ألمرية الأندلس.. لافتات تزييفيّة أُزيلت دون ضجيج

24 يوليو 2024
قصبة ألمرية التي أمر ببنائها عبد الرحمن الثالث في القرن العاشر
+ الخط -
اظهر الملخص
- في مطلع 2024، قررت بلدية ألمرية الأندلسية وضع لافتات تشير إلى الأحياء اليهودية القديمة، بناءً على طلب من الجالية اليهودية ومنظمات محلية، بهدف جذب السياح.
- أثارت الخطوة انتقادات من مؤرخين وجمعيات متخصصة في الثقافة العربية الأندلسية، معتبرينها محاولة لتزييف التاريخ، خاصة في ظل الأحداث الجارية في فلسطين.
- نتيجة للضغوط، أزيلت اللافتات دون إعلان رسمي، مما يعكس تأثير اللوبيات الصهيونية ومحاولاتها لتغيير السرديات التاريخية في الغرب.

في مطلع عام 2024 قرّرت البلدية اليمينية في مدينة ألمرية الأندلسية، في الجنوب الشرقي الإسباني، بناءً على طلب من الجالية اليهودية في المدينة و"جمعية سفارد ماجنا" ومنتدى "ألمرية سنترو" وضع لافتات في مناطق مختلفة من المدينة العربية الأندلسية القديمة كُتب عليها "أحياء يهودية تعود إلى القرنين العاشر والثاني عشر"، عُلّقت في ساحة "القدّيس روكي".
 
كذلك عُلّقت لافتات أخرى كُتب عليها: "أحياء يهودية تعود إلى القرنين الثالث عشر والخامس عشر"، بدءاً من منطقة "ملاجئ الحرب الأهلية"؛ أي ما كان يُعرف تاريخياً باسم "باب بجانة"، وهي بوابة المدينة القديمة الرئيسية الأكثر أهمية وأثرية في ألمرية الأندلسية، وصولاً إلى شارع "خوفيانوس" ومفرق "شارع المحلّات". وقد عُلِّقت اللافتات باللغتين الإسبانية والإنكليزية، وعليها شمعدانات، إضافة إلى شعار مدينة ألمرية، في رسالة موجّهة بشكل رئيسيٍّ إلى سيّاح المدينة، برّرها البعض بأنّها محاولة لجذبهم. 

أثارت تلك الخطوة آنذاك انتقاد العديد من المؤرخين والمختصّين بالدراسات العربية والإسلامية، إضافة إلى عدد من منظمات وجمعيات متخصّصة في الثقافة العربية الأندلسية، حيث عرّت تلك الادعاءات؛ والتي جاءت تزامناً مع حرب الإبادة الجماعية التي تقوم بها "إسرائيل" ضدّ الشعب الفلسطيني منذ الثامن من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، عبر رسائل رسمية وُجهت إلى بلدية المدينة تدحض بالحجج التاريخية والأركيولوجية تلك المزاعم وتطالب بإزالة اللافتات.

مقالات تاريخية علمية تصدّت لتلك الادعاءات ودحضت سرديّتها الزائفة

كما قام العديد من المختصين والصحافيّين بتوجيه العديد من الرسائل إلى البلدية، وكتابة مقالات تاريخية علمية تؤكّد زيف تلك الادعاءات، متصدّين لتلك الرواية الكاذبة التي تهدف، كما سبق وأشار الكاتب والصحافي رافائيل دي مارتوس، إلى "تشكيل قصّة تاريخية جديدة، لأنّ ما يحدث في ألمرية ليس استثنائياً، في ظل السردية الصهيونية المنتشرة في الغرب والتي تقول إنّ المسلمين (وبشكل خاص العرب والفلسطينيّون) يكرهون اليهود ويعادون السامية، كما لو أنَّ العرب أنفسهم ليسوا ساميّين مثل اليهود ولم يحتضنوا عبر تاريخهم اليهود حين اضطهدتهم أوروبا". 

وفي الإطار نفسه، قامت بعض الجمعيات بتنظيم جولات إرشادية عبر أحياء المدينة من أجل تعريف سكانها بتاريخهم الحقيقي، وبذلك ممارسة الضغط على البلدية من أجل إزالة اللافتات.  

يبدو أن نتائج تلك الضغوط كلّها التي مارسها المعنيّون بالأمر قد أسفرت إيجاباً، حيث استيقظ سكّان المدينة، أمس الثلاثاء، ولم يعثروا على اللافتات، إذ تمت إزالتها مساءً، دون ضجيج، أو صور رسمية، أو حتى دون إصدار أي بيان رسمي من قبل البلدية يفسّر ما حدث، وأسباب وضع تلك اللافتات أساساً، على غرار ما فعلوه عندما قاموا بوضعها وتصدير بيان رسمي بذلك. 

ومهما يكن من أمر، لا يمكن فصل ما حدث في ألمرية عن الضغوط التي تمارسها اللوبيات الصهيونية في الغرب عموماً، وفي إسبانيا بشكل خاص؛ لا سيّما بعد الموقف الرسمي الإسباني الداعم للحقوق الفلسطينية والمدين للمجازر الإسرائيلية في غزّة، من أجل تزييف السرديات التاريخية واختطافها، وخاصة تلك المتعلّقة بالأندلس، وكأنهم يجهلون أنها كانت مكاناً متعدّداً عاشت فيه ثلاث ثقافات مختلفة: المسيحية واليهودية والإسلامية.  

آداب وفنون
التحديثات الحية
المساهمون