وقفة مع الهادي التيمومي

06 أكتوبر 2021
الهادي التيمومي (العربي الجديد)
+ الخط -

تقف هذه الزاوية مع مبدع عربي في أسئلة سريعة عن انشغالاته الإبداعية وجديد إنتاجه وبعض ما يودّ مشاطرته مع قرّائه

 

■ ما الذي يشغلك هذه الأيام؟
على رأس المشاغل، ككلّ النّاس، متطلّبات الحياة اليوميّة: مشاغل الأهل والأبناء والعمل... لكنّي أكافح باستمرار حتّى لا أغرق في الروتين، فأصنع من القراءة جناحَين، وأجعل من الكتابة مُتنَفَّساً ومِعراجاً... هكذا يكون الكاتب ممزَّقاً بين ما يحبّ وما لا بدّ منه. الآن جزء هامّ من وقتي مخصّص لكتابة روايتي الجديدة.

■ ما آخر عمل صدر لك وما عملك القادم؟
كانت آخر رواياتي "قيامة الحشّاشين"، التي تُمثّل عصارة تجربتي الروائيّة، وقد خلّفت أثراً طيّباً وصدىً لدى القرّاء والنقّاد يجعلني أصنّفها أكثر رواياتي حتّى الآن نجاحاً وانتشاراً. وأنا الآن منشغل بوضع اللّمسات الأخيرة على روايتي التالية "قبّعات متكبّرة" التي أرجو أن تكون لبِنة هامّة في مشروعي الروائي.

■ هل أنت راضٍ عن إنتاجك ولماذا؟
يمكن أن أعتبر نفسي راضِياً بالنظر إلى مجمل العراقيل والمعوّقات التي كان يمكن أن تقذف بي في مَهاوي التثبيط، فقيمةُ المُنجَز تُقاس بالظّروف التي حفّت بإنجازه، لكنّ الرضا يظلّ نسبيّاً، إذ التمامُ غاية لا تُدرَك، والكاتبُ يظلّ في حالة صقل مستمرّة تجعله بعد كلّ عمل أكثر بريقاً.

الكاتبُ في حالة صقل مستمرّة تجعله بعد كلّ عمل أكثر بريقاً

■ لو قُيّض لك البدء من جديد، أي مسار كنت ستختار؟
ما أجملَ الأماني، وأجملُها أبْعدُها عن الإمكان! لكنّي لو افترضتُ إمكان البدء من جديد، فإنّي أثبّت الخيارَ الإبداعيّ تثبيتاً يمنحُه الأولويّة المطلقة على كلّ ما عداه، فقد كنتُ مغـرَماً بالكتابة منذ طفولتي، وكانت لي تجارب في النشر في المجلّات والجرائد، لكنّي تركتُ ذلك المسار وطوّحَت بي الحياة بعيداً، حتّى عدتُ عودة متأخِّرة ساعِياً إلى استدراك ما فات.

■ ما التغيير الذي تنتظره أو تريده في العالم؟
تنتابني أفكار حزينة حول المصير الذي آلت إليه المجتمعات المعاصِرة، فقد بلغ الإنسانُ درجة عالية من التقدّم العلميّ والتكنولوجي، لكنّه لم يزدد إلّا بؤساً روحيّاً وغُربة عن إنسانيّته. الوفرة المادّيّة لم تجلب السعادة في ظلّ الفقر الروحي واستبعاد المَناحي الإنسانيّة والأخلاقيّة... تتعالى الأصواتُ اليوم لمواجهة ذلك الانخرام وإصلاح وضع الإنسان "ذي البعد الواحد"، فهل لا يزال ذلك ممكناً؟  

■ شخصية من الماضي تود لقاءها، ولماذا هي بالذات؟
شخصيّات كثيرة تركت أثراً عميقاً وسُمعة رفيعة حتّى لَتبعث في النفس الرغبة في لقائها. هناك مَن زرع الحكمة في زمن الجنون، ومَن زرع المحبّة في زمن الكراهية، ومَن نافح عن التسامح حين شاعت الأحقاد، وعن الحريّة في زمن الاستبداد... إنّهم كثيرون مِن كلّ الشعوب والأجناس، فمَن أختار منهم إن قُدِّر لي لقاء أحدهم؟ الإنسانيّون كلّهم يشرّفونني، لكنّي بكلّ حال لا أمجّد الشخصيّات الدمويّة التي اعتُبِر أصحابُها أبطالاً بِما اقترفوا من جرائم صار اسمُها بطولات تاريخيّة!  

■ صديق يخطر على بالك أو كتاب تعود إليه دائماً؟
إن كان مِن غائب يخطر على بالي دائماً، وكتاب أستلهم منه، فهو أمّي. كانت روحاً عظيمة ونبعاً للعطاء والإيثار ونكران الذات. بلَغت حدودَ الأمومة القصوى، أبْعدَ من العقل والخيال كليهما. أمّا عن الأصدقاء، فَلِي منهم أعزّة لا يُنسَوْن، لكنّ الزمان يجمع ويُفرّق، وأكثرهم حضوراً في ذاكرتي أولئك الذين آمنوا بموهبتي وكانوا لي سنداً في شقّ طريقي للكتابة والنّشر. 

■ ماذا تقرأ الآن؟
كنتُ في سنين خلت ألتهم كلّ ما يقع بين يديّ، ولم تكن مكتبتي الصّغيرة قادِرة على مجاراة نهمي، أمّا الآن فيحدث العكس، إذ بسبب انشغالي بالكتابة لا أجد الوقت الكافي للقراءة. رغم علمي بِضيق الوقت، فإنّي لا أستطيع لَجمَ نفسي عن اقتناء كتُب تغمزني مِن رفوف المكتبات، لكنّ قراءاتي صارت غالِباً مُوجَّهة، أنا الآن بِصدد التنقيب في بعض الكتب التاريخية من أجل معلومات تتطلّبها روايتي القادمة.

■ ماذا تسمع الآن، وهل تقترح علينا تجربة غنائية أو موسيقية يمكننا أن نشاركك سماعها؟
أميل إلى الأغاني الطربيّة التي تنتقي أشعاراً فاخِرة رفيعة، وألحاناً تجمع بين رصانة الفكر ورقّة الإحساس، كان لنا عمالقة من رجال ونساء تركوا لنا إرثًا يدعو إلى الفخر مثل أمّ كلثوم وعبد الحليم حافظ وصباح فخري وعلي الرياحي ونجاة الصغيرة وفيروز وغيرهم، لكنّ الجيل الجديد سقط أغلبُه في الاستسهال والكلمات الضحلة والألحان الراقصة المُكرَّرة، فأفسد علينا شيئاً من متعتنا. أقترح عليكم هذه الكلمات فاقرأوها بالألحان كما غنّتها كوكب الشرق: 
"يا حبيباً زرتُ يوما أيْكَه/ طائر الشّوق أغنّي ألمي
لك إبطاءُ المُذلّ المُنعم/ وتجَنّي القادر المحتكِم
وحنيني لك يكوي أضلعي/ والثواني جمرات في دمي".


بطاقة
روائي تونسي، مواليد قرية نصرالله من ولاية القيروان. يعمل حاليّاً موظّفاً في وزارة البيئة والتنمية المستديمة. من إصداراته: "ملحُ قرطاج، حكاية من العالم السّفلي" (دار الجنوب، سلسلة عيون المعاصرة، 2013)، و"يسقط الشّاه" (دار سحَر للنشر والتّوزيع، 2015)، و"الطاووس والغربان، كليلة ودمنة مرّة أُخرى" (مسكلياني، 2019)، و"قيامة الحشّاشين" (مسكلياني، 2020)، وتصدر له قريباً رواية بعنوان "قبّعات متكبِّرة".

وقفات
التحديثات الحية
المساهمون