لم يسعفني الكذب

23 سبتمبر 2021
محمّد الأسعد يقرأ من شعره في "مهرجان سيت" الفرنسي،2011
+ الخط -

"طَوى الجزيرةَ حتى جاءني خَبَرٌ/ فَزِعتُ فيهِ بآمالي إلى الكَذَبِ"، لكن الكذب لم يسعفني طويلاً يا محمد الأسعد. للحظةٍ حسدتُ من لم يعرفوك، لأن القدر لم يصفعهم تلك الصفعة الباردة التي ما زلت مُخدَّراً منها وأنا أرقن هذه الكلمات المنكسرة التي لا تليق بسيِّدِ كلماتٍ مثلك. 

كنت أريد أن أخلو بنفسي وأصمت، أخلو بنفسي وأتذكر، لكن الواجب الصحافي لا يسمح. تخيّل أن هذه الصفحات التي كنت نجمها لسبع سنوات تتحدث عنك اليوم كغائب وأني في يوم كهذا أقوم بدور المحرِّر!

الطبيعيُّ أن أكون في وداعك على الأقل، ألّا أكتب من بعيد كغريب. في لحظات كهذه يتحسّس واحدنا المسامير في رسغيه، أسلاك الحدود الشائكة، الألغام والكاميرات والتأشيرات ووثائق السفر المانعة للسفر، الاستعمار وأدواته، الاستعمار وأقنعته. يقف واحدنا على مرأى من حدود تمنعه من وداع صديق أو معلّم أو أب. لكننا نقف أيضاً أمام الكتابة، كتابتك التي تمسح مثل يد الأب ويد الأخت ويد الابنة.. تمسح كل ذلك.

لكن كما تعرف، هذه وداعات شكلية، الوداع يجري في أعماقنا - هذه الهجرة التي لا تنتهي داخلنا حين يغادر أحبتنا، واللقاءات أيضاً تجري في داخلنا وسنلتقي كثيراً. هذا الموت مسرحية كئيبة وقاسية. ستبقى حياً، في كل كلمة كتبتها، وفيمن حرّرتهم بكلماتك.

كما ترى، ها أنا من جديد أفزع بآمالي إلى الكذب.

المساهمون