الأب
إكتور روخاس إيراسو
كان ظِلّاً،
إشارةً مُبهمةً
لصورةٍ على الحائط،
غيابَ توبيخِه
بين الطفولة.
كنتُ أنظر إلى تجعيداته
(ألمسُها)
عيناهُ اللتان ظلّتا تُخمّنان عينيّ
وذلك الغضب المُحبّ الذي يثني جبهته.
كان الصمتُ يجعل منه شيئاً حيّاً،
أحدًا كان هناك، لا يزال في معاناته.
يبحثُ في دمي، وفي دمه
عن مدِّ لغزٍ كان يُسافر في شرايينه.
هُنا، على الجانب الآخر من الصورة،
كان اليومُ ثمراتِ اللوز،
وأوراقَ الشجر في التراب،
والضجرَ بترف ريشه الذهبيّ.
وهناك، عيناه الحادّتان، وشعرُه المتموّج
ربطة عنقه، وشفتاه اللتان أكلهما الموت.
أبي، كنت أقول حينها، كنت أحلم حينها،
كنت أتضرّع حينها
يا أبي، لا تنسَني، لا تهجرني،
لا تنس أنني أنظر إليك وأنتظر.
لا تنس نفسَكَ ناسياً ولدك.
■ ■ ■
سيرة رجل خائف
بييداد بونيت
خافَ أبي مبكّراً لأنَّهُ وُلِدَ
لكنهم سرعان ما ذكّروه
بواجبات الرجال
وعلّموه
أن يُصلّي، ويدّخر، ويعمل.
وهكذا أصبح أبي مبكّراً رجلاً صالحاً
أو كما كان جدّي ليقول: "رجلًا بحقٍّ".
ومع ذلك،
ــ مثل كلب يئنُّ مُكَمّماً
ومربوطاً بحبله ــ
كان الخوف يتمادى
في أعمق مكانٍ من أبي.
من أبي
الذي كانت له في طفولته عينان حزينتان
وفي شيخوخته يدان شاسعتان ونظيفتان
كصمت الفجر.
ودائماً، دائماً، هواءُ رجل وحيد.
وهكذا حين وُلِدتُ منحني أبي
كلّ ما كان في وُسعِ قلبه المُشتّتِ أن يمنح
وضمن ذلك
كانت هدية خوفِه الحبيبة.
كرجلٍ صالح كان أبي يعمل كلّ صباح،
ويشترى اليانصيب كلّ ليلة، وكلّما استطاع
كان يشتري بالتقسيط الموتَ الصغيرَ
الذي طالما تمنّاه.
وظل يدفع ثمنه بعرق جبينه
دون كلل، عاماً بعد عام.
كرجلٍ صالح، رجلٍ في طيبة أبي.
■ ■ ■
اللعبة مع أبي
فيليبي جارسيّا كينتيرو
يوماً ما قال لي أبي وأنا طفل (لم أعد أتذكر كلماته):
"اختبئ في البيت
وأنا سأبحث عنك فيما بعد".
ما زلتُ مختبئاً، أنتظر.
■ ■ ■
خطاب
أنطونيو سيلبيرا أريناس
إنك ضعيفٌ يا أبي
وأنا لا أعلم كيف عشتَ كلَّ هذه السنين
عيناك شديدتا النقاء:
كأنَك تنتظرُ في المولد
أن يأتي إليك النبيُّ بالحلوى
اكتشفتَ متأخّراً
أن لديك ابناً:
بالكاد الآن،
وأنت تنزف،
تشعر بالألم الذي يعني
انتزاعَ جزءٍ من نَفْسِ المرء.
أبي، ضعيفٌ أنتَ،
وأنا لا أعلمُ كيف عشتَ كل هذه السنوات.
■ ■ ■
أبي، شيءٌ كالظِلّ
جون فيتزجيرالد تورّيس
يا أبي، شيءٌ كالظلِّ
يعبرُ من عَظْمةٍ إلى عظمةٍ
قمرَ مُحيّاك
حين يقول رجلٌ خلف ظهرك
ــ هو أيضاً أبوك ــ
من العتمةِ
بصوته الوئيد:
"كيف يكبرُ ابنُنا..."
والرجل الذي هو أنت،
يرفع، بين يديه العاريتين، كلمتَيْن:
"ربما، بُنَيّ...؟"
ولا شيء يهزُّك كهذا المطر
الذي يسقط فجأة على القلب
لأننا فيما بعد نعلم
ليس سوى الصمت والمسافة؛
لكنّ هذا الظلّ يا أبي
الذي كبُر سارقاً أحلامك بخفّة يد
من بين أشياء بلا أهمّية
لا يودّ سوى الحديث
يودُّ الغناء
والذي اختار أكثر المهن التي لا تنفع
ما زال يحني هشاشة روحِك:
إنّ وحدتي ــ لقد عرفت، يا أبي،
ما من داعٍ لقول ذلك ــ
أتت على كُلِّ آمالك.
* قصائد مختارة من كتاب "قصائد إلى الأب"، وهو أنطولوجيا جماعية من إعداد الشاعر الكولومبي روخيليو إتشيبيرّيّا