حركة نص: الحياة شعراً

25 سبتمبر 2014
لـ شفيق عبود (1926 - 2004)
+ الخط -

بعد أكثر من ثلاث سنوات على انطلاقتها، ها هي "حركة نص" الشعرية التونسية تستعد لإصدار كتابها الجماعي الأول. الحركة التي ولدت في أوج ثورات "الربيع العربي"، صيف عام 2011، كان أطلقها سبعة شعراء من الموجة الجديدة، هم عبد الفتاح بن حمودة، وزياد عبد القادر، وأمامة الزاير، وخالد الهداجي، وشفيق طارقي، ونزار الحميدي، وصلاح بن عياد. وقد انضم إليهم هذا العام الشاعران السيد التوي وعبد الواحد السويح.

نشطت "حركة نص"، منذ انطلاقتها، في نشر بيانات تأسيسية عبر مواقع التواصل الاجتماعي وفي مجلة "الكتابة الأخرى" المصرية. وينادي أعضاؤها بضرورة "محاربة ثقافة الانتهازية الجديدة/القديمة، ومقاومة الموت الزاحف من كل مكان". كما يعبّرون عن استعدادهم اللامشروط للبحث عن بديل ثقافي، مؤمنين في الوقت ذاته أن الثّقافة البديلة "ليست مستحضراً كيميائياً يُنجز وفق إرادة ما منعزلة عن البُعد التاريخي والاجتماعي".

وإن كانت هذه "الحركة" تركّز في نشاطها على الشعر المكتوب، فلاقتناعها بضرورة تجاوز الشعر المنبري والخطابي الذي كان سائداً أثناء حكم نظام بن علي، وبأن التراكم النصي هو الذي يدلل على عمق تجربة الشاعر. يقول بن حمودة، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن البيانات التي أصدروها لخّصت نقاشات جلسات طويلة ومحتدمة عقدت بين عدة شعراء ومثقفين، مشيراً إلى أن يوم الشعر العالمي (21 آذار/ مارس) الخاص بعام 2011، شهد الجلسة المفصلية التي قرر فيها مؤسسو الحركة القطع مع السائد والمألوف.

وتتميز جل البيانات الصادرة حتى الآن عن "حركة نص" بنبرة حادة توحي بوعي هؤلاء الشعراء بمدى التردي الذي وصلت إليه حالة المثقف في تونس عامة، لا الشعراء فحسب. وتوضح الشاعرة أمامة الزاير بعضاً من ملامح الثقافة المأزومة في بيان لها قائلة: "إن الطرح السياسي الذي يعتبر الثقافة زوجة مسيار أو زوجة ثانية، ولا يلجأ إليها إلا للتعبير عن التّرف والرغبة في الترفيه، لا يمكن أن يقدّم بديلاً".

إلى جانب انتباهها لدور السياسة وفعلها التدميري في جسد النص، فإن الحركة تهتم في الوقت ذاته بطروحاتها الشعرية الجديدة. تعمل بجدية وفق معايير صارمة وحاسمة، مثل ما أقرته في أدبياتها من تجاوز نهائيّ لإشكاليات التسمية، أي ما يتعلق بمصطلحات مثل "قصيدة عمودية"، "قصيدة تفعيلة"، "قصيدة نثر". فهذه الأشكال الشعرية، بحسب الحركة، تتناغم، ولا عداء بينها.

وتسعى الحركة إلى "الانخراط الكلّي، وعياً وممارسة، في الحداثة على مستوى الأساليب والصّور والأداء الشعري"، إضافة إلى اهتمامها "بالتفاصيل واليومي والهامشيّ والاشتغال على المكان داخل النصوص الشعرية"، مع "الإفادة من أساليب السّرد ولعبة الضمائر والسواد والبياض داخل النصوص".

وتحيل الإهداءات التي ضمّنها شعراء الحركة في كتابهم الجماعي الأول، المنتظر صدوره عن "دار رسلان للنشر"، إلى وعي بضرورة التجذر والانغماس في صلب الثقافة التونسية، التي شهدت ولادة عدد من التجارب الشعرية الأخرى، مثل "الطّليعة الأدبيّة"، و"شعراء التسعينات"، و"المدرسة القيروانيّة"، و"شعراء المناجم"، و"الشعراء الطلبة". فبعد تكريم شهداء الثورة التونسية والاعتراف لهم بفضل "تعبيد الطريق الذي سيمشون فيه"، ها هم يهدون منجزهم الأدبي إلى عدد من أهم كتاب تونس، مثل القاص علي الدوعاجي، زعيم "جماعة تحت السور"، والشاعر الطاهر الهمامي، منظّر "حركة الطليعة الأدبية"، والشاعر منوّر صمادح، وكل المنبوذين في المشهد الأدبي التونسي.

ولا ينكر أعضاء الحركة فضل الأجيال السابقة من المثقفين والشعراء التونسيين عليهم، إذ يشيرون، مثلاً، إلى دور دروس الأدب التي كان يتلقاها بعضهم على يد أستاذ النقد الأدبي في كلية الآداب في منوبة، محمد لطفي اليوسفي. كما يشيرون في كتاباتهم إلى أسماء "تكثّف حضورها في الندوات والجرائد والمجلات". وفي مقابل هذا الوفاء، والاعتراف بدور الآخر، والتراكم المعرفي، يأتي احتفال بعض الأساتذة الجامعيين بـ"حركة نص"، كما فعل مصطفى الكيلاني، ومحمد الصالح بن عمر، وفتحي النصري.

ذلك ما يميز "حركة نص"؛ أنها تستبطن التجارب الشعرية التونسية السابقة، بل العربية والعالمية أيضاً. هكذا، ستختلط في هوامش كتاباتهم أسماء عربية مثل أنسي الحاج وقريبة مثل شيركو بكه س، بأخرى أجنبية مثل أوكتافيو باث وفرانسيس بونج وليبولد سيدار سنغور. كما لا تغيب روافد أخرى، غير شعرية، عن مصادرهم، كما هو حال المسرحي البريطاني هارولد بنتر، وأمبرتو إيكو، وغيرهما.

كان النقد الأبرز الذي وجّه إلى أعضاء الحركة، عند انطلاقتها، أنهم شعراء بلا كتب. انتقاد لم يعد صالحاً بعدما أصدر نزار الحميدي "بقايا نعاس"، وأمامة الزاير "العالم حزمة خيالات"، وخالد الهداجي "مجرد رائحة لا غير"، وعبد الفتاح بن حمودة "نزولاً عند رغبة المطر" و"حركات الوردة"؛ أما عبد الواحد السويح فأصدر مجموعتين بين 2000 و2005 الذي صدرت فيه مجموعة لشفيق طارقي، بينما نشر صلاح بن عياد ديوانه الأول في 2009، وزياد عبد القادر في 2011.

يبقى التساؤل دائماً، إن كانت حركات وتجارب جماعية شعرية متفائلة ونشطة كهذه، ستلقى استمراراً في نجاحها وإنتاجها، بعيداً عن الدور الذي يلعبه دائماً المشرق في تقديم التجارب المغربية، وإن كان ذلك ممكناً في الوقت الذي لا بدّ فيه من تذكر ما حذّر منه محمد بنيس ومحمد لطفي اليوسفي، من أن الثقافة المغربية هي "ثقافة يُتم وانقطاع".

دلالات
المساهمون