟

بالطبع، لا يبحث المسؤولون عن إجابة لهكذا سؤال، بل إنهم لا يطرحونه أصلاً، بما أنهم متأكّدون بأن التظاهرة نجحت وحقّقت أهدافها وانتهى الأمر. مؤخّراً، قال وزير الثقافة، عز الدين ميهوبي، إن "نجاح عاصمة الثقافة العربية يعود إلى عدّة عوامل؛ في مقدّمتها دعم رئيس الجمهورية للثقافة والفعاليات الكبرى، وجهود مختلف الهيئات الثقافية، وتفاعل المواطنين مع الحدث الكبير". لم يعلن الوزير عن نجاح التظاهرة، بل ذهب رأساً إلى الحديث عن أسباب نجاحها.

ما الذي حقّقته "عاصمة الثقافة العربية"؟ سؤال آخر لا يقلّ أهميةً. لنقرأ الإجابة على لسان مدير التظاهرة، سامي بن الشيخ الحسين، الذي قال مؤخّراً من باريس التي حلّت قسنطينة ضيفاً على معرضها للكتاب، إن التظاهرة حقّقت 90 بالمائة من برنامجها، في مختلف المجالات؛ من مسرح وسينما ونشر وعروض.

من الأرقام التي قدّمها بن الشيخ في هذا السياق: 15 فيلماً سينمائياً و22 معرضاً منذ انطلاق التظاهرة في 16 نيسان/ أبريل من العام الماضي، مضيفاً أنها عرفت مشاركة العديد من البلدان غير العربية؛ مثل إيران وهولندا والولايات المتّحدة، وأن المدينة تحوّلت إلى "فضاء حقيقي للتبادلات الثقافية".

تبدو الأرقام التي قدّمها بن الشيخ كبيرةً، خصوصاً إذا علمنا أن مجال النشر لوحده شهد تراجعاً كبيراً في عدد العناوين التي جرى إصدارها في مثل هذه التظاهرات، والتي تقارب الألف عنوان عادةً. في البداية، حُدّد عدد العناوين التي ستصدر في إطار التظاهرة بـ 1500 عنوان، ثم نزل الرقم إلى ألف، ثم انحدر إلى 400. واليوم، قد يكون الرقم أقلّ من ذلك، إذ ليس ثمّة من رقم عن عدد الكتاب الصادرة في إطار "قسنطينة عاصمة الثقافة العربية".

هنا نتذكّر حديث مثقّفين وأكاديميين من قسنطينة قالوا لوسائل إعلام جزائرية إنهم "لم يطّلعوا على أي كتاب أو مؤلّف صدر تحت غطاء التظاهرة، ولم تصل هذه المؤلفات إلى قسنطينة، إن كانت قد صدرت أصلاً".

لعلّ ذلك ينطبق أيضاً على مجالات أخرى؛ كالمسرح والسينما. في السينما، ثمّة أفلام عديدة لم ينطلق تصويرها بعد؛ أبرزها "أحمد باي" الذي أُسند إخراجه للتونسي شوقي الماجري، و"ابن باديس" الذي عُهد بالمهمّة إلى السوري باسل الخطيب.

وعلى ذكر الأرقام، لم يتحدّث بن الشيخ عن الميزانية التي استهلكتها التظاهرة. وعمَّ إذا كان قد نجح تماماً في المهمّة التي أُوكلت إليه، على الأقل، على المستوى الإعلامي والاتصالي. يكفي هنا أن نقول إن إدارة التظاهرة خصّصت جريدة وموقعين إلكترونيين، كانا شبه معطّلين منذ بداية الاحتفالية، وحتى اليوم، وما قُدّم فيهما لم يكن في مستوى حدث بهذا الحجم.

لم يبق إلّا أن نسأل: ما الذي تخفيه التظاهرة في ما تبقّى لها من أيام؟ الإجابة نجدها، هذه المرّة، عند محافظ مدينة قسنطينة، حسين واضح، الذي قال مؤخّراً إن الاختتام سيتميّز باستلام عشرين إنجازاً في مختلف المجالات؛ من بينها: دور للثقافة ومتحف مخصّص للشخصيات التاريخية ومركز للفنون.

المثير في كلام واضح حديثه عن أنه وَجّه "تعليمات صارمةً لاستكمال عمليات تجميل وتنظيف المحيط قبل حلول 16 نيسان/ أبريل"، موعد الاختتام؛ إذ يعكس هذا السلوك العقلية المناسباتية التي سارت عليها التظاهرة من بدايتها إلى نهايتها.

لن يغيب الجانب الاحتفالي عن اختتام التظاهرة، بل ربما سيكون مبالغاً فيه مع سياسة التقشّف وترشيد النفقات التي تتحدّث عنها وزارة الثقافة، حين نعلم أنه سيستمر ثلاثة أيام من دون توقّف، بحسب ما أعلنه المحافظ نفسه، والذي أوضح أن اليوم الأول سيتضمّن حفلاً يقدّمه موسيقيون من قسنطينة، والثاني حفلاً يقدّمه موسيقيون عرب وأجانب، بينما يُخصّص الثالث لاستعراض يجوب شوارع المدينة الرئيسية.

في اليوم الأخير نفسه، 19 نيسان/ أبريل؛ يُقام حفلٌ موسيقي جزائري تونسي مشترك، تُسلِّم فيه قسنطينة مشعل "عاصمة الثقافة العربية" لمدينة صفاقس التونسية.

المساهمون