كأنّهم الأشجار والأمواج

25 أكتوبر 2022
يورغوس سيفيريس (1900 - 1971)
+ الخط -

انقلاب صيفيّ

-ح-

الورقة البيضاء مرآةٌ صلبة
تُرجِع فقط ما كنتَه.

الورقةُ البيضاء تحكي مع صوتكَ،
صوتكَ أنت
لا ذاك الصوت الذي يُعجبك؛
موسيقاكَ هي الحياة
هذه التي أهدرتَها. 
قد تربحُها من جديد إنْ تشَأ
إنْ تتسمّر على هذا الأمر عديم الشأن 
الذي يطرحُك خلفاً
من حيثُ انطلقت.

سافرتَ، رأيت أقماراً كثيرة وشموساً كثيرة 
لمستَ أحياء وموتى 
أحسستَ بألمِ الفتى
وأنين المرأة 
ومرارة الولد الغضّ - 
كلُّ ما شعرت به ملقيٌّ بلا كيان
ما لم تثق بهذا الفراغ.
قد تعثر هناك على ما ظننتَه ضائعاً:
نُبوت الشباب، والعدالة في غرق العمر.

حياتكَ هي ما قد أعطيتَ
هذا الفراغ هو ما أُعطيتَ
الورقةُ البيضاء. 


■ ■ ■


بحّارة السفينة أرغو

"والنفس 
إذا أرادت أن تعرف 
ذاتها
فإلى نفسٍ
عليها أن تنظر": 
إنّ الغريب والعدوّ
قد أبصرناه 
في المرآة.

كان الرفاق شباباً طيّبين، ما كانوا يصيحون 
لا تعباً ولا عطشاً ولا صقيعاً
كأنّهم الأشجار والأمواج
تتلقّى الريح والمطر
تتلقّى الليل والشمس
من غير تحوُّلٍ خلال التحوُّل.
كانوا شباباً طيّبين، أياماً بأكملها
تصبّبوا عرقاً وهم يُجَذِّفون بِلُحُظٍ منخفضةٍ
ويتنفّسون إيقاعيّاً
وكان دمهم يُحَمِّر بشرةً خانعة.
 
مرّة غنّوا، بلُحُظ منخفضة 
عندما مررنا بالجزيرة القاحلة بصُبّار التين
عند الغروب، بعيداً من الرأس البحريّ، رأس الكلاب
التي تنبح.

إذا أرادت أن تعرف ذاتها، كانوا يقولون
فإلى نفس عليها أن تنظر، كانوا يقولون 
والمجاذيف تضرب ذهب البحر 
عند المغيب.
عبرنا رؤوساً كثيرة وجزراً كثيرة والبحر 
الذي يجلب البحر الآخر، طيور النورس والفُقَم.
 
نساء تعيساتٌ كنّ يوماً 
يبكين بعويلٍ أبناءهنّ المفقودين
وأُخريات حانقات كنّ يبحثن عن الإسكندر الكبير
وعن أمجاد غارقة في أعماق آسيا.

استرخينَ على شواطئَ مليئة بعطور ليليّة
بتغريدات طيور، بمياه تترك على الأيدي 
ذكرى سعادة عظيمة.
لكنّ الأسفار لم تكن تنتهي.
اتّحدت نفوسهم بالمجاذيف ومساندها
بوجه الجؤجؤ الرصين
بأخدود الدفّة
بالمياه التي كانت تُهشِّم هيئاتهم.
قضى الرفاق واحداً تلو الآخر،
بلُحُظ منخفضة. مجاذيفهم 
تدلّ على المكان الذي ينامون فيه على الشاطئ.

لا أحد يذكرهم. عدالة.   


* ترجمة عن اليونانية: روني بو سابا

المساهمون